الـبرق إشارة قرآنية: ظاهرة فيزيائية يكتبها ا.د كارم غنيم

 

اعداد -محمود أبو مسلم

الـبرق إشارة قرآنية لظاهرة فيزيائية يكتبها دكتور كارم غنيم(الحلقة 2 من 2) ا.د/ كارم السيد غنيم أستاذ بكلية العلوم جامعة الأزهر
عضو اتحاد كُتّاب مصر

مخاطر البرق كما عبرت عنها” الآية القرآنية” تتضمن الآية القرآنية الكريمة محل التدبّر الآن، وهى قول الله تعالى: “أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ{43}”[سورة النور]، عددا من الإشارات العلمية التي توصّل علماء الأرصاد الجوية وعلماء الفيزياء إلى معرفة معانيها في النصف الثاني من القرن العشرين الميلادي فقط … فالآية تتضمن أفعالا ضرورية لتكوين السحابة، وهى: “يزجي”، “يؤلف”، “يجعله ركاما”، “يخرج من خلاله”، وأفعالا أخرى سنأتي إليها بعد قليل. أما الفعل “يزجي” فيعني السوق الرفيق للقطع الصغيرة المتناثرة من تجمعات بخار الماء في الغلاف الجوي… وأما الفعل “يؤلف” فيعني أن المشيئة الإلهية تقتضي ضمّ هذه القطع إلى بعضها البعض، والتئامها لتمتزج في جسم واحد… وتزداد سرعة التيارات الهوائية الصاعدة إلى داخل هذا التجمع السحابي فتزداد مكوناته ارتفاعا إلى الأعلى، فيتزايد ما يرد إليه من بخار الماء… وكلما ارتفع هذا التجمع السحابي في الغلاف الجوي إلى الأعلى (حيث يتناقص الضغط الجوي وتنخفض درجة الحرارة) تزداد فرص تكثف ما يحمله من بخار ماء، ويتعاظم نموه، فيشكل سحابة ضخمة أو سلسلة من السحب الضخمة التي عبّرت عنها الآية القرآنية، أو شبهتها بـ “الجبال”، وهى فعلا سحب كالجبال في ضخامتها، بل وهناك أيضا تتكون فيها قمم جبلية تفصلها هضاب وتلال وأودية، كما هو الحال بالنسبة لجبال سطح الأرض… وهذه – كما أشرنا – سحب ركامية، تحتوي بلورات ثلج في قممها، وخليط من حبات بَرَد (بفتح الباء والراء) وقطرات ماء شديدة البرودة في وسطها، وقطرات ماء بارد في قاعدتها، وهى السحب المثقلة (الحُبلى) التي يسقط منها المطر، وكأنها امرأة حُبلى تضع مولودها…
وأما قول الله تعالى – في الآية التي نعيش في رحابها الآن – “… فترى الودق يخرج من خلاله…” فقد توصّل العلماء في ثمانينات القرن العشرين الميلادي إلى أن المطر (الودق) يخرج من فتوق السحاب الركامي ومخارجه، وذلك بعد أن تنخفض سرعة التيارات الهوائية الصاعدة (أو تتوقف)، فيترتب على هذا تكوّن مناطق خلخلة في قاعدة السحابة، فينزل المطر (الماء) أولا من هذه المناطق المخلخلة، وهى المناطق التي تتسع لتشمل السحابة بأكملها… ويصاحب نزول المطر سقوط حبات البَرَد وبلورات الثلج، أو يعقبه، وهذا يتوقف على ارتفاع السحابة وطبيعة مكوناتها وتوزيع درجات الحرارة ونسب الرطوبة فيها…
هذا، وقد أشارت الآية الكريمة إلى حقيقة علمية لم يتوصل علماء الأرصاد والفيزياء إلى معرفة بعض أسرارها إلا القرن العشرين الميلادي، وهى ارتباط حدوث ظاهرة البرق بوجود حبات البَرَد في السحابة الركامية، فالآية تنتهي بقول الله تعالى: ” … يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار”، أما أن البرق يذهب بالأبصار، أيْ يصيب الشخص الناظر إليه بالعمى المؤقت، أو حتى العمى المستمر، فمعروف، ولكن الضمير في قوله تعالى “برقه” يعود على البَرَد، إذ بتكوينه في السحابة تتكوّن الشحنات الكهربية السالبة والموجبة، ولا يتكون البَرَد إلا في السحب الركامية التي تحتوي أيضا بلورات الثلج. وقد توصّل العلماء إلى أن تشكل حبيبات البرد ونمو بلورات الثلج، وانصهارها بداخل السحابة