مدينة الموصل في  حرب (٦ أُكتوبر)

 

الاستاذ /نشوان ذنون 

كاتب قصة عراقي 

 

قالوا . لا يمكن إجتياح (خط باRليف) إلا بمعجزة إلهية . أو بجيش يمتلك قدرات خارقة و كونية .

واليوم هو الجمعة ( ٦ ) إكتوبر ٢٠٢٣ .

في مثل هذه الدقيقة قبل ( ٥٠ ) عام بالتمام و الكمال . يكون قد مضى نصف قرن من الزمان . على ذلك اليوم السعيد . أتذكر أحداثه كأنها الآن . ففي مثل هذا اليوم وفي تمام الساعة ( 3 ) بعد الظهر بالضبط بتوقيت العراق . الساعة ( 2 ) بعد الظهر بتوقيت مصر . بدأت عمليات (المآذن العالية) أو عمليات ( بدر ) . حيث قامت ( ٢٢٠ ) طائرة مصرية مقاTلة بضمنها (٢٠) طائرة عراقية نوع (هوكر هنتر) يقودها طيارون عراقيون . بغاRات جوية ساحقة . مفاجئة و ماحقة . و بإرتفاعات منخفضة جداً على مراكز قيادة العمليات ومراكز السيطرة و الإتصالات و المطارات و عُقد المواصلات و بطRيات الدفاع الجوي و الصواRيخ و مواقع الدبابات و المدافع و مواضع و دفاعات النقاط الحصينة للجيش الإسراEيلي في سيناء . فصبت نار حممها و جام غضبها بالحق . لتتلوها بعد ( ٥ ) دقائق بالضبط المدFعية المصرية لتصب فوهة ( ٤٠٠٠ ) مدFع بمختلف العيارات فترمي أكثر من (نصف مليون) قذيفة مدFع . بقصف تمهيدي مُرَكَز لمدة (٥٣) دقيقة فقط . على الخطوط الدفاعية الثلاث (لخط باRليف) الأول و الثاني و الثالث بتوقيتات معلومة لأهداف محددة ومفهومة . لتشل قدرات الجيش الإسراEيلي و تجعله في حالة رعب و إرتباك و صدمة . و عَجَز عن إتخاذ أي موقف ضد الهجوم .

ليقوم معها الجيش المصري الباسل و تحت غطاء المدFعية بالهجوم المباغت في الساعة ( 20 : 3 ) دقيقة بالضبط بتوقيت العراق . يحملهم أكثر من ( ١٠٠٠ ) زورق مطاطي كل زورق يحمل (١٠) رجال بعتادهم و عدتهم و أرزاقهم . بالعبور نحو الضفة الشرقية لقناة السويس (كموجة بشرية أولى) و يكتسح بمنتهى الشجاعة و الإقدام (خط باRليف المنيع) و كأنهم ( موجة عملاقة من التسونامي المصري الرهيب) . و يتوغل بعمق ( ١٢ ) كيلومتر و حسب الخطة و الغاية و الهدف . و ليتخذوا على (خط باRليف) موضع دفاعي حصين . و يحققوا أعظم نصر و أكبر إنجاز في تاريخ الحروب العسكرية الحديثة .

كان ذلك اليوم هو السبت العاشر من شهر رمضان المبارك . الموافق ليوم ٦ /١٠ /١٩٧٣ .

إنه يوم ( ٦ : تشرين الأول ) كما يسميه العراقيين . وقد تجاوز عمري ( ٧ ) سنين . لم أكن أدرك من الحياة إلا ما تراه عيناي بواقعها الجميل و تسمعه أُذناي من كلمات الخير و الفضل والمحبة في البيت والمدرسة . في أجواء شهر رمضان المبارك . كنت (كل يوم) قبل أذآن المغرب بساعة أبدأ أُُهيء بنفسي . (منقل الفحم) للشواء و أُؤكد على أبي (رحمه الله) بإحضار كيس كبير من عصير (شربت الزبيب) ليطيب معه الإفطار . بالإضافة الى ما تعده أُمّي الحبيبة . من مكملات مائدة الطعام و تبعاتها الأخرى فتكون المائدة عامرة بما لذ وطاب من خيرات الله سبحانه وتعالى . كانت متعتي بل (لعبتي المفضلة) بتركيم جمرات الفحم على بعضها . و مراقبة لهيب الجمر الأحمر و هو يشوي اللحم . كان كل شيء ممتع و مهيء و منظم بهدوء و سعادة . مثل كل يوم . وقد أصبحت في الصف الثالث الإبتدائي . وقد بدأ العام الدراسي مع بداية شهر رمضان المبارك . وقد تعودنا الصيام (كعادة) لا يمكن التنازل عنها أبداً و (كعبادة) تشعرنا بسعادة روحية غامرة . تفيض علينا بنفحات قدسية . نذوق معها لذة الإيمان . بخشوعها الجميل ومعانيها السامية . و كأني أسمع الآن إبتهال ( إني ببابك مولاي ) (للسيد النقشبندي) و صوت القاريء العراقي (الحافظ خليل إسماعيل) وهو يتلو بصدى مسامعي آيات من الذكر الحكيم . و مع مدفع الإفطار نتابع برنامج . أسماء الله الحسنى (لمحمد السبع) . لكن ماحدث ذلك اليوم غير الكثير من معلوماتي . و أيقظ في نفسي هواجس تفوق براءة الطفولة . و أحداث تطغى على إدراك خلجات الرجولة . فقد جاء والدي قبل المغرب بساعتين وعلى غير موعده و بشكل غير طبيعي . أقرأ في ملامح وجهه تعابير البشاشة الممزوجة بالقلق و الترقب و الحذر . تتتابع خطواته بسرعة و تتعثر مع دقائق من الوقت محسوبة بالثانية . وهو يراقب عقارب الساعة بلهفة . و ينتظر أي خبر أو بيان من إذاعة (صوت العرب من القاهرة) . ليطمئن بأن العبور قد تم و تحقق النصر . فقد أذن لصلاة المغرب في مدينة الموصل الحبيبة . في تمام الساعة( 48 : 5 ) دقيقة . فأفطر والدي بلقمتين و شرب القليل من الماء . ثم تركنا ودخل مسرعاً الى غرفته الخاصة ليحتضن الراديو الألماني الكبير نوع (كروندج) ذو العين اللؤلؤية الخضراء  

