لندن- معتصم الحارث الضوي ..الصحفي محمد اللوح
بحضور جماهيري ضخم، شهدت العاصمة البريطانية لندن يوم الجمعة الماضية 16 ديسمبر 2016 تدشين مبادرة “فلسطين 100” التي أطلقها الأكاديمي الفلسطيني المعروف د. مكرم خوري مخّول، كما تضمنت الفعالية حفل توقيع الكتاب ذو الصلة الوثيقة بالموضوع، والمعنّون “شهادات على القرن الفلسطيني الأول” بقلم الصحفي والباحث الفلسطيني إلياس نصر الله.
تسعى مبادرة “فلسطين 100” لرفع مستوى الوعي بالقضية الفلسطينية بين شعوب الأرض قاطبة، خاصة بعد أن تراجع موقفها على سلم الأحداث العالمية، ولإلقاء الضوء على محنة الشعب الفلسطيني ونضاله لنيل الحقوق المشروعة، ومحاربة الظلم الذي يتعرض له على أيدي الاحتلال الصهيوني الغاشم، وتهدف المبادرة أيضا إلى إشراك الشرفاء في أنحاء العالم في طرح يؤمن بالحق الفلسطيني، مما يعني العمل على إنهاء الاحتلال وإنجاز التحرير وتثبيت حق العودة، علاوة على ضمان حق الفلسطينيين في الاحترام والكرامة والعيش الكريم بحرية في دولتهم المستقلة على أرض وطنهم.
صرّح مؤسس المبادرة، الدكتور مكرم خوري مخّول، لهوربوست قائلا “الدلائل الأوّلية تشير إلى أننا قد حققنا نجاحا أوّليا في إحياء الاهتمام الشعبي بالقضية الفلسطينية، وخاصة في لندن، عاصمة وعد بلفور، لنُعيد الكرة إلى ملعب بريطانيا الحديثة، وريثة الإمبراطورية البريطانية، ولكي نُذكّرهم بالإجحاف والظلم التاريخيين، ولنُصرّ على دفعهم لتصحيح الخطأ الأخلاقي باتجاه انتزاع الحق الفلسطيني ثانية”.
بحسب الإعلان الذي رافق الدعوة للفعالية فإنها تهدف بجانب الأهداف التعريفية والسياسية إلى إلقاء بوتقة من الضوء على التراث الفلسطيني الثرّ، الشفاهي والملموس أيضا، وعلى النشر والترويج له عبر الفعاليات الثقافية والفنية وغيرها من الوسائل، وذلك بالتعاون مع المجموعات والأفراد المعنيين بالمحافظة على ذلك الإرث التاريخي الفريد.
كما تتضمن الوسائل التي ستستعين بها المبادرة لإنجاز أهدافها أيضا تلقّي وإنتاج الأفكار والمقترحات ذات الصلة، والعمل على تنفيذها، ويشمل ذلك السينما والمسرح والفلكلور والآثار.. إلخ، علاوة على أن المبادرة تحتفظ بدور خاص للدور التعليمي في مختلف الدول بهدف التعريف والتنوير عن القضية الفلسطينية وعن حضارة وثقافة الشعب الفلسطيني، وذلك في بحر السنة الواحدة التي تستغرقها المبادرة حتى نهاية سنة 2017، علما بأن نهاية المبادرة ستعقبها دراسة وتقويم منهجي لما حققته من إنجازات، بُغية الانتقال إلى مرحلة أخرى وطور مستحدث من العمل بناء على نتائج التقويم.
كما أكد الدكتور مكرم على أن المبادرة ترتقي فوق حدود العرق والدين والطائفة والحزبية وغيرها من أسباب الفِرقة والشقاق، بل تستدعي القيم الإنسانية والحق المشروع، وبأن القائمين عليها حريصون أيما حرص على استقلاليتها وتجردها تحرّيا لتحقيق أهدافها المنشودة.
انطلقت الفعالية بالوقوف دقيقة حداد على شهداء الثورة الفلسطينية والأحرار في كل أرجاء العالم، أعقبتها إذاعة النشيد الوطني الفلسطيني “موطني” بصوت الفنانة البريطانية- الألمانية جوليا كاترينا، وكان مفاجأة سارة للجميع مدى اتقان الفنانة لنص وروح النشيد باللغة العربية.
