أحمد أسامة
تشهد الساحة الليبية تحركات نشطة مقارنة بالسنوات الماضية، خصوصاً بعد مبادرة المبعوث الأممي الى ليبيا عبدالله باتيلي، التي طرح فيها أهمية إجراء إنتخابات في البلاد قبل نهاية العام الجاري، والتي لاقت دعماً أمريكياً خاصاً. حيث ضاعفت واشنطن اهتمامها بليبيا وضغوطها مع قيام مدير وكالة الاستخبارات الأميركية “سي آي إيه” وليام بيرنز بزيارة للعاصمة طرابلس ولقاء رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة والاجتماع بقائد الجيش الوطني في الشرق الليبي المشير خليفة حفتر بمدينة بنغازي. في حين قدّم الرئيس الأميركي جو بايدن للكونغرس إستراتيجية إدارته حيال ليبيا، وذلك ضمن ما أطلق عليها “الخطة العشرية لتعزيز الاستقرار في مناطق الصراعات”. وقال السفير الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند إن “الإستراتيجية العشرية الجديدة تعتمد على الشراكات البناءة والبرامج المجتمعية التي تدعم تطلع الشعب الليبي إلى الاستقرار والمساءلة والحوكمة”.
ووصف خبراء في الشأن الليبي التحركات الأميركية بالمتسارعة خوفاً من تغول الدب الروسي على النفط والغاز الليبي، بخاصة أن الشركة العسكرية الروسية الخاصة فاغنر تتمركز في البلاد لحماية الحقول النفطية. فقد لفت الباحث السياسي جبريل العبيدي إلى أن “اهتمام واشنطن لم يخرج عن إطاره منذ انهيار نظام معمر القذافي عام 2011، والجهود الأميركية منصبة الآن لإيجاد بديل للغاز الروسي، وكل ما تغير حالياً هو أن ليبيا أصبحت جزءاً من منظومة البديل الروسي بعد حرب أوكرانيا، مما حتم عودة اللاعب الأميركي إلى المقاعد الأمامية”.
وفي هذا الشأن، حثت واشنطن عبر مسؤوليها على ضرورة إخراج فاغنر، وتبذل جهودًا مضنية، لتشكيل جيش ليبي موحد تحت إشرافها، وإضعاف محور الشرق بقيادة المشير خليفة حفتر عسكريًا وسياسيًا، وذلك سعيًا منها لكسب نفوذ عسكري على الأرض. وبالفعل، تنجح الولايات المتحدة في مخططها، حيث نشرت شعبة الاعلام التابعة للجيش الوطني الليبي، بالأمس صوراً لزيارة وفد رفيع من القيادة العامة رفقة أعضاء من اللجنة العسكرية 5+5، لمدينة الزنتان. لتأتي هذه الزيارة تأكيدًا لما تداولته وسائل إعلام محلية بشأن التقارب بين خليفة حفتر و آمر المنطقة العسكرية الغربية اللواء أسامة الجويلي، حيث قام الجويلي منذ شهر بزيارة غير معلنة لمدينة بنغازي. كما سبق وأن أفادت تقارير صحفية، عن انعقاد اجتماع غير مُعلن بين رئيسي أركان الجيش في غرب وشرق ليبيا، محمد الحداد، وعبد الرزاق الناظوري في الولايات المتحدة بعد اجتماع ركسوس في العاصمة طرابلس بيومين. حيث شهد الإجتماع الاتفاق على إخراج فاغنر من ليبيا، وإجراء مناورات عسكرية مشتركة. ويخطط حفتر وقيادات الغرب الليبي، لإطلاق قوة عسكرية مشتركة تضم وحدات من قوات الطرفين، ستُعهد إليها حماية الحقول النفطية في الجنوب والمساعدة في تأمين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة، حال إجراءها قبل نهاية العام الجاري.
ويعدّ هذا التقارب العسكري بين الشرق والغرب، تقدم هام باتجاه توحيد ليبيا ومؤسساتها، إلا أن المراقبون للوضع يصفونه بالمبكر والمسيس خارجياً لأنه يحدث بفعل ضغوط من قبل واشنطن، وتحقيقاً لأجندتها الخاصة في البلاد. فالميليشيات المسلحة والكتائب العسكرية المتنافسة والأجهزة الأمنية في الغرب الليبي، لا زالت تتصدر المشهد المتوتر، وتولد حالة عدم استقرار بسبب إشتباكاتها المتكررة وترويعها للمدنيين. وحفتر الطامح الى السلطة سينتهي به المطاف في ترشحه بالإنتخابات بتجريده من سلطته على الجيش وجنسيته الأمريكية بحسب قانون الإنتخاب، وبالتالي ستتمكن واشنطن من إضعافه من الداخل وإخضاعه لرغباتها. يُشار الى أن حفتر يُعتبر من أكثر الشخصيات إثارة للجدل في الحياة السياسية والعسكرية في ليبيا، على خلفية اهتمامه المستمر بتولي مسؤولية كبرى في هرم السلطة، خاصة وأنه يشغل أعلى منصب عسكري حالياً، على رأس القوات المسلحة التي تبسط سيطرتها على مناطق واسعة من شرق البلاد.