في الساعة ( 04 : 7 ) دقائق مساءً خرج والدي لإداء (صلاة العشاء والتراويح) في (جامع العُرَيبِي) . في ذلك الزمان كان في (حَيِنا جامعين فقط) هما (جامع النجار و جامع العريبي) كان الجامعين يكبرون و يهللون ويدعون الله سبحانه وتعالى بالنصر لجنوده المؤمنين . فقد غادرت فرق و قطعات الجيش العراقي الباسل . متوجهة الى سوريا لنيل شرف المشاركة في حرب أكتوبر و مساندة الجيش السوري الشقيق في الدفاع عن دمشق مع باقي الجيوش العربية . في الساعة ( 15 : 8 ) دقيقة عاد والدي مسرعاً مرة ثانية و دخل الى غرفته ليعاود متابعة الأخبار . في الساعة ( 30 : 8 ) دقيقة مساءً و عن (غير قصد) ذهبت بهدوء الى غرفة أبي (رحمه الله) و بيدي قدح بارد من العصير لوالدي . لأدخل عليه و أجده يجلس بشكل متحفز وقد طوى ساقه اليسرى تحت فخذه الأيمن ويستند بقدمه اليمنى على الأرض وقد أسند يده اليسرى فوق الراديو و كأن الراديو قد أصبح (ملاذه الأخير و صديقه الخطير) . (فأشار لي بسبابتهِ اليمنى و وضعها على شفتيه : أن هُص : ثم أشار لي برؤوس أصابعه بالجلوس : فجلست ) و كله أذآن صاغية و هو يستمع الى البيان رقم ( ٧ ) الصادر من القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية . (( بسم الله الرحمن الرحيم : نجحت قواتنا المسلحة في عبور قناة السويس على طول المواجهة و تم الإستيلاء على منطقة الشاطيء الشرقي للقناة . وتواصل قواتنا حالياً قتالها مع العدو بنجاح و كما قامت قواتنا البحرية بحماية الجانب الأيسر لقواتنا على ساحل البحر الأبيض المتوسط و قد قامت بضرب الأهداف الهامة للعدو على الساحل الشمالي لسيناء و أصابتها إصابات مباشرة : هنا القاهرة ))

