1– شُكراً مريم بنت عمران، من قصتكِ تعلمتُ أن الأسباب تجري على الناس ولا تجري على الله، وأنه سبحانه وضع للكون قانوناً ليحكمه به لا ليقيِّد قدرته، تعالى الله عن هذا علواً كبيراً، فكما خلق آدم من غير أبٍ ولا أم، وخلق حواء من ضلع آدم، أي من أبٍ من غير أم، خلقَ ابنكِ من أمٍ من غير أب، لتكوني وابنكِ آية للناس على قدرته وعظمته سبحانه !
٢- شُكراً مريم بنت عمران، من قصتكِ تعلمتُ أن دعاء الوالدين سهمٌ صائب، لهذا لا يجب أن ندعو للأولاد إلا بخير، فمذ كنتِ في المهد قالت أمكِ تدعو ربها لكِ: “وإني أعيذها بكَ وذريتها من الشيطان الرجيم”! فما وجد الشيطان إليكِ سبيلاً، وكانت ذريتكِ نبياً من أولي العزم من الرسل !
٣- شُكراً مريم بنت عمران، من قصتك تعلمتُ أنَّ القلوب تُصقل في المحاريب، وعلى سجاجيد الصلاة، وأنها بقدر ما تلين بالتسبيح والدعاء، يربطُ الله عليها ليُغيِّر بها العالم “يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين”!
٤- شكراً مريم بنت عمران، من قصتك تعلمتُ أنّ المؤمن أول ما يفزعُ إلى الله، فعندما رأيتِ جبريل ماثلاً أمامكِ بهيئة بشر، كان أول كلام قلتهِ “إني أعوذ بالرحمن منك”، لم يخطر لكِ زكريا الذي كفلكِ وساعدكِ ورباكِ، ولا الرهبان الذين ألقوا أقلامهم يوماً يقترعون، كل واحد منهم يريد أن ينال شرف رعايتكِ، هكذا هو المؤمن دوماً، أولاً مع الله ثم يأتي الناس!
٥- شكراً مريم بنت عمران، من قصتك تعلمتُ أن الإنسان يبقى إنساناً مهما بلغَ من الإيمان عِتياً! كان أول ما قلتِه عندما وضعتِ ابنك: “يا ليتني متُّ قبل هذا وكنتُ نسياً منسياً”! مخطئ من يظن أن الإيمان يجعل الناس ملائكة لا يخافون ولا يقلقون ولا يتألمون ولا يحزنون، الإيمان يهذبنا فقط، يجعلنا أكثر فهماً وإحساساً ومسؤولية، وما تمنيتِ الموت لحظتذاك إلا لأنك إنسان يعرف ما الذي ينتظره عند الناس !
٦- شكراً مريم بنت عمران، من قصتكِ تعلمتُ أن الدنيا دار أسباب، ولو أغنى الله أحداً عنها لأغناكِ وأنتِ في قمة ضعفكِ واضعة مولودك ترزحين تحت وطأة النفاس، ولكنه قال لكِ ” هزي إليكِ بجذع النخلة تساقط عليكِ رطباً جنياً”، يعرف سبحانه أنكِ لا تقدرين على هزّ نخلة، ولكنه أراد أن يعلمنا من خلالكِ أن نسعى بقدر ما نستطيع، على أننا نؤمن أن السعي لا يزيد في الرزق ولا القعود ينقصه، ولكن الدنيا ليستْ سائبة، إنها محكومة بقانون!
٧- شكراً مريم بنتُ عمران، من قصتك تعلمتُ أننا أحياناً نصمتُ لا ضعفاً، ولا عجزاً، وإنما لأن البعض لا يجدي معهم الكلام مهما قلنا، فالناس أحياناً لا يسمعون إلا ما يريدون، ولأنكِ تعرفين هذا قلتِ لهم: ” إني نذرتُ للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسياً”!
٨- شكراً مريم بنت عمران، من قصتك تعلمتُ أن أواجه مشاكلي بهدوء واتزان، وأن لا أقلب الدنيا رأساً على عقب، وأنه إذا واجهتني مشكلة في الحياة أن لا أنظر إلى الحياة كلها على أنها مشكلة، برغم كل ