خطيئة التربية وممارسة ابنائنا للعنف

 كتب …الأستاذ الدكتور حسن عبد العال. بكلية التربية جامعة طنطا

تملكنى رعب قاتل وأنا أقرأ عن تلك الجريمة البشعة التى وقعت فى الاسكندرية , والتى ارتكبها تلميذ لم يتجاوز عمره السادسة عشره ، حين هوى بسكينه الحاد ليطعن مدرسته المسالمة عدة طعنات فيرديها قتيلة تخوض فى بحر من دمائها ، دون ذنب ارتكبته ، ويهرب من موقع الجريمة منزلها الذى جلس إليها التلميذ فيه فى درس خاص يتعلم الكمياء ، تاركا حقيبته وسكينه الذى يقطر دما ، مما سهل التعرف عليه والقبض عليه ، ليعترف بجريمته .

ولم يخطر ببالى يوما أن فتى صغيرا من أسرة مصرية عادية ليس لها تاريخ فى العنف والجريمة يمكنه أن يقبل على هذا الجرم الشنيع ، لا لذنب ارتكبته المعلمة معه ، فقد عرفت بالطيبة والتعامل الحسن مع تلامذتها .
والخطير فى أمر هذه الجريمة أن الفتى القاتل حين تم القاء القبض عليه واعترف بجريمته ، وقام بتمثيل فعلته أمام رجال الأمن ، أنه صرح بأن المدرسة لم ترتكب أى خطا معه ، ولما سئل عن دوافع القتل — وتلك هى المصيبة — اعترف أنه كان يقلد لعبة ( بوبجى ) التى يمارسها على الإنترنت ، يقلدها فى الحقيقة ، وأنه بدلا من أن يمارسها فى عالمه الافتراضى كلعبة ، مارسها جريمة فى الواقع .

إن الإنترنت رغم أهميته وفوائده الكثيرة ، إلا أنه بإساءة استخدامه ، وانعدام الرقابة الأسرية على تعامل الصغار معه أصبح أداة تدمير لهم وللأسر وللمجتمع .
وكنت منذ زمن قريب قد كتبت محذرا من جرائم قتل الأطفال لأنفسهم باندماجهم فى ألعابه الالكترونية ،مبينا أن بعض هذه الألعاب تسلب إرادتهم ، وتنتهى العابهم بموتهم انتحارا بعد إصابتهم باكتئاب ، وبرغبة عارمة فى التخلص من الحياة ، وضربت مثالا بلعبة الحوت الأزرق ، التى راح ضحيتها بعض أبنائنا ، وحملت الآباء والكبار فى الأسرة المسؤلية تجاه ما يحدث ، وما يحمله الغد ويتوعد به من مصائب . إلا أن أمر الألعاب الإلكترونية فى هذا الجهاز قد تطور فى خطورته ليتجاوز انتحار الطفل اللاعب إلى تحويله إلى قاتل يمارس القتل فى الواقع كما يمارسه فى لعبه .

إن الأمر خطير اكبر مما نتصور ، لا أقول يهدد حياة أبنائنا مقتولين أو قاتلين ، وانما يهدد المجتمع فى كيانه ، ويهدم قواعده الثابتة . وينذرنا بمصير مؤلم .
إن اطفالنا يقضون ساعات طوال منكفئين على هذا الجهاز ، يمارسون بشغف ألعابا تسهل طريق الجريمة وتدفع باللاشعور أطفالنا إليها ، وربما وجدوا تشجيعا من الكبار الذين من فرط جهلهم يشاركونهم العابهم ، وشيئا فشيئا ومع الممارسة المستمرة تتبدل شخصية الطفل ، وتترسب فى ذاته مشاعر العدوان ، وتتملكه أفكار هدامة ، وترسخ فى ذهنه مفاهيم خاطئة ، ويمارس أنماطا من السلوك التى لم يعهدها مجتمعنا .

لست فى حاجة إلى أن أذكر الجميع أن الأسرة أهم المؤسسات التربوية جميعا ، وأن الفرد فى سنوات حياته الأولى ترسى معالم شخصيته فى أسرته ، وأن ما يحدث من أخطاء فى تربيته الأسرية يصعب علاجها مستقبلا ، وأن مسؤلية الاباء والأمهات التربوية أهم وأكبر من مسؤوليات غيرهم ، ومن ثم فما لم ننتبه إلى حاجة أبنائنا إلى سلطة أبوية ضابطة رشيدة تراقب بحذر وجدية وتوجه للتعامل البناء والصائب مع تكنولوجيا العصر ، ينزلق الأبناء إلى منحدر الضياع وتذهب ثمار أعمارنا هباء ويظل تحذير القرآن الكريم لنا حاضرا ” يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا ” وطريق النار . . نار الخطيئة والانحراف والجريمة هو إهمال التربية واغفال القيم الموجهة لسلوك أبنائنا نحو الحق والخير والجمال .
أعاننا الله على حسن تربية أبنائنا فى هذا الزمان العصيب .


 

Related posts

Leave a Comment