بعد أن إنتهى البيان . تنفس والدي الصعداء ثم ضحك ملئ قلبه بكل عفوية و رفع يديه الى السماء و قال . اللهم لك الحمد و لك الشكر . ومع صوت والدي سمعنا (ضجة عالية لموجة عاتية) من أصوات الحمد والتهليل و التكبير تخترق جدران بيتنا من بيوت الجيران المحيطة حولنا . (و كأن مصر قد أصابت هدفها الحاسم في مباراة الوجود فحققت للعرب فوزهم المستحيل في الثواني الأخيرة من بطولة تقرير المصير) . و كأن مدينة الموصل كلها كانت (تصغي بصمت و تغفو بسلام على أخبار الحرب) و هي تترقب بحذر . لتجفل فجأءة من رقادها الثقيل . (وتنتفظ كالمارد السجين ) مقطعة سلاسل الصمت .. صادحة بأيآت التهليل و الحمد و التكبير . بعد أن سمعت بشارات النصر في البيان رقم ( ٧ ) المذاع في الساعة ( 30 : 8 ) دقيقة مساءً بتوقيت العراق . فقد كانت الموصل تعيش أجواء المعركة بالترقب و الدعاء . سألت والدي ببراءة الطفولة وحب المعرفة والإطلاع . وبعد أن ناولته قدح العصير ثم قلت له ( من يصدق يا أبتي . اليوم حدثت حرب و إنتصرنا فيها على إسراEيل ) كانت الإنارة خافتة في الغرفة . و السيكارة ( مجمرة حمراء ) تذوب مسرعة بأنفاس أبي الباردة . و كأنها مستمتعة معنا بما تسمع من أخبار و تشاطرنا مشاعر الفرح . حتى جدران الغرفة بدت لي زاهية بألوانها السرمدية و هي ضاحكة معنا و أحلى من ذي قبل بستائرها اللؤلؤية البيضاء الجميلة . كانت عيون أبي تبرق بالفرح لا أنساها ما حييت . وبنبرة صوت هادئة و واثقة بنصر الله . و (كأنه هو من عبر القناة و حقق النصر) . قال لي .. بعد أن (وجد فرصة ليتحدث الى شخص) و يعبر له عما يعتلج في صدره من مشاعر تتفجر بالسعادة و القبول و الرضا . ( و هو الإنسان الكادح البسيط ) الحمد لله يا إبني . بقدرة الله و بتمكين الله و بفضل الله سبحانه و تعالى . مصر الآن ؟ أكملت العبور و أحكمت السيطرة على خط باRليف . اليوم منذ الساعة ( 3 ) بعد الظهر (بتوقيت العراق) . و منذ أن صدر البيان الأول في الراديو . أنا وجميع أصحابي في سوق باب السراي (إحتشدنا حول الراديو بسكون نكاد أن نسمع دقات قلوبنا في آذاننا) و نحن ننصت الى البيان رقم ( ١ ) . فوقعنا في حالة الذهول و الصدمة . و أصبحنا في حالة ترقب و قلق و حيرة و نحن نتابع الأخبار و نلهج بالذكر و الدعاء . ( لقد مرت علينا ٣ حروب قاسية) . ذاق فيها العرب طعم الخسارة و مرارة الهزيمة . (النكبة سنة ١٩٤٨ و العدوان الثلاثي سنة ١٩٥٦ و النكسة سنة ١٩٦٧ ) لكن اليوم . أوووه إطمئن قلبي .. ( لقد إنتصرنا ) . فبعد أن إقتحمت مصر المانع المائي لقناة السويس و إجتاحت الموانع الدفاعية (لخط باRليف) . و أحكمت قبضتها على الأرض ؟ و رفعت رأس العرب عالياً . و (هذا يكفي و هذا يكفي) و الحمد لله على فضله و إمتنانه . فقلت له و أنا أضحك مع ضحك أبي . ( أبتي : ما هو خط باRليف لكي تحدث عليه كل هذه المعارك ) وفي كل مخيلتي الطفولية إنه خط مرسوم على الأرض بالطباشير أو إنه خط كخط سكة الحديد . فإبتسم أبي وقال لي . يا إبني صدقني الى عصر هذا اليوم لم أكن أعرف شيء عن (خط باRليف) .

ما هو (خط باRليف)

 

يا إبني صدقني الى عصر هذا اليوم . لم أكن أعرف شيء عن (خط باRليف) . فنحن أُناس بسطاء . همنا قوت يومنا و مستقبل أولادنا . نحب أن ننعم بالراحة و الأمان بسلام . لا نحترف الحياة العسكرية . و ليس لدينا فيها خبرة أو مهنة . ولكننا نتابع الأخبار بشغف و نتعلم و نصغي فنفهم . لأن هذا مصيرنا و هذه حياتنا و (ديننا و هو الأهم) . قبل أكثر من ساعتين و نصف أي في الساعة ( 6 ) مساءً . تابعت تقرير مفصل عن هذا الخط . و قبل قليل (نوهوا إنهم سيعاودون بثه مرة ثانية بتطورات الموقف الجديد) في الساعة ( 9 ) مساءً . أي بعد ( ١٠ ) دقائق وأنا أنتظره بلهفة .

فإبقى معي لتسمع و تفهم . و بالفعل طمعاً في محبة أبي و مشاركته المشاعر . جلست و إنتظرت قرب الراديو و أصغيت الى التقرير و كأني رجل كبير . فحفظت بعقلي الطفولي ما أستطيع و أنا أجسد بفكري ما أسمع . ( مضيفاً على التقرير معلومات جديدة حدثت في اليوم الثاني و الثالث من الحرب ) و كما يلي .

(إنه أعظم خط دفاعي في التاريخ) ينحدر ساتره في داخل مياه قناة السويس على الضفة الشرقية بزاوية شبه عامودية مقدارها ( ٦٠°) . و تعتبر قناة السويس مانع مائي خطير . يصعب عبوره وهذه القناة تفصل شبه جزيره سيناء الواقعة في قارة آسيا عن جمهورية مصر العربية الواقعة في قارة أفريقيا . (خط باRليف) يستند على قناة السويس و يحاذيها بطول (١٧٠) كيلو متر . (كالرمش فوق العين) . يبدأ من مدينة بور سعيد على البحر الأبيض المتوسط في الشمال . و ينتهي في خليج السويس على البحر الأحمر في الجنوب . إرتفاع ساتره من (٢٠ الى ٢٢ متر) بما يعادل إرتفاع بناية تتكون من ( ٧ ) طوابق . نظمتهُ إسراEيل من تكديس الرمال المتراكمة و الموجودة سابقاً و الناتجة من حفر قناة السويس قبل أكثر من (١٠٠) عام منذ عهد الخديوي إسماعيل عندما إفتتحها في سنة ١٨٦٩ .

فلا يمكن للإشخاص أو الدبابات أو الناقلات الصعود عليه أو تسلقه أو تجاوزه لأن رماله ثابته وهي تتباين بين القوية و الهشه . و كذلك فإن إرتفاع الساتر يمثل حاجز منيع أمامها بالإضافة الى إن سَفحه مليء بألغام الأشخاص و مصائد المغفلين . (خط باRليف) محكم بأبراج المراقبة و مدعم بأجهزة الرصد الحديثة . التي تكشف أي حركة مهما كانت بسيطة و تدمرها فوراً . عرض (خط باRليف) يصل الى عمق (٢٠) كيلو متر فيه سواتر متراكبة و بإرتفاعات متعاقبة وبنظام مدروس ومحكم و بثلاث خطوط دفاعية متتالية بين الساتر الدفاعي الأول و الخط الدفاعي الثاني مسافة (٣) كيلو متر و بين الثاني والثالث (٥) كيلو متر . فيه (٣٥) منظومة إرتكاز دفاعية متكاملة من الجنود كقوة قتالية . تسندها مئات الدبابات و مئات المدافع . مؤهلة بخدمات إدارية و فنية و تنظيمية و طبية و حتى الترفيهية . تتمتع بكل وسائل الراحة و الحماية و الأمان . مسنودة بمستودعات مليئة بالأرزاق و الذخيرة و قطع الغيار الإحتياطية . جميع هذه الصنوف و القوات تتحرك بداخل (مواضع كونكريتية حصينة) لا تؤثر فيها أضخم القنابل الثقيلة . ( إنهم لا يقاتلون إلا في قرى محصنة أو من وراء جْدر ) تربط هذه المواضع الحصينة . شبكة من الخطوط الشقية الحصينة و تعقبها أمامها و خلفها سلاسل متتالية من حقول الألغام و الأسلاك الشائكة . و المعرقلات العشوائية التي لا يمكن تجاوزها . مدعمة بملايين الألغام . بالإضافة الى إنها تمتلك طائرات قتالية حديثة من نوع الفانتوم . تسيطر على سماء المعركة و تتحكم بموازين القوة و قلب نتيجة أي معركة من خسارة فادحة الى نصر ساحق . هناك دعم غير محدود من قِبل الإدارة الأمريكية بجسر جوي مباشر لتعويض أي خسارة بالمعدات و الأليات و الأسلحة في صفوف القوات الإسراEلية بالإظافة الى الدعم الإستخباري و الإستشاري . بسبب أن اليهوd يسيطرون على جميع إستثمارات أمريكا الصناعية و التجارية و النفطية و الإعلامية . هناك شبكة من أنابيب ( النابالم ) موجودة تحت مياه قناة السويس ترتبط هذه الأنابيب بخزانات عملاقة من مادة ( النابالم المحرقة ) مدفونة بإحكام تحت الأرض . وهذه المادة بطبيعتها تحترق فوق الماء و تحرق مياه قناة السويس بضغطة زر واحدة بظرف دقيقة واحدة و تحرق كل شيء فوق الماء .

سُمي الخط على أسم رئيس هيئة أركان الجيش الإسراEيلي (حاييم باRليف ) الذي كان هو من أعد و خطط و نظم و أشرف على إنشاءه بعد سيطرة إسراEيل على سيناء بعد حرب ١٩٦٧ . كأقوى خط دفاعي مناعي في التاريخ . هو أقوى من خط (ماجينو الفرنسي أمام الألمان) في الحرب العالمية الثانية . من المستحيل عبور (خط باRليف) إلا بمعجزة إلهية أو إمكانيات لجيش يمتلك قدرات خارقة و كونية . أو لتجتاحه يجب تدميرهِ بقنبلة ذرية . ولهذا لم يكن في حسابات إسراEيل أن مصر تستطيع عبور (خط بارليف) أبداً أبداً أبداً .

لقد عمل المصريون بذكاء خارق و دهاء ماكر و إبتكار حاذق و خطط محكمة و مغامرة شجاعة . وتدريب شاق و ممارسات حية و تنسيق أعمال و توزيع مهام بتوقيتات مدروسة مع حساب كافة الظروف المناسبة للنجاح مع تهيئة كل أسباب النصر في المعركة من إستحضارات و إدامة زخم و مناورة و خطط بديلة و دقة معلومات حربية و إدارية و (تعبئة شعب) .

الجزء… ( ٤ )

 

الموصل في حرب ٦ أُكتوبر ١٩٧٣ .

 

كل هذه الواجبات تمت بمهنية عالية و دقة متناهية . نسجوا الخطة و حبكوها . فلم يتركوا فيها خيط سائب .

فهمت أن . يوم (٦ إكتوبر) كان يوافق (يوم الغفران) في الدين اليهوdي . يسموه يوم (كيبور) . هو أقدس يوم في الدين اليهوdي . هو يوم الإعتراف بالذنوب . حيث تتوقف فيه الحياة تماماً . فلا حركة عجلات ولا طرق مواصلات و لا إتصلات و لا إعلام و لا أخبار { وهذا ما ساعد في خطة العبور } . يوم الغفران يوم عبادة و صوم و دعاء و صلوات عند اليهوd .  بالإضافة الى إنه كان يوم (سبت الأسبات) . فيسبتون فيه . و نحن المسلمون كنا في شهر رمضان المبارك . شهر الصوم و الطاعة و الغفران و العتق من النيران . هو شهر التفرغ للعبادة في الدين الإسلامي الحنيف . لقد بث التلفزيون المصري يوم أمس الجمعة ( ٥ إكتوبر ) مشاهد حية للرئيس المصري (محمد أنور السادات) و هو يصلي صلاة التراويح في أحد مساجد القاهرة بكل هدووء و طمأنينة . وهو يرتدي (جلابية صعيدية) . وكأنه يقول للعالم أجمع و أولهم إسراEيل أن مِصر ليس لها نية القيام بأي حرب أو أي عمل تعرضي على (خط باRليف) بتاتاً . ثم ليباغتهم الجيش المصري الباسل . بضربة جوية قاصمة . و يكسب رهان الفوز من الجولة الأولى بالعبور . و يقتلع روح الغرور و التكبر و الغطرسة من نفوسهم المريضة . و يمحق نظرية ( الجيش الذي لا يقهر ) . و يستبدلها لهم بالذل و الخيبة و الخسران و التوسل و الترجي بوقف إطلاق النار . كانت خطة حرب ( ٦ إكتوبر) خطة متكاملة التخطيط خالية من التعقيد . نفذت ببسالة رجال و شجاعة أبطال . بخبرة متراكمة و همة عالية و فدائية نادرة . بقيادة الرجل الشجاع و البطل الغيور . مهندس الإقتحام و العبور . الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس هيئة أركان القوات المسلحة المصرية . قبل يوم من المعركة قام غواصي قوات الصاعقة صنف ( الضفادع البشرية ) بالتسلل الى مياه قناة السويس وقاموا بسد فوهات كافة أنابيب النابالم تحت مياه القناة بمواد محكمة الغلق . و منعوا إسراEيل من حرق ميآه القناة . ولقد قامت منظومة صواريخ (سام 6 و سام 12) المقاومة للطائرات بنصب مظلة حماية للقوات المصرية على طول (خط باRليف) و بعمق ( ١٢ ) كيلو متر . و منعت القوة الجوية الإسراEيلية من تحقيق أي هدف و تصدت لكل الطائرات المغيرة و أسقطت العشرات منها و بذلك أسقطت إسطورة تفوق القوة الجوية الإسراEيلية . و لقد كان لصنف (الهندسة العسكرية) المصرية اليد الطولى في المعركة بشق الطرق وفتح المسالك و نصب الجسور أمام تقدم أرتال القطعات المهاجمة بالدبابات . حيث قامت (بأهم أسباب النصر) وذلك (بإستخدام مضخات ماء عملاقة إستوردتها وزارة الزراعة المصرية للتمويه بحجة الري و السقي للأراضي الزراعية) . لكن كانت غايتها تهدف لتدمير و إزالة ساتر (خط باRليف) (بشلالات المياه الجبارة) و المتدفقة بقوة بإتجاه بعض السواتر المنتخبة من (خط باRليف) فأزالتها و جعلتها كالوديان الشقية و أسست عليها (٧) رؤوس معابر متصلة بجسور الهندسة العسكرية الجاهزة و السالكة بين الضفتين و سهلت عبور ( ٦٠ ) الف جندي مصري خلال ال( ٦ ) ساعات الأولى من الإجتياح . و حتى ساعة إعداد هذا التقرير . و من المؤمل و حسب الموقف أن تقوم مئات الدبابات بالعبور في الساعة ( ١٠ ) مساء هذا اليوم و حسب الخطة المرسومة لها من ( ٧ ) جسور هندسية و بواسطة ( ٣١ ) طوافة إضافية . لتعبر أكثر من (١٠٠٠) دبابة  مصرية . الى الضفة الشرقية و حتى الساعة ( ٨ )صباحاً من يوم الأحد ( ٧ ) أُكتوبر . هذا وبعد أن دمر رجال المشاة بإمكاناتهم الذاتية و أسلحتهم التقليدية و بدون إسناد مدرع . تدمير أكثر من (٣٥٠) دبابة و ناقة مدولبة . و ذلك قبل عبور الصنوف الساندة لرجال المشاة وحتى ساعة إعداد هذا التقرير .

فأذهلني هذا التقرير . الذي يفصل كل شيء . فقلت لوالدي و كأني (أشاهد بما تسمع إذني)

فإبتسم وقال لي . إنه تقرير يوضح كل شيء و يطمئن القلوب و يهديء النفوس . هذه إذاعة ( صوت العرب من القاهرة ) تواكب سير العمليات على طول (خط باRليف) وهي تعبر للشعب العربي بالتفصيل عن مقدار الجهد والإعداد والتهيئة والتخطيط والتعب . لسنين طويلة … 

 ياولدي أنا كان عمري ١٧ سنة في حرب النكبة سنة ١٩٤٨ . و تابعت تفاصيل الحرب من الراديو عندما إلتقت الجيوش العربية مع الجيش الإسراEئلي . فرجحت الكفة لصالح العرب و بدأت تتقدم على جميع الجبهات حتى كادت أن تنهي الوجود الإسراEئلي في فلسطين . فبدأت  أصوات الغرب تنادي بوقف إطلاق النار و الهدنة و السلام . فوافق العرب على الهدنة لمدة شهر وهم في موقف قوي جداً . على أمل إحلال السلام بالمفاوضات . ولكن إسرائيل خلال هذا الشهر جمعت جميع أجنادها اليهوd من كافة أصقاع الأرض . بالإضافة الى تسليحها بمئات الطائرات و الدبابات و المدافع الحديثة . الواردة إليها من (دولة جيكوسلوفاكيا) . فبدأت بهجوم كاسح و مباغت على العرب لتقلب الطاولة عليهم . و تسترد جميع الأراضي التي فقدتها بل إنها كادت ان تحصل على بعض الأراضي التي إحتلتها في حرب ١٩٦٧ لولا صدور وقف إطلاق النار .

