من نفحات المحنة واللقاء الايماني

متابعة _ أشرف محمد المهندس …
ويتجد بنا اللقاء وشرح مفسر للآيات الذكر الحكيم مع فضيلة الشيخ الدكتور إسماعيل المرشدي من علماء الاقاف بالاسكندرية
* وقوله تعالى من سورة النمل على لسان نبي الله سليمان عليه السلام : ( قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين ) آية ( ٢٧) ..
_ يحمل لنا هذا النص الكريم نسقا فريدا في التعامل مع المعلومات المساقة أمام القائد أو الرئيس أو المسؤول .. مهما كانت قيمة هذه المعلومات أو الأخبار التي يحملها أي فرد من أفراد هذا المجتمع …والنص حافل بالإشارات الدلالية التي تتمثل في :
أولا : _ ( قال ) … يحمل النص لنا أول كلمات نبي الله سليمان عليه السلام بعد الاستماع للهدهد في حديثه المنظم والمرتب والمكثف والمستفز للمتلقين عن مملكة سبأ وملكتها المتوجة … نعم هي أولى الكلمات بعد استماعه لحديث الهدهد المكون من ( ٦٧ سبع وستين كلمة كاملة ) … ما هذا الصبر من جانب نبي الله سليمان عليه السلام ؟!! هو صبر عجيب على الاستماع لكل هذا الحديث بلا مقاطعة أو تدخل أو اعتراض أو مناقشة …ترك الهدهد يسرد حديثه كاملا … تركه بحرية يقول ما يقول … ويصف ما يصف … تركه تعليما لنا ( كيف نستمع للآخر ؟! ) … تعليما لنا ( كيف نتلقى الآخر ؟!! ) … إن نبي الله سليمان عليه السلام يؤسس هنا لفن الاستماع الواعي المستنير … يؤسس لمنهج في القيادة يتمثل في ( ضرورة الاستماع للمرؤوسين ) بلا كبر أو تكبر أو إهمال … لأن هذا المنهج هو السبيل للنهوض … هذا المنهج هو السبيل لطرح الأفكار والاقتراحات ومناقشتها …وتحليلها من أجل تبني الصالح منها وتطبيقها بما يعود بالخير على الجميع … إن هذا المنهج يمثل نمطا في علم الإدارة وهو ( الإدارة الجماعية ) .. إذ يصبح الكل شريكا للكل … وهو من أنجح أنماط الإدارة في العصر الحديث ..
ثانيا : _ ( سننظر ) …وهذا أيضا من أهم مبادئ القيادة الناجحة …وأكثر أنماط الإدارة الفعالة دقة … فالقائد لا يجب أن يسلم دوما ( بصدق كل قول يقال أمامه ) … لا بد من التأكد من صدق المقولات أولا بكل الطرق الممكنة والمتوفرة قبل التسليم بصدق ما يقال وصحته …لأن المبدأ الأهم دوما في الإدارة والحكم ( اتهم القول المساق دائما حتى يثبت صدقه وصحته ) ..
_ ( سننظر ) يمكن أن تصبح بحق منهج حياة لكل فرد منا …نعم منهج تقصي الصدق وتحري سبله … ولنتأمل هنا بناء هذا التعبير ( سننظر ) .. الصيغة تعتمد توظيف ( السين ) الدال على الاستقبال لما سيقدم من أحداث أو أخبار …سيصبح هذا منهجا لنا … ( ننظر ) بتوظيف ( النون ) الدالة على الجمع ..لأن تلك المهمة تصبح مهمة للجميع وليس الفرد وحده … لم يقل : ( سأنظر ) … بل بالجمع .. تأسيسا لمبدأ ( التقصي عن الصدق شأن الجميع ) … إنها مهمة للأمة كلها ..وليس مهمة فرد بعينه …
ثالثاً : _ ( أصدقت ) …صيغة لغوية جاءت على نسق الفعلية دلالة على التجدد والاستمرار في هذا التوجه …وذلك لمعرفة نبي الله سليمان عليه السلام أن الهدهد وهو ينقل هذه المعلومات والأخبار إنما هو صادق قطعا ..بل إنه يجدد لنفسه دلالة الصدق حتى يلقى ما يقوله من أخبار قبولا لدى المتلقين له …. ونلمح ذلك في التدليل على هذا الصدق من جانب الهدهد نفسه إذ ساق في كلامه الضمائر الدالة على الثقة والتوكيد الشخصي …من ذلك ( إني / وجدت / وجدتها / جئتك ) …فكلها إشارات تامة دالة على الصدق المتجدد والمستفاد من ورود صيغة الصدق بالفعلية ( أصدقت ) …
_ في حين أن توظيف بنية الكذب جاءت بالصيغة الاسمية ( كنت من الكاذبين ) … وليس ذلك اتهاما للهدهد ..بل هي فرصة للتأكد مما يقال … ولذا فإن نبي الله سليمان عليه السلام جعل كفة الميزان ( كنت من الكاذبين) مقابل ( أصدقت ) ..وليس من شك أن الصدق دوما أثقل وزنا وقدرا … وأعمق أثرا وقبولا في نفوس المتلقين … الصيغة الاسمية للكذب تدل على استقرار الصفة في صاحبها …ولذا لم يقل نبي الله للهدهد ( أم كنت كاذباً ) لا … بل جعل الأمر على العموم والشيوع أمام الجميع ( من الكاذبين ) .. وكأن الأمر من جانبه عليه السلام على دلالة ( الاستبعاد ) لأنه يعرف الهدهد حق المعرفة وإلا ما كان استمع له … ولكل هذا الإطناب في الحديث …
_ إننا هنا أيضا أمام خصلة أخرى من خصال القيادة الناجحة وهي ( المعرفة التامة بمن هم تحت يديك ) … لا بد وأن تعرف رجالك ..وتعرف خصالهم وأحوالهم … لا بد للقائد الحقيقي من توفر كل المعلومات حول رجاله حتى يتسنى له قيادتهم على الوجه الأكمل بما يحقق النفع والخير للمجموع …
* إن النص هنا حافل بمبادئ راقية لفنون القيادة والإدارة من جانب نبي الله سليمان عليه السلام … وهي مبادئ لو اتخذناها سبيلا في حياتنا لتحقق لنا من الخير الكثير الكثير الكثير …
_ كما أن النص البديع يحمل لنا رسالة كاشفة مفصحة لعلها تكون الأسمى في حياتنا إذا ما تمثلناها … ألا وهي رسالة ( سننظر ) ..هي رسالة داعية للتحري والتدقيق والتقصي في كل شيء … وعدم التسليم مباشرة بكل ما يقال أمامنا إلا ما كان ( قطعي الثبوت والدلالة ) مثل نصوص الدين الثابتة … ( سننظر ) في العلم والمال والمعرفة والعادات والسلوكيات المجتمعية …( سننظر ) لا نفتي بلا علم … ولا نتحدث بما ليس لنا به دراية … ( سننظر ) ث لكل ما يريبنا أو يشككنا .. ( سننظر ) ملامح منهج حياة قويم ودقيق ومستقيم إذا ما تبنيناه …
_ اللهم اجعلنا ممن جعلت الصدق فيهم سجية …وجعلت الصدق لهم مطية إلى الجنة بكرمك يا كريم …

Related posts

Leave a Comment