للدكتوره أحلام الحسن
بقلم الناقد د . أحمد عقيلي
إبتدأت الشاعرة مطلع قصيدتها ببوحٍ عميقٍ للعاشق تجاه معشوقته ومحبوبته .. ونرى بالقصيدة همسٌ وجدانيٌ عميقٌ يفوح من حنايا قصيدة الشاعرة، فهي تبدأ نصها الشعري بالتماس روحي إنساني يلامس جوهر المضمون الذي بنيت عليه الدلالة النصية للقصيدة وهو أن ترحم الحبيبة ذلك القلب المعنّى الذي أضناه الوجد والحب وأتعب روحه الهائمة المتيمة وقد كان الاستهلال مميزاً حين استفتحته الشاعرة بشبه جملة متعلقة بما بعدها في قولها من قولها :
من مضجعي أيقظتِني داهمتِني دون الوداد !!
ياحلوتي هلّا رحمْتِ فؤاديَ الجافي الوساد آلمتِني وجفوتِني .. وكأنّني لست الفؤاد !
كم غدرةٍ كم طعنةٍ كلّ الجرائم بانفراد !
قد بعتِني دون النّدامة دونَ أن تبكي البعاد فهو لايعرف النوم ولا تعرف الراحة طريقها إلى عينيه اللتين قض مضجعهما السهر والانتظار والترقب .. وهو الأمر الغريب الذي يثير عجب الشاعرة، فتختار حاملا مناسباً لمحمولها الفكري والوجداني، ألا وهو الإنشاء الندائي بياء النداء التي تفيد هنا التحبب والإعجاب ، خصوصا مع استخدام الشاعرة التركيب الإضافي: حلوتي، حيث جعلت المحبوبة تلتصق بروح حبيبها، والشاعرة هنا تتحدث بلسان عاشق متيّم، والحبيب يلح عليها ويستحلفها بحق حبه لها، وفي هذا الاستخدام لفتة مهمة وبادرة نفسية تدل على عمق التعلق الروحي من قبل العاشق تجاه حبيبته، وبرغم ذلك كله،تبقى بداخله وفي روحه، لايفرقهم أحد، لكن وصالها ممتنع وصعب، لدرجة أن الشاعرجعل منها نجمة عالية في السماء لا يطالها أحد، ولنتأمل معاً في قولها يانجمتي هو نداء إضافي أكسب النجمة تخصيصًا وتحديدًا، وزاد ارتباطها بالحبيب، فهو والحبيبة واحد ..
وهنا إنطلاقةٌ على لسان الحبيب معاتبٌا تلك الحبيبة أفهل ولدتِ بغير قلبٍ أمْ تعلّمتِ العناد !! لاتبتليني قسوةً فيضيعُ من عندي الرّشاد
لا تُشمتي بي هاهنا يامهجتي شرَّ العباد أيهونُ ودّيَ عندكِ أن تعرضيهِ للمزاد ْ !!
ياليتني حجرًا ومنْ دون الشّعورِ كما الجماد لا تشعلي نارَ الجوى لا تشمتي بي منْ أراد يانجمتي هذا الهوى يشري وصالكِ والوداد كُفّي اقتحامي بالرّسومِ جميلتي دون العباد صورًا فلا ترمي بها فهواكِ عندي في ازدياد
إن شئتِ هجرًا ظاميًا لا ترجعي دون الوفا
ولذلك نرى الشاعرة على لسان عاشق مستهام يخاطب محبوبته ويتمنى عليها أن لا تهجره وتبتعد عنه بل وترميه بسهاد البعد والجوى، وهنا محور القصيدة، فهو يريد منها وصلاً ولقاء وودّاً وحبّا، لأن حبها في قلبه لاينقص أبدًا بل هو في تنامٍ وازدياد، ولذلك لايجد الحبيب وسيلة كافية ولا كلمات ملائمة تتناسب مع حبه ووجده وهيامه، وهنا يطل إبداع الشاعرة من جديد في صورة الطفل المتعلق بأمه، فكما هو تعلق الطف بأمه يكون تعلق الحبيب بحبيبته لا حدود لها فيطلق حكمه في مملكة الحب إما نكون أو لانكون، إما يعيش الحبيب في كنف حبه ووجده، أو يتشظى وتتلاشى أركانه لتصبح عند من يحب ..
لتختم الشاعرة بصورة جميلة جدا، وهي المولعة بالصور والتشابيه، حين يشبه الحبيب نفسه بالمحارب القوي الذي لايقهره ٱحد، بل إن الفائدة الكبرى محددة بأن يقع هذا الشاب في أسر هذه الحبيبة، بل عبدًا ومولى تحت إمرتها المهم أن تبادله الحب والوجد، كيف لا وهو طفلها المدلل، وفي هذا توظيف بلاغي مميز .. عجبًا فهل غيري أنا قد نالَ وصلكِ والمراد ! ياليتَ عيني ما رأت حسنًا بهِ عقلَ الرّشاد ولئن جريتُ مُولّيًا كمحاربٍ دونَ العتاد أشتاقُ أسْرًا عندكِ فأعودُ طفلًا في المهاد فلتفطمي طفلًا لكِ أو أطلقيهِ في البلاد قيسًا يهيمُ مُتيّمًا ويموتُ من قبلِ الحصاد قومي أزيلي عِشقكِ بلغَ الجوى حدَّ الرّماد كل ذلك تأتّى للشاعرة وتحقق من خلال وحدة الوزن والإيقاع وانتقاء الحروف والمفردات على صعيد المفردة الواحدة، والمفردة المركبة، ليكون ذلك كله أيقونة جمال تعزف بأوتار القلوب وأنفاس الشعراء.