الجزء … ( ٥ )

 

الموصل في حرب ٦ أُكتوبر سنة ١٩٧٣

ماهي حرب النكبة … ١٩٤٨

 

يا أبي . كيف إستطاع اليهوd في حرب النكبة (سنة ١٩٤٨) . أن ينتصروا على العرب . مع أن أعدادهم كانت قليلة جداً بالنسبة للعرب . فكيف بجيشهم الذي يتألف من مجاميع بسيطة و عصابات متفرقة . فإبتسم أبي . ثم قال لي . بعد حرب النكبة تابعت تقارير مفصله عن هذا الموضوع و هناك دروس مستخلصة خلفتها حرب النكبة و (مع الأسف) لم يستفد منها العرب حتى بعد مرور أكثر من ( ١٩ ) سنة في حرب النكسة ١٩٦٧ . معظم الشعوب العربية يتصورون بأن الجيش الإسراEيلي أقل عدد من الجيوش العربية و هو عبارة عن عصابات متفرقة و إمكانياته محدودة . و لا يعلمون بأنه هذه العصابات مدعومة من عدة دول . وهي عبارة عن سرايا قتالية منظمة و مسلحة بأفضل الأسلحة الحديثة و مدربة بشكل جيد جداً . بل و إنها شاركت في الحرب العالمية الأولى ضد الدولة العثمانية . و شاركت في الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا . كأفواج نظامية تحت لواء بريطانيا . و تحت رعاية و وصاية الجيش الإنكليزي و حققت نتائج جيدة لصالح الإنكليز . فأصبح لديها تجربة و خبرة و حرفة في القتال . و تدريبها و نظامها و أوامرها . مستمد عن تجربة من خلال دخان البنادق و دوي المدافع و أزيز الطائرات و هدير الدبابات . لم يجتمعوا من على أرصفة الشوارع أو من أركان و خبايا المقاهي و الدكاكين . بل هم أصحاب حرفة في سفك الدماء و القتل . و التخطيط و التدريب بالإظافة الى ما يملكونه من دراسة و شهادة و خبرة و علم و فن و ذكاء و تخطيط من أجل مصالحهم . هم مشردين في كل أرجاء العالم لكنهم يسيطرون على نصف ثروات العالم . عندما رأت بريطانيا إن من مصلحتها القومية تستوجب . زرع جسم غريب و خبيث في قلب الوطن العربي . مخافة التقدم الفكري و الإسلامي و التوعوي في المجتمع العربي . و من أجل السيطرة على ممر قناة السويس و نفط الشرق الأوسط . بثت و غذت روح التفرقة العنصرية و العشائرية و الحزبية و الطائفية و القومية . بالإظافة الى الجهل و التخلف و المرض .

((( لقد ذكر الله سبحانه و تعالى اليهوd في سورة الإسراء الآية (٦ ) ))) . فقال عز من قائل (و أمددناكم بأموال و بنين و جعلناكم أكثر نفيرا) . يا إبني اليهوd أغنى أهل الأرض و هم المسيطرون على جميع الإستثمارات المهمة في العالم . من مناجم الذهب و حقول النفط و الشركات الصناعية الكبرى للأسلحة و الآليات العملاقة و الطائرات و السفن . بل حتى التلفزيون و الجريدة التي نقرأها هم يتحكمون بما نرى و بما نقرأ و بما نسمع . وهم الفئة الوحيدة في العالم الذين (أولادهم أكثر من بناتهم) و في النفير تفوق أعدادهم أعداد جميع الجيوش العربية مجتمعة بكثير . فنفيرهم أكثر من ٨٠ % بالنسبة لهم كشعب مقاتل و تحت خدمة الإحتياط في كل وقت . لقد كان عددهم في حرب النكبة ( ١٠٧٠٠٠) مئة وسبعة ألآف جندي محترف بإختصاصة . بينما كان عدد جميع الجيوش العربية مجتمعة ( ٥٦٠٠٠ ) ستة و خمسون الف جندي بالإظافة الى المتطوعين العرب . مع العلم . إن هناك إختلاف كبير بين سياقات و تنظيم الجيش الإسرEيلي و الجيوش العربية . هم لديهم مصدر واحد للأسلحة و نظام واحد و قائد واحد و جفرة واحدة و طريقة واحدة في التدريب و القتال . بينما الجيوش العربية فهم مختلفون . فلكل بلد مصدره الخاص من السلاح و نظامه الخاص في التدريب . و لا يوجد أي تنسيق فيما بينهم و لا حتى من ناحية إستخدام الأسلحة و الجُفر الخاصة بهم و المراسلات و المخاطبات و الأوامر و طريقة تنفيذها . بل حتى لا يوجد مناورات أو تدريب مشترك أو حتى ممارسات كتمارين ورقية . لغرض التنسيق فيما بينهم قبل المعارك . ليفقدوا الكثير من السيطرة مما يقلل من قدرتهم القتالية بسبب هذا الإختلاف . يا إبني أثناء المعارك يحوم الموت فوق الرؤوس فترتبك أغلب القطعات لفقدها الثقة بالآمر أو بالسلاح المستخدم . و أغلب الطائرات و الدبابات تُدَمر بنيران صديقه . لأنهم لا ينسقون إستخدام الأجهزة اللاسلكية بتردداتها الصحيحة و إسلوب أوامر مختلف عن الثاني . لم يستفد العرب من هذا الدرس و تكرر في حرب النكسة سنة ( ١٩٦٧) . رغم شجاعة الجندي العربي و بسالته و فدائيته في القتال . لكن يبقى لقطعة السلاح التي في يده و مداها و طريقة إستخدامها حديث آخر للنصر في المعركة 

