كتب أحمد أسامة
تتواصل تعقيدات المشهد السياسي في ليبيا بالتزامن مع الذكرى السنوية للثورة الليبية اللذشعبية التي أطاحت بنظام العقيد معمر القذافي عام 2011، وتتواصل معها العثرات التي تواجه ملف الانتخابات وتتعمّق الانقسامات أكثر فأكثر ما بين معسكري شرق وغرب ليبيا، لتحبط آمال الليبيين بتحول ديمقراطي يعيد الاستقرار وينعش الاقتصاد وينهي 12 سنة من الفوضى. وبالرغم من نجاح الليبيين في إسقاط نظام القذافي، بعد 42 سنة من حكمه، وبعد مرور 12 سنة، أصبحوا الآن يقارنون بين “إيجابيات” تلك الفترة من حيث الاستقرار الأمني والوضع المعيشي، وبين ما حل بهذا الوطن، حاليًا، من معارك مستمرة وخلافات اخترقت جميع مؤسسات الدولة، فضلاً عن مشكلة التدخلات الأجنبية. ورغم المساعي التي تقوم بها دوائر رسمية وسياسية من أجل إبراز “الوجه الجديد” لليبيا من خلال تنظيم مجموعة من الاحتفالات والمهرجانات خاصة بذكرى “17 فبراير”، إلا أن أطرافا لا تترد في التعبير عن عدم مبالاتها بهذه المحطة التاريخية الهامة، وأطراف أخرى لا تبخل في استغلال مناسبة كهذه في تلميع صورتها أمام الليبيين وزيادة شعبيتها.
حيث صرفت حكومة تصريف الأعمال، أو الحكومة المنتهية الصلاحية، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، المليارات لتنظيم أجواء احتفالية في طرابلس، بالرغم من أن الاقتصاد متآكل ومتداعي، بالإضافة إلى أن الوضع المعيشي الصعب يجعل من الصعب تصديق وجود إمكانية لدى الحكومة لصرف مثل هذه الأموال على احتفالات بدلًا من تحسين الواقع الخدمي والمعيشي في البلاد. يأتي هذا بينما تقاذف الساسة الاتهامات بفشل إجراء انتخابات في هذا العام فيما بينهم، بينما كان الليبيون يتأملون في تحقيق حلم حتى في عهد القذافي لم يستطيعوا تحقيقه، لكن وقعت معظم هذه الانتقادات في مرمى الدبيبة، الذي يتمسك بالسلطة منذ مطلع العام الماضي، ويعاند مجلسي النواب والدولة ويرفض التنحي بالرغم من انتهاء شرعية حكومته. حيث أكد رئيس مجلس الدولة خالد المشري، أن رئيس الحكومة منتهية الولاية، عبد الحميد الدبيبة، لا يتمتع بـ “إدارة كافية” للحكومة، وأنه “آخر شخص في ليبيا يفكّر في إجراء الانتخابات”.
وقال المشري في تصريح صحفي، إن “أكبر عامل فشل للعملية الانتخابية هو وجود الدبيبة على رأس الحكومة في ليبيا”. يأتي هذا بينما اقترح رئيس مجلس النواب “عقيلة صالح” تشكيل لجنة من مجلسي النواب والدولة تضم 15 عضوا من كل مجلس ومثلهم من المستقلين لتشكيل سلطة تنفيذية موحدة تحت إشراف دولي، لاستبدال الحكومة المنتهية الصلاحية. وقال صالح أن مهمة السلطة الجديدة توفير احتياجات المواطنين ومساعدة مفوضية الانتخابات لتتمكن من إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في الموعد المتفق عليه دون تحديده، إلى جانب إخراج القوات الأجنبية من البلاد وتوزيع الثروة بين الليبيين، بحسب قوله. ولكن الحل بالنسبة للخبراء الليبيين لا يكمن في انشاء سلطة جديدة أو انهاء أخرى، والحل لا يحمله ساسة المشهد الحالي في البلاد، بل الحل لإيجاد نقطة الانطلاق الصحيحة لحل الأزمة وتفكيك النزاع، هي بروز نخبة جديدة، تُغلِّب المصلحة العامة على النزعات الخاصة واللوثات الجهوية والأيديولوجية، وتحييد النزوع الجهوي المسيّس وإنهاء منطق المغالبة وفرض معادلة التوازن العادلة، ذلك أن فرصة أي من المشاريع السياسية الثلاثة، سبتمبر وفبراير والكرامة، في السيطرة على مقاليد الأمور وإدارة الدولة منفردًا، غير متاحة، وأن التوافق سياسيًّا ثم اتباع نهج لا مركزي تقوده كفاءات إدارية فاعلة ونزيهة، مع مجابهة الفساد والفاسدين والتضييق عليهم، هو الخيار الأفضل لإنهاء معاناة الليبيين، ووضع البلاد على المسار الصحيح للانتقال الديمقراطي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.