تحدث الدكتور مكرم خوري مخّول محييا الحضور، وأفاض في توضيح أهداف المبادرة، داعيا كافة الحضور من عرب وجنسيات أخرى إلى الانخراط بشكل فاعل في أنشطتها وفعالياتها، ثم تقدمت البارونة جنيفر تونغ، والتي ألقت كلمة مؤثرة كان مطلعها “أعتذرُ باسمي وباسمي عائلتي وملايين البريطانيين الذين يفكرون مثلي عمّا جرّه وعد بلفور عام 1917 من ويلات ومصائب على الشعب الفلسطيني”، أعقبتها كلمة الأستاذ سامي رمضاني الأكاديمي والكاتب، ثم كلمة المناضل محمد بركة رئيس لجنة المتابعة العربية في الداخل الفلسطيني المحتل، ثم كلمة المحامي البريطاني جيريمي تير المعروف بمساندته الطويلة للحق الفلسطيني، ثم كلمة السفير الفلسطيني المتجول عفيف صافية.
كان مسك الختام في الأمسية كلمة ألقاها للأستاذ إلياس نصر الله، مؤلف كتاب ” شهادات على القرن الفلسطيني الأول”، وجاء فيها:
“جاء الكتاب ليتصدى لمحاولات طمس وإخفاء جريمة الاعتداء على الشعب الفلسطيني وسرقة وطنه من جانب إسرائيل والإسرائيليين، والتسبب له بمآس وويلات أسس لها وعد بلفور، فأنا وعائلتي من ضحايا هذه الجريمة.
وضعتُ في كتابي هذا الذي استغرقت كتابته حوالى ست سنوات، تجربتي الحياتية والعملية في سرد حكايات وأحداث وقعت لي شخصيا، ومع عدد كبير من الفلسطينيين الذين أعرفهم وكنت شاهداً عليها، من ضمنهم أفراد عائلتي، والذين كافحوا وصمدوا في وجه أعتى قوة عسكرية في العالم لا تتمثل فقط بإسرائيل، بل بتحالف القوى الدولية التي تقف خلفها وتدعمها.
قدّمتُ في هذا الكتاب صورا عن عذابات الفلسطينيين المسالمين الذين نجحوا في البقاء في وطنهم، ولم يجرؤ أحد في حينه على مساندتهم في محنتهم. أما اليوم فأنا أشعر بالفخر لكثرة المؤيدين للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة على المستوى الدولي شعبياً ورسمياً، وما البارونة الشجاعة جنيفر تونغ الموجودة بيننا هذه الليلة إلا مثالٌ على هذا التحول.
لم يكن عمري يزيد عن تسعة أشهر عندما لجأت عائلتي إلى لبنان، لكنها بأعجوبة تمكنت من العودة إلى وطنها في بلدة شفا عمرو الصغيرة في الجليل، وصمدت ضمن حوالى 160 ألف فلسطيني ممن نجحوا في البقاء في وطنهم بعد نكبة عام 1948، وازداد عددهم مع الوقت ليصبح الآن 1.6 مليون نسمة. ما فعلتُه أنني حاولتُ في كتابي “شهادات على القرن الفلسطيني الأول” أن أقدّم صورا لما جرى لهؤلاء الفلسطينيين منذ عام 1948 وما بعده.
ما تزال نكبة الفلسطينيين مستمرة حتى يومنا هذا، فغالبيتهم مشردون في الشتات وممنوعون من العودة إلى وطنهم، حيث دمر الإسرائيليون حوالى 530 مدينة وقرية فلسطينية وأزيلت من الوجود وبنيت على أنقاضها المستوطنات للمهاجرين اليهود الذين تم جلبهم من جميع أنحاء العالم.”
اختتمت الفعالية بقراءة الفنانة جوليا كاترينا لمقاطع مترجمة إلى اللغة الإنجليزية من الكتاب، ثم صدحت بأناشيد فلسطينية شعبية، أعقبها النشيد الوطني الفلسطيني “موطني” في تظاهرة فلسطينية عربية إنسانية ساهم فيها الحضور بعنفوان وشمم، وكانت خير ختام لتدشين مبادرة واعدة يُنتظر منها الكثير.