الركامية، هو سبب لتوليد الشحنات الكهربية في السحابة، وبالتالي حدوث ظاهرة البرق… وهذا قريب مما أورده العالم الجليل الدكتور/ منصور حسب النبي – رحمه الله رحمة واسعة – في موسوعته “المعارف الكونية بين العلم والقرآن”، إذ يقول:… فالضمير في “برقه” يرجع إلى أقرب مذكور وهو “البَرَد”… وبذلك تشير الآية إلى أن البرد يولّد البرق، حيث يقوم البرد بتوزيع الشحنات الكهربية في جسم السحابة أثناء صعوده وهبوطه، ثم يقوم بالتوصيل فيما بين الشحنات الكهربية المتباينة (السالبة والموجبة)، فيحدث تفريغا كهربيا هائلا، ولهذا نسب الله تعالى (في الآية القرآنية) البرق إلى البَرَد…
وهكذا تثبت البحوث التي أجراها علماء الطبيعة الجوية خلال الفترة (1948 – 1980م) أن العامل الرئيس في توليد البرق هو التفريغ الكهربي الحاصل من الشحنات الكهربية المتولدة أثناء تحوّل البرد من حال إلى حال (بالتصادم أو الملامسة أو الذوبان أو الانكسار أو التجمد)، وذلك في السحب الركامية… وأن شرارة البرق لا يتعدى زمن حدوثها جزءً من الثانية، وأن درجة حرارتها تفوق 10000 درجة مئوية، مما يؤدي إلى تسخين الهواء بين السحب، فيتمدد، فتحدث منه فرقعة مدوية هى الرعد… ويتخذ وميض البرق أشكالا عديدة، فمنه المتشعب، والمتفرع، والمنتشر… ويقاس وميض البرق النموذجي بنحو 300 مليون فولت و 30 ألف أمبير، وهو ما يكفي في التسبب في قتل شخص، كما يمكن أن يتسبب في ارتفاع درجة حرارة الهواء المحيط به إلى درجات حرارة شديدة. وقد تحدث صدمة أو صاعقة البرق نارا، وتتسبب في وقوع حوادث قاتلة، فنحو 400 شخص يموتون في الولايات المتحدة الأمريكية سنويا بعواصف البرق…
إن صاعقة البرق عندما تضربُ أحداً تماثل أثرَ الصدمة الكهربائية من مصادر الجهد والتوتّر المرتفع، فتحدث إصابات وحروق، بالإضافة إلى أضرار في الجهاز العصبي، وكذلك عضلة القلب وباقي الأعضاء الداخلية؛ ويمكن في بعض الأحيان أن يترافق ذلك، وفي غضون ساعة من بعد ضربة الصاعقة، مع ظهور شكل ليشتنبرغ على الجلد.
وقد تؤدّي ضربة الصاعقة المباشرة إلى حدوث غيبوبة أو شلل للشخص، وقد تحدث سكتة قلبية وانقطاع التنفس؛ ويمكن أن يؤدّي في أحيان أخرى إلى الوفاة، وذلك عندما تكون ضربة الصاعقة شديدةً جدّاً، ولكنها حالات نادرة… وقد تبقى هناك حتى بعد سنوات من التعرّض للصاعقة تبعاتٌ على الجهاز العصبي للإنسان، كما وجد في إحدى الإحصائيات لنحو 50% من الناجين من ضربات الصواعق…بالإضافة إلى ذلك فقد يسبّب الرعد المرافق أثناء الضربة حدوث اضطرابات في السمع وحدوث طنين؛ وقد يتعدّى الأمر إلى حدوث صدمات نفسية.
ومن الأخبار الحديث جدا، أن صاعقة برق أودت بحياة 16 شخصا، على الأقل، وأصابت عددا آخر في مدينة جايبور شمالي الهند في سبتمبر 2021م. وكان الضحايا يقفون تحت المطر فوق برج مراقبة في قلعة عامر التاريخية السياحية بالمدينة.. وقيل إن البعض الآخر قفز إلى الأرض… هذا، وتقتل صواعق البرق أكثر من 2500 هندي سنويا. وقد تسببت صواعق البرق في وفاة أكثر من 100 ألف شخص في البلاد بين عامي 1967 و2019، وفقا لبيانات رسمية، ويعد ذلك أكثر من ثُلث الوفيات الناجمة عن الأخطار الطبيعية خلال هذه الفترة، كما قد يضطر الناجون إلى التعايش مع أعراض الصاعقة، مثل الضعف والدوخة وفقدان الذاكرة.
وأما قول الله تعالى: “.. فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء..” فقد شاهده ويشاهده الناس في جميع العصور، فقد تهبط عاصفة البَرَد فتصيب حقلا وتحطم ما به من مزروعات، بينما الحقل المجاور له لا يُصاب بأذى… كما أن عواصف البرد لا يمكن لعلماء الأرصاد الجوية أن يتنبئوا بمواعيد حدوثها ولا بأخطارها بشكل دقيق….
