لكن نشرت منظمة العالمية تحذيراً منذ زمن بعيد بانتشار هذا المرض خاصة في البلدان النامية، ففي الآونة الأخيرة تم تشخيص عدة حالات في قطاع غزة بهذا الخصوص.
حيث قال استشاري جراحة الكلى والمسالك البولية ورئيس قسم جراحة الكلى والمسالك البولية في مستشفى شهداء الأقصى د مشعل البطة:” نحن أمام مأساة صحية بمعنى الكلمة لان هناك مرض فتاك مستتر ينتشر بيننا في قطاع غزة دون اكتشافه وعلاجه في الوقت المناسب، وإذا ترك بدون تشخيص وعلاج في الوقت المناسب فانه يفتك بالإنسان المصاب سواء كان كبيراً أو صغيراً”.
وأوضح أن هذا المرض الوبائي هو مرض السل (الدرن) تسببه جرثومة الدرن، وانتشر لعقود طويلة في العالم في القرن الماضي، وتم محاصرته والحد من انتشاره عن طريق التطعيم وعلاج الحالات المصابة، ولكن في بلدان العالم الثالث مع فقدان الرعاية الصحية والحروب المستمرة ما زال ينتشر بين الناس بنسب متفاوتة من بلد لأخر.
واستطاع د البطة خلال عمله في القطاع الصحي في قطاع غزة منذ العام 1996، اكتشاف ثلاث حالات فقط من هذا المرض، أما اليوم وفي اقل من خمسة أشهر اكتشف سبع حالات من هذا المرض الخطير.
فأول ما يصيب العدوى يصيب الجهاز التنفسي بعدوى عن طريق التنفس والهواء، عن طريق السعال أو العطس لمريض مصاب بمرض السل، وبعدما يستقر في الرئة غالباً ما تتغلب عليه مناعة الجسم، لكن بعد سنوات في حالات ضعف المناعة لأسباب معينة تنشط هذه الجرثومة وتنتقل العدوى عن طريق الدم إلى باقي أعضاء الجسم مثل الكلى والأمعاء والعظام والدماغ والعضلات وغيرها.
حيث تكون أعراض المرض غير واضحة ومخفية، وفي كثير من الأحيان يحتار الأطباء في تحديد التشخيص المناسب مما يؤخر الحالة المرضية للمرضى وتؤدي إلى تفاقم الوضع الصحي لهؤلاء المرضى.
وذكر أخصائي جراحة الكلى والمسالك البولية انه لا توجد إحصائيات دقيقة للأمراض المعدية في عموم فلسطين من بينها السل لأسباب عديدة منها عدم استقرار النظام الصحي وقلة الإمكانيات ونقص الخبرات في الكوادر الطبية المختلفة.
وأشار إلى أن حلم الرئيس الراحل الشهيد أبو عمار أن تكون غزة مثل سنغافورة، ففي عام 1998 كان هناك 60 حالة مرض سل لكل 100 نسمة، أما في عام 2014 بعد سنين من مكافحة المرض في سنغافورة فإنهم يفتخرون بتقليص العدد إلى 37 حالة لكل 100 ألف.
وتساءل د البطة، كم عدد الحالات المصابة بمرض السل في سنغافورة غزة، متوقعاً أن يكون العدد بالمئات من المرضى الذين يعانون من هذا المرض الغير مكتشف من قبل الأطباء في جميع التخصصات الطبية.
وتابع:” للأسف إننا اكتشفنا لحتى ألان رأس جبل الجليد فقط، لكننا نحتاج إلى جهود جبارة من قبل الجميع لكشف هذه الحالات، وزرت العديد من دول أوروبا واسيا للتحصيل العلمي وللتطوير الطبي، وساعدني ذلك على العمل بأساليب علمية متقدمة انجح وأفضل، انعكس ذلك في تشخيص وعلاج الحالات الصعبة خاصة في أمراض الكلى والمسالك البولية”.
واستطاع د البطة تشخص حالات اكلينيكياً بالاستعانة بالأستاذ فؤاد السماك أخصائي التحاليل الطبية والخبير في جرثومة السل، حيث استطاع أن يكتشف الجرثومة في عينات بول المرضى خلال ثلاثة أيام لكل مريض، على عكس ما كانوا عليه في السنوات الماضية.
حيث كان التعامل سابقاً مع هذه الحالات بتحويلها للخارج ليتم اخذ عينات من الكلى ويتم زراعتها في مزارع خاصة بهذه الجرثومة وبعد شهرين يتم الحصول على النتيجة إما ايجابية أو سلبية، وفي بعض الحالات حتى مع وجود المرض قد تفشل عملية الزراعة في تحديد هذه الجرثومة.
وأكد انه في الوقت الحالي بعد تشخيص الحالات يقوم بإرسال المرضى إلى قسم الأوبئة في عيادة الرمال بغزة، ويتم صرف العلاج المكون من أربع أدوية لمدة ستة أشهر، وأضاف:” للأسف من خلال متابعتي للمرضى تبين لي أن هذه الأدوية غير متوفرة في كل الأوقات”.
واستحضر د البطة مأساة مريض تم اكتشاف مرضه ولم يستطيع توفير العلاج له حتى هذه اللحظة، مما اضطره إلى وصف مجموعة من المضادة الحيوية المتوفرة في الأسواق له والتي تعالج البكتيريا المعتادة بمحاولة إيقاف نمو جرثومة الدرن، لان المريض يعاني من أعراض مؤلمة جداً، ونجح خلال أيام بعض الشئ في تخفيف الأعراض بانتظار وصول الأدوية المناسبة لمرض السل من رام الله.
