ترامب والسياسية الأمريكية اللا أخلاقية

ترامب والسياسة الأمريكية اللا أخلاقية
( قراءة فى سلبيات الرأسمالية المتوحشة ) للدكتور حسن عبد العال كلية التربية جامعة طنطا

متابعة احمد عبد الحميد
احترت كغيرى فى فهم سلوكيات الرئيس الأمريكى ترامب ، وقراراته التى اتسمت بالتناقض الصارخ ، وابتزاز الآخرين والتنكر بل والاستهزاء برؤساء وحكام أولوه ثقتهم ، وعقدوا على بلاده آمال التعاون فى القضاء على ما يخافون ، والتهديد بضربات تسحق أعداء أمريكا ثم التراجع أمام صمود وكبرياء من هددهم ، وفى محاولة لفهم سلوكيات رئيس أكبر وأقوى دولة فى العالم ، عكفت على دراسة الجوانب الفكرية والخلفية للنظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وركزت على النظام الرأسمالي الذى تحتل الولايات المتحدة فيه مكان الصدارة ، فهى زعيمة الرأسمالية فى عالم اليوم ، ويهمنى فى هذا النظام الذى رأى فيه المفكر الأمريكى اليابانى الأصل فوكوياما نهاية العالم ، يهمنى بالدرجة الأولى سلبيات هذا النظام لعلها تلقى لعقلى الضوء على فهم السياسة الأمريكية ، وسلوك الرئيس الأمريكى . ومن حسن الحظ أنى وجدت ضالتى فىى كتاب ” آفاق الفلسفة ” للمفكر المصرى الراحل الدكتور فؤاد زكريا ، فى حديثه عن الجوانب الفكرية فى مختلف النظم الاجتماعية ، وتوقفت متأملا طرحه للنظام الرأسمالي والأوجه السلبية فيه وعناصر الضعف والهدم التى تتغلغل فى صميم بنائه .

وكانت أبرز الجوانب السلبية فى النظام الرأسمالي ، والتى كشفت طبيعة السياسة الأمريكية وحقيقة سلوك ترامب ، هى ” اللاأخلاقية ” فالولايات المتحدة بمذهبها البرجماتي ، تقيس كل فعل تبعا لمقدار المنفعة المترتبة عليه ، بغض النظر عن أية قيمة كامنة فى هذا الفعل ( انظر موقف ترامب من مقتل الصحفى السعودى خاشقجى ومحاولة تبرئة ابن سلمان من الجريمة ، لأنه لا تستطيع أمريكا أن تضحى بمليارات السعودية ) صحيح قد تعلن أمريكا قدرا من الفضائل مثل الدفاع عن حقوق الإنسان وحق الشعوب فى تقرير مصيرها ، والحرية لسجناء الرأى ، والعدل والديمقرطية وغيرها ، ولكن هذه الفضائل لا تكتسب قيمتها إلا لأنها تفيد أمريكا وتحقق مصالحها ، فهذه الفضائل ليست مقصودة لذاتها بل لما لها من منفعة ، ولهذا سرعان ما تتنكر لها أمريكا اذا لم تتحقق مصالحها .
ولا أدل على اللا أخلاقية الكامنة فى الرأسمالية وأمريكا من قول ” روكفلر ” مؤسس أسرة الرأسماليين الأمريكيين المشهورة ” اننى على استعداد لدفع مليون دولار كمرتب لأى موظف تتوافر فيه صفات معينة أهمها ألا يكون لديه أى نوع من تأنيب الضمير ، وأن يكون على استعداد لسحق ألوف الضحايا دون أن تطرف له عين ” ( أنظر ملايين القتلى العرب والمصابين فى غزو أمريكا للعراق بدعاوى كاذبة اعترفت هى بعدم صحتها ولم تقدم حتى اعتذارا عن جريمتها ).

وثانية الأثافى فى سلبيات الرأسمالية والتى تلقى ضوءا كاشفا لتفسير السياسة الأمريكية وسلوكيات ترامب ، هى ارتباط الرأسمالية الوثيق ب “الحرب ” ، فالحرب تنتمى الى صميم الرأسمالية وتركيبها الباطن ، وتثير الرأسمالية فى العالم حروبا لا تنقطع ، ولا تعبأ وهى تندفع للحرب أو تهدد به ولا تعبأ بالقتل الجماعى الذى يلحق بالشعوب ( انظر مأساة الحرب التى شنتها أمريكا على أفغانستان والدمار والقتل الذى عانى منه الشعب الأفغانى وانظر تهديدها بضرب إيران وكوريا ) . ومصانع السلاح الضخمة فى أمريكا والمليارات التى تضخضها فى الاقتصاد الأمريكى ، لما تثيره أمريكا من نزاعات وحروب بين الدول ، وما تلحلقه من فتن فى أنحاء الدنيا . (انظر ماذا يحدث فى اليمن من فتنة مذهبية وما يجرى فى ليبيا من معارك ، وتدخل أمريكا فى سوريا وتدميرها ) .

وأما السلبية الثالثة والخطيرة للرأسمالية فهى ” الإجرام ” الذى أصبح مشكلة قومية فى الولايات المتحدة ، حيث ترتفع معدلات الجريمة عاما بعد عام ، وقد ذهب المفكرون إلى أن أسلوب العمل فى النظام الرأسمالي يثير فى النفوس أطماعا لا حد لها ، وحين يجد المنحرفون الرأسماليون أن طريق الثراء مسدود أمامهم ، فإنهم يعملون على تحقيق غايتهم بأيسر الطرق وأسهلها وهى الجريمة ، وتعرف أمريكا أنواعا من الجرائم غير المرتبطة بالمسائل الاقتصادية ، كجرائم القتل والتعذيب والاغتصاب وغيرها , وترتبط الجريمة بالنظام الرأسمالى لأنه يمجد العنف ويلتجىء دائما إلى الحروب ، ويسخف بالجوانب الإنسانية للحياة ومن شأن ذلك أن يخلق مناخا نفسيا تزدهر فيه الجريمة وأعمال العنف .

لعل ما سبق يفسر لنا سلوكيات الرئيس الأمريكى ، ويلقى ضوءا كاشفا على السياسات التى تمارسها الولايات المتحدة فى علاقاتها مع الدول ، وبخاصة الأنظمة السياسية فى الدول العربية .

Related posts

Leave a Comment