وهكذا نكون قد فهمنا “الخوف” من البرق في الآية: “هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ{12}”[سورة الرعد]، وفي آية أخرى هى: “وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ{24}” [سورة الروم]، فقد ذكرنا أمثلة للمخاطر التي يمثلها البرق والأضرار التي يحدثها في الإنسان وممتلكاته…
ولكن أين “الطمع” الذي ذكرته كل من الآيتين؟ يتضح هذا الطمع في الفوائد المتعددة للبرق، فالبرق تتولد منه حرارة تتسبب في حدوث منخفض جوي يؤدي إلى سقوط المطر الذي يروي الأرض فينبت الكلأ ويسقى الزرع… ولهذا المطر، أيضا، الكثير من الفوائد نتيجة تحوله إلى ماء مؤكسد بكمية إضافية من الأوكسجين، فيغسل الجو وينظفه من الجراثيم والتلوث… الطمع الموجود في البرق هو كونه مصدرا للطاقة، ومعظم أشكال الطاقة في العالم الأرضي مصدرها النبات، سواء بصورته الجافة، حيث يشعل الإنسان النار فيه لينتج الطاقة المرغوبة من اشتعاله، أم بصورته بعد موته ودفنه وتعفنه عبر ملايين السنين، لينتج منه الوقود الأحفوري، والغازات (كالغاز الطبيعي) والسوائل والزيوت (كالنفط – البترول)، وكلها مصادر معروفة الآن للطاقة… ولعل كل من الآية القرآنية: “الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ{80}” [سورة يس]، والآيتان: “أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ{71} أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ{72}”[سورة الواقعة]، ما يدعم هذا الفهم العلمي لكلمة “طمعا” الواردة في سورة الرعد وفي سورة الروم..
ومن فوائد البرق هطول المطر المحمل بحامض الكاربونيك الذي يتحول إلى سماد نباتي. وهى عملية مهمة للحاصلات الزراعية حتى يذهب بعض العلماء إلى أن كمية السماد الحاصل من أمطار البرق خلال سنة واحدة، يعادل عشرات الملايين من الأطنان. وهناك رؤية لفهم “الطمع” قدمها الباحث/ كمال محمد بزي (في كتابه ” المعارف والعلوم الحديثة في القرآن الكريم”)، إذ يقول: النبات يحتاج للعنصر الكيميائي “النيتروجين” لبناء خلاياه وأنسجته وإنتاج ثماره، كما تتطلبه حياة الإنسان والحيوان، ولا تستطيع هذه المخلوقات توظيف عنصر النيتروجين بصورته الغازية، ولذلك فإنها تعتمد على النباتات التي تقوم بتحويله إلى مواد بروتينية صالحة لبناء الخلايا والأنسجة الحية في الجسم. وهنا يأتي دور “البرق” ، فهو عبارة عن شحنة كهربية تساعد في تحويل عنصر النيتروجين الموجود في الهواء الجوي إلى مادة “الآزوت” التي تمتصها التربة ثم يمتصها النبات من التربة بواسطة جذوره… (اهـ).. كما يسهم هطول المطر عقب ظهور البرق في إنبات الكمأة (وتسمى الفقع، وهى من الفطور) بالصحراء حيث الهواء مشبع بأكسيد الآزوت بواسطة البرق. والكمأة- كما هو معلوم- ذات قيمة غذائية كبيرة، لغناها بالبروتين والفيتامينات…
وهكذا يكون تدبر القرآن الكريم ومدارسة آياته، وهما عبادتان غفل عنهما الكثير من المسلمين، إذ يهتم معظمهم بالقراءة ويتباهى البعض بعدد الختمات التي ختمها للمصحف، فإذا سألت أحدهم عما فهمه مما قرأه لا تجد لديه شيئا، ولمثل هذا لم ينزل القرآن الكريم، إنما أنزله الله تعالى لنفهم آياته ونبحث في أسراره ونستخرج كنوزه… والله سبحانه نسأل أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه.

Related posts

Leave a Comment