وعن نتائج تأخير تشخيص وعلاج مرض السل على المرضى أنفسهم والمجتمع ومن حولهم قال:” لا أريد أن أهول من خطورة المرض لكن على الجميع معرفة الحقيقية، وهي أن هذا المرض معدي في طوره النشط في الرئة وينتقل لأي إنسان أخر عن طريق السعال أو العطس، ففي اكتشافه وعلاجه المبكر فقد ننقذ هؤلاء المرضى والمجتمع حولهم”.
وأشار إلى أن دور أطباء الباطنة عامة واخصائئ الصدرية كبير في هذه المرحلة، ويتطور المرض وينتقل إلى باقي أعضاء الجسم ويكون في المرحلة المزمنة وهو غير معدي في الأعضاء الأخرى خارج الجهاز التنفسي.
كما انه كلما تأخر التشخيص لهذا المرض كلما توغل هذا المرض الفتاك في أعضاء الجسم ويسبب تلف بطئ في هذه الأجهزة قد تؤدي في نهاية المطاف إلى الوفاة إذا لم يتم علاجه في الوقت المناسب.
وأضاف:” كلما اكتشفت مريض من هذا النوع أصابني الذهول والحزن على حال هؤلاء المرضى والحال الذي وصلوا إليه، فلكل مريض من المرضى قصة حزينة، والمأساة أن كل واحد منهم يعاني منذ سنين، وقد أجريت لهم العشرات من الفحوصات وتعاطوا عشرات الأدوية بدون تشخيص مناسب أدى إلى توغل المرض واستفحاله في أجسادهم”.
وذكر د البطة عدة حالات للمرضى منهم صغار وكبار ومسنين، يعانوا منذ سنوات من المرض دون تشخيص مرضهم الصحيح، وتعاطوا أدوية خاطئة أدت إلى تفاقم مرض السل للكلى والمسالك البولية.
حيث يصاب المريض بالتهابات مزمنة في المسالك البولية، تبقى على مدار أشهر، حتى مع وجود المضادات الحيوية، ويصاب بنقص في الوزن، وفقدان الشهية، وبعض الحالات تصاب بصداع في الرأس وحرقان في البول، وآلام في الظهر.
وأضاف:” نحن أمام منحنى خطير يحتاج إلى مراجعات صحية على مستوى الوزارة والمؤسسات الصحية المختلفة والأطباء في كل التخصصات، ومطلوب من مؤسساتنا الصحية العمل الجاد في مكافحة ووقاية هذه الأمراض الخطيرة، فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته”.
بدوره قال المسئول في الطب الوقائي في وزارة الصحة الدكتور مجدي ظهير، أن تهويل المعلومات حول المرض مزايدة خطيرة بعيدة عن الواقع، لان الوزارة تسيطر على المرض منذ سنوات طويلة، وان معدل انتشار المرض في غزة لا يتجاوز حالة واحدة لكل 100 ألف، وهذا الرقم اقل بكثير من معدلات انتشار المرض في الدول المجاورة وكثير من دول العالم.
وأكد أن هذا الرقم يضاهي الأرقام في الدول المتقدمة، وقد تحققت الوزارة من الرقم من خلال دراسة أشرفت عليها منظمة الصحة العالمية عام 2015، في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكانت دراسة مسحية في كل مرافق مقدمي الخدمات الصحية سواء العامة أو الخاصة بطريقة ممنهجة
ولفت ظهير أن المرض يتم تشخيصه ومتابعته بشكل جيد، وهناك إحصاءات دقيقة في وزارة الصحة منذ التسعينات حتى ألان، ضمن قاعدة بيانات محوسبة ودقيقة لكل الأمراض المعدية، تنشر بياناتها بشكل دوري وسنوي على موقع الوزارة.
وتابع:” الحديث عن هذا المرض بعيد عن الواقع والمرض مسيطر عليه، ويعالج بشكل صحيح ومتوفر علاجه في الوزارة، وقد يكون لأيام لم يتوفر العلاج، ولكن العلاج موجود، وهناك تجاوزات من الزملاء في تضخيم تشخيص المرض، ومتوفرة الأجهزة اللازمة لتشخيصه ضمن أقسام الرعاية الأولية وأقسام الصدرية وجميعها تحول الحالات لقسم الأوبئة في غزة “.
وذكر أنه يوجد أقسام تشرف على علاج المرضى بشكل أسبوعي وشهري ونصف شهري، مع كل البروتوكولات المتبعة في قطاع غزة والضفة الغربية، وهو بروتوكول موحد يتم اعتماده في تشخيص وعلاج الحالات، وتخضع كل الأمراض المعدية لرقابة ورصد دقيق جداً، وهناك نشرات إرشادية للتعامل مع الأمراض المختلفة.
ويفتخر د ظهير بتحقيق انجازات مشرفة وكبيرة في الوزارة في التعامل مع الأمراض المعدية ومن بينها مرض السل ” الدرن “، كما أثنى على دور موقع دنيا الوطن بنشر الثقافة والمعلومة الصحيحة للمواطنين، والاهتمام بالمواضيع الصحية وإيصالها للمجتمع.
وختم بالقول:” تزايد الأرقام لا تشكل زيادة حقيقية في معدل الانتشار، ولم نتجاوز حالة لكل 100 ألف، وهناك تضخيم في طريقة التشخيص يتم مراجعتها حالياً، وحتى لو ثبت هذا المرض لن يتم القضاء عليه نهائياً، وهو موجود في كل دول العالم، ولكن الحالات لم تتجاوز المعدل الطبيعي المعارف عليه سنوياً، وفي غزة لم يتجاوز 30 حالة سنوياً ونحن في المعدل الطبيعي للمرضى