«فتوي حق الكد والسعاية» 

 

 كتبت/سمر مجاهد

 

إن النظام المالى للزوجين هو عبارة عن قواعد تنظم المصالح المالية بينهم ، وتحدد الشروط التى تكفل لهما الحفاظ على الأموال المكتسبة قبل الزواج، والأموال المكتسبة بعد الزواج، وطريقة التصفية والقسمة بينهما على التساوى، وهذه العلاقة المالية تنشأ بسبب رابطة الزوجية بين طرفى العقد الزوج والزوجة، ومن شأنها المحافظة على الحقوق المالية لكل طرف – سواء فى ظل عشرة زوجية قائمة أو عند انتهائها بإحدى طرق الانحلال – ودفع أسباب الخلاف مما يساهم فى استقرار الأسرة ودوام المودة والوفاق بين الزوجين

ففي ظل المستجدات العصرية التي أوجبت على المرأة النزول إلى سوق العمل ومشاركة زوجها أعباء الحياة، كثرت دعاوي إحياء “حق الكد والسعاية”، من التراث الإسلامي، لحفظ حقوق المرأة العاملة التي تبذل جهدًا في تنمية ثروة زوجها، فالشريعة الإسلامية حريصة على صون حقوق المرأة وكفالة كل ما من شأنه يحفظ كرامتها، خاصة أن الكثير من الزوجات كن ضحايا أزواج بلا ضمير، فيعملن وينفقن لسنوات على المنزل، وحينما يقتدر الزوج يتزوج عليهن أو يطلقهن، ليخسرن سنين العمر والتضحيات بسبب أن القوانين لا تضمن لها إلا مؤخرها المسجل والنفقة الضعيفة.

وهو الأمر الذى جعل الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، يدعوا مؤخرا إلى ضرورة إحياء فتوى “حق الكد والسعاية” من التراث الإسلامى، لحفظ حقوق المرأة العاملة التى بذلت جهداً فى تنمية ثروة زوجها.

كما أن عقد الزواج فى حقيقة الأمر ينشئ حقوقا وواجبات مادية وأدبية تتبادل بين طرفى العلاقة الزوجية، وتترتب عنه أثار مالية منها الصداق والنفقة والميراث والتعويض حال ثبوت الضرر.

فإن الزواج لا يسمى “شركة زواج مساهمة مصرية”، فالزواج ليس قائم على فكرة الشركة بالأموال والعلاقة المادية، ولكن قائم على مفهوم القيم والمبادئ والمساكنة والرحمة، وحدد ذلك المجتمع والتشريع والعرف.

كما أن للزوج والزوجه لكل منهما ذمة مالية مستقلة، وجميع الأديان لم تحرم تجارة المرأة أوعملها، والمرأة تستحق نفقتها حتى لو كانت ميسورة الحال.

ما هو حق “الكد والسعاية” للمرأة العاملة؟

مصطلح حق الكد والسعاية، هو مصطلح ذكر في التراث الإسلامي لحفظ حقوق المرأة العاملة التي بذلت جهدًا كبيرًا في تنمية ثروة زوجها سواء كان بعملها أو ببنائها منزلا لأسرتها أو من المشاركة في العمل، أو ذمة مالية قديمة قبل الزواج شاركت بها زوجها، ولأن الإسلام من شأنه حفظ الحقوق لاسيما حق المرأة وكرامتها، فكان من شأن المشرع أن يحفظ ذلك الحق.

 

ومسألة الكد والسعاية في الإسلام لها وجهان: وجه أصولي ووجه فقهي، خاصة لدى فقهاء المالكية.

 

ويعود حق الكد والسعاية في التراث الإسلامي إلى اجتهاد قام به عمر بن الخطاب الخليفة الثاني لسيدنا محمد، عندما جاءته سيدة تدعي “حبيبة بنت زريق” تُحكّمه في قضية ميراث من زوجها عمر بن الحارث، حيث كان يتاجر فيما تنتجه وتصلحه من عملها في الطرازة، واكتسبا من ذلك مالًا وفيرًا، فلما مات زوجها ترك مالا وعقارًا وتسلم أولياؤه الخزائن، فنازعتهم الزوجة في ذلك، وحين اختصموا إلى عمر بن الخطاب قضى للمرأة بنصف المال وبالإرث في النصف الباقي.

واعتبر الزوجة كانت شريكة لزوجها في الربح والعمل والكسب، واستند علماء المذهب المالكي إلى هذا الاجتهاد، فكثير من فقهاء المالكية أفتوا بحق الزوجة في اقتسام ثروة زوجها التي اكتسبها خلال فترة زواجهما بقدر جهدها وسعايتها.

«الذمة المالية للزوجة فى التشريع المصرى»

بالرغم من خلو قانون الأحوال الشخصية فى مصر لمسألة “الكد والسعاية”، وحتى فى القانون المدنى فإن هذا الأمر شأنه شأن كافة المسائل العامة المتعلقة بقواعد الاثبات ومصادر الإثبات سواء فيما بين الزوجين أو غيرهم أو نظرية الإثراء بلا سبب، كما أن محكمة النقض المصرية تصدت لذلك فى الطعن رقم 6294 لسنة 80 قضائية – جلسة 8 ديسمبر 2017، حيث قضت أن عقد الزواج فى الشريعة الإسلامية لا يرتب أى حق للزوجين فى أموال الآخر عدا ما رتبه للزوجة من مهر ونفقة، إذ لكل منهما ذمته المالية المستقلة المنفصلة، فلا يحكم عقد الزواج المعاملات المالية بين الزوجين، وإنما يسرى عليها القواعد العامة فى القانون بحسب التكييف القانونى لكل معاملة، ومن ثم فإن عقد الزواج لا يحول دون رجوع الزوجة على زوجها بدعوى الإثراء بلا سبب متى توافرت أركانها.

كما نشرت دار الإفتاء المصرية سؤال تلقته من شخص يقول ما هو أثر الزواج على الحقوق المالية للزوج عن الذمة المالية للزوجة، وفى إجابتها عن السؤال، قالت لجنة الفتوى بالدار: “أنه من المقرر شرعا أن للزوج ذمة مالية مستقلة عن زوجته وأن للزوجة كذلك ذمة مالية مستقلة عن زوجها لقول النبى صلى الله عليه وسلم: (كل أحد أحق بماله من والده وولده والناس أجمعين)، وأنه لا تأثير لعقد الزواج على ذمتى الزوجين المالية بالاندماج الكلى أو الجزئى.

وختاماً

الأمر الواضح أن التقرير بحق المرأة فى الكد والسعاية حتى يرى النور فى التشريعات والقوانين المصرية لابد أن يكون هناك اتفاق صراحة بين الزوجين أو تضمينه وثيقة الزواج فى الشروط الخاصة أو بعقد مستقل ينص على البنود المتفق عليه، كما أن فكرة تركه لقواعد الإثبات سيشكل عقبات كثيرة نحو جمع الأدلة والقرائن التى تدلل على حق الزوجة فى ذلك، كما وأن فكرة إقراره كقانون لابد أن تكون بعيدة عن فكرة استقلال الذمة المالية للزوجين، وتنحصر فى عمل الزوجين معا وفى الثروة المحققة حال قيام العلاقة الزوجيه.

Related posts

Leave a Comment