متابعة / رشا حافظ
لقد حازت قضية الأمن على إهتمام كافة المجتمعات الإنسانية على مر التاريخ، بصورة مضطردة إلى الدرجة التى إحتلت فيها موقع الصدارة فى جدول أولويات الدول المختلفة، ويعتبر الأمن القومى من أشمل وأبرز صور الأمن، فالأمن القومى هو السياج الذى يحمى المجتمع، ومكتسباته الوطنية ضد التهديدات والعدائيات الخارجية والمخاطر والتحديات الداخلية، بما يهيئ أنسب الظروف لتنفيذ السياسات والإستراتيجيات القومية لتحقيق التنمية.
إن الأمن لا يقتصر على حماية الدولة من التهديدات الخارجية فقط، بل يمتد إلى حمايتها من التحديات الداخلية التى تحول دون تحقيق الإستقرار الداخلى اللازم كشرط أساسى لتحقيق التنمية الشاملة للدولة، وتشمل التحديات الداخلية كل ما يؤدى إلى عدم رضا الإنسان عن حياته نتيجة لعدم حصوله على مردود مكافئ لمجهوده فى بناء المجتمع. وعليه فإن تحقيق العدالة فى توزيع عائدات التنمية هو أحسن ضمان ضد التهديدات الداخلية والخارجية.
بالرغم من إختلاف تعاريف ومفاهيم الأمن القومى فى الموسوعات العلمية وتعدد إتجاهات آراء الخبراء والباحثين، إلا أن التعريفات الحديثة للأمن القومى أجمعت على إرتباط مفهوم الأمن القومى بعملية التنمية بأبعادها ومستوياتها المتعددة وعلاقتهما المتبادلة.
فالأمن من منظور التنمية يتمثل فى توجيه كافة طاقات الدولة نحو التنمية الشاملة، وصولاً إلى رفاهية المجتمع، ويرتبط مفهوم الأمن القومى فى الإتجاه الإقتصادى بإعتبار أن التنمية الشاملة هى جوهر مفهوم الأمن القومى وهما وجهان لعملة واحدة وأهمية توفير تأمين الموارد الإقتصادية الحيوية لتجنب أى ضغوط خارجية على الدولة.
ومن أبرز التعريفات التى أشارت إلى الرباط الوثيق بين الأمن والتنمية تعريف روبرت ماكنمارا وزير الدفاع الأمريكى الأسبق “الأمن عبارة عن التنمية ومن دون التنمية لا يمكن أن يوجد أمن وأن الدولة التى لا تنمو فى الواقع لا يمكن ببساطة أن تظل آمنة” وقد عبر ماكنمارا بتعريفه هذا عن التنمية حيث تشمل تلك الكلمة أبعاداً كثيرة فهى تنمية عسكرية وإقتصادية وإجتماعية، تنمية للموارد والقوى المختلفة، تنمية للدولة والمجتمع، تنمية للعلاقات الخارجية والسياسة الداخلية.
فلو إستعرضنا البعد الإقتصادى والتنموى للأمن القومى نجد أنه يستهدف الوفاء بإحتياجات
الشعب الأساسية، وحماية الإقتصاد الوطنى، ضد أى تهديدات داخلية أو خارجية، وتوفير
الحماية للمنشآت الإقتصادية للدولة ومصادر ثرواتها، والمحافظة على التوازنات الإقتصادية
بين (الإنتاج والإستهلاك، الموارد والإنفاق، الإدخار والإستثمار، الإستيراد والتصدير) وتوفير
سبل التقدم وصولاً لتحقيق الرفاهية.
وهنا أؤكد أن الأمن الإقتصادى لا يقتصر فقط على إشباع الحاجات الأساسية، وإنما يزيد إلى تحقيق وفرة إقتصادية، تدفع بالمجتمع إلى الإستثمار والتنمية، فى مجالات العلوم، والتكنولوجيا، والتعليم، والمنافسة فى مجالات الفكر والأبداع، وتحقيق الطمأنينة العامة للمجتمع، ورفاهيته، فضلاً عن توفير مناخ جاذب للإستثمارات الخارجية، وهو ما تسعى إليه الدولة المصرية الأن وبكل ما أوتيت من قوة لفرض السيطرة الأمنية وتحقيق الأستقرار فى كافة ربوع الوطن والقضاء على الإرهاب والدعوات المغرضة لزعزة الإستقرار والتقدم والتنمية التى تشهدها مصر بشهادة كبرى المؤسسات المالية الدولية للتطورات الإيجابية التى يشهدها الإقتصاد المصرى وإرتفاع معدلات النمو وقدرته على مواجهة الأزمات والتحديات، فالعدو الأول للتنمية هو إنعدام الآمن الأمر الذى يدفع برؤوس الأموال والإستثمارات للهروب إلى الدول الأمنة والمستقرة.
وأخيراً فمن وجهة نظرى أن العلاقة بين الأمن القومى والتنمية تتمثل فى قدرة الدولة على مواجهة كافة التحديات والتهديدات الداخلية والخارجية وتحقيق التنمية الشاملة بهدف إستقرار ورفاهية المجتمع.
فى ضوء ما تقدم يبرز لنا الإرتباط الوثيق بين الأمن والتنمية ويتأكد تأثيراتهما المتبادلة على الأخر، فإنعدام الأمن يأخذ بالتنمية إلى حافة الهاوية، وعدم القدرة على التنمية يوقف عجلة دعم القدرات الأمنية وتحقيق الإستقرار، وأبلغ تأكيد على هذه الرؤية قول الحق سبحانه وتعالى: “فليعبدوا رب هذا البيت الذى أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف”.