الجزء … ( ٦ )

 

الموصل في حرب  … ٦ أُكتوبر ١٩٧٣

 

ما هي حرب النكسة … سنة (١٩٦٧) 

 

أما في حرب النكسة يوم (٥) حزيران .. فهناك كلام آخر لقد كنت طفل صغير عمرك سنة واحدة . في ذلك الوقت . كنا لا نتوقف عن متابعة الراديو .. و نحن نسمع أخبار الحرب . كنا نشعر باللحظة التي نسمع فيها البيان أو الخبر . أن هناك دماء زكية تراق و شهداء يسقطون و تاريخ يكتب يجب أن نفهمه .

يا إبني . هذا التاريخ لن ينساه العرب . و يتذكرونه دائماً بحسرة و مرارة و ندم . عندما قامت إسراEيل . فجر ذلك اليوم الحزين . بمباغتة الحكومات العربية و فاجئتهم (بضربة موجعة) و (هجوم خاطف) و مدمر و سريع . على جميع قواعد و مطارات القوة الجوية المصرية و السورية و الأردنية . فأربكتها و دمرت جميع قدراتهم العسكرية و شلت حركاتهم التعبوية . و حيدتهم عن لعب أي دور في هذه المعركة المصيرية . و ذلك في غضون ساعة و نصف فقط . بعد أن دمرت جميع مدارج أقلاع الطائرات . و جميع الطائرات الجاثمة على الأرض . فدمرت (٩٠ %) من قدرات القوة الجوية المصرية و السورية و الأردنية . وعليك أن تتخيل جميع الجيوش العربية و بالأخص على الجبهة المصرية ( ١٥٠،٠٠٠) مئة و خمسين الف جندي مكشوفين في العراء في صحراء سيناء و بدون أي غطاء جوي أو إسناد مدفعي أو إسناد مدرع . مع قطع جميع الإتصلات بين مراكز القيادة و السيطرة المصرية فلا إسناد إداري ولا أرزاق و لا ماء ولا عتاد و لا وقود . و الطيران الإسراEيلي وحده يصول و يجول في سماء المعركة . ويضرب بكل عنف و قسوة جميع الأهداف الواهنة أمامه بلا أي رحمة . حتى تكبد العرب أكثر من ( ٢٥٠٠٠ ) خمسة و عشرون الف شهيد و مفقود و ألآف الأسرى على كافة الجبهات . و تدمير مئات الدبابات و مئات المدافع و الطائرات . فلم يبقى أمام العرب في ذلك الوقت غير الإنسحاب و التقهقر لمئات الكيلومترات و ترك شبه جزيرة ( سيناء) . كأهم هدف سوقي و تعبوي خطير . إحتلته إسراEيل بالإضافة الى (هضبة الجولان) في سوريا . و (الضفة الغربية) لنهر الأردن و القدس الشرقية (القدس القديمة) و (قطاع غزة) . كل ذلك تم بخطة خبيثة و مخادعة و سريعة . و في غضون (٦) أيام فقط . حتى إسراEيل نفسها . لم تصدق بأنها حققت هذا الإنجاز العظيم . و بهذه السهولة . فبدأت تعليقاتهم الساخرة و ضحكاتهم المستهزءة من العرب . أن لا مفاوضات و لا سلام مع العرب و لا إنسحاب من أي شبر من الأرض الجديدة . وعلى العرب القبول و الرضا بنتائج حرب ( ه حزيران ) . و الرضوخ صاغرين و القبول بواقع الحال الجديد . و إن كان العرب يريدون أراضيهم فعليهم إسترجاعها بالقوة . في ذلك الوقت دخل الإنسان العربي . بدوامة من اليأس و الإنطواء على النفس و فقدان الثقة و إنغمس في مواقف إجتماعية كئيبة وصلت (ببعضها) الى حد البكاء و الهستريا و الجنون .

( أشهر وردة ) . في حرب ٦ إكتوبر سنة ١٩٧٣ .

 

لكن يا إبني . يبدو أن مصر . بدأت تعمل من جديد . و تراقب من بعيد . رغم جراحها النازفة . خططت لأخطر مجازفة . و رغم جسدها الواهن . رفضت ذلك الوضع الراهن . فبدأت تمشي بهدووء . و تحسب لكل خطوة (١٠٠٠ حساب) . فقد تعلمت الدرس . بعد تضحيات جسيمة . و خسائر أليمة . علمت بأن عدوها خبيث و ماكر . مخادع و ناكر . ليس له كلمة ولا وعد . و لا ميثاق و لا عهد . ((هنا كان يجب عليها أن تلقنه نفس الدرس و بنفس الطريقة و الإسلوب .. في حرب النكسة . وقد كان )) . فبدأت (تعد العدة) . ( لتوقفه حده ) فبدأت تعمل بصمت . و كأنها جمر بارد في موقد دافيء . تحترق بلا دخان . فوق سعيرها رماد . و تؤسس فوق أشلائها عماد . فغدت كالبركان الخامد . تغلي في داخلها ثورة . ثورة علم و نور و فكر و حكمة و معرفة و رُقي و كبرياء و إبداع . تتقدم ببطئ و عينها على الهدف . رغم كل تلك الظروف القاسية . و الأهوال العاتية . و ما يحدق بها من مخاطر . من أي عدوان جائر . رغم إنها كانت مراقبة . كالشريحة تحت مجهر إسراEيل . إلا أنها إستطاعت أن تتجاوز كل عيون التجسس . و هواجس التوجس . لتعمل بعقلية باهرة . و روحية ماهرة . بدون ضجة إعلامية . أو تهديدات إنتقامية . فلا يمكن للحياة أن تستمر بنفس منكسرة. و تصريحات مستهترة . فكانت ثقتها بنفسها راسخة كالجبال . تهدر من أعلى شلال . فصنعت المعجزات . اليوم ثار بركانها . و ثبتت أركانها . أجل في هذا اليوم السعيد . ٦ أُكتوبر .  إنه يوم النصر المجيد . يوم إسترداد الحقوق و أولها الكرامة و الثقة بالنفس .

هل تصدق أنه اليوم في الساعة ( ١٠ ) صباحاً . عرف الضباط و الجنود المصرين بموعد المعركة و الهجوم على (خط باRليف) ما عدا قادة الفرق الذين كانوا يعرفوا موعد الهجوم منذ يوم ( ١ إكتوبر) هذا ما تبثة القناة المصرية بتقارير متواصلة . وقد نجحت مصر و الحمد لله و عبرت القناة و إجتاحت (خط باRليف) و هزMت إسراEيل و رفعت رأس العرب عالياً و ردت الصاع بالصاع و جعلت إسراEيل تتخبط و تستنجد . بدول الغرب لتساندها من هجوم العرب .

في ذلك اليوم فهمت معنى الظلم و عرفت معنى الإستBداد و جرEيمة الإحTلال . و إغTصاب الأرض و سلب الحرية و سرقة الممتلكات . فعدتُ من غرفة والدي و أنا بقمة السعادة و الفرح . أضحك ببراءة طفولتي منتشي بفرحة النصر . عدتُ لأشاهد مسلسلي المفضل في التلفاز (شاس : و البنورة المسحورة ). فإذا بالتلفاز يعرض أناشيد حماسية . أراها لاول مرة في تلفزيون الموصل . وطني حبيبي الوطن الأكبر . ونشيد دع سمائي فسمائي محرقة . ونشيد الله أكبر فوق كيد المعتدي . ونشيد لبيك يا علم العروبة .

وبعد أيام وبكل فخر إصطفت جموع مدارسنا و من بينها مدرستي . (مدرسة الرفاعي للأحداث) . إصطفت في أرتال طويلة على جانبي طريق عودة فرق و قطعات الجيش العراقي الباسل . الذين قطعت بعض دباباته (١٠٠٠) كيلو متر على السرفة من أجل الوصول الى سوريا لنجدة ( دمشق الحبيبة) و حمايتها قبل أن تسقط بيد المحتل الإسراEيلي الغاAصب . حيث عندما ضاقت حيلة اليهوd في تحقيق أي نجاح على الجبهة المصرية . ( وجهوا زخم قوتهم تجاه الجبهة السورية) و كان هدفهم دمشق و كانت في متناول يدهم . لقلب الطاولة على العرب . ولكن . وصول الجيش العراقي الباسل . و وقوفه كالسد المنيع . و بشجاعة جنوده الأبطال . صدت هجوم و تقدم الجEش الإسراEيلي لإحتلال مدينة دمشق . بعد أن أعطى ( ٣٢٣ ) شهيد و خسر ( ١٣٧ ) دبابة و ( ٢٦ ) طائرة مقاتلة . وتم دفن الشهداء العراقيين في حي السيدة زينب جنوب دمشق .

كان التصفيق و الزغاريد و الأهازيج تعلو و لا تنقطع أبداً و (الورود والجقليت) تنهال كالمطر و هي تنثر فوق رؤوس الجنود الأبطال وهم يمتطون صهوة دباباتهم المهيبة . وأذكر أن (( أشهر .. وردة تلك التي إلتصقت على وجنة جندي عراقي . بسبب تعرق خده . فكانت تلك الوردة .. حديث  المدارس مع ضحكات عفوية بريئة نستذكرها . مع بعض من علقت في ذاكرتهِ تلك الوردة .و أصدقائي على مر الزمان . رحم الله شهداؤنا الأبطال الذي ضحوا بأرواحهم دفاعاً عن مقدسات الأمة وكرامتها وعزتها و كتبوا لنا تاريخ نفتخر به .

على مر الزمان  .

إنه يوم ( ٦ ) إكتوبر المجيد . تم .

Related posts

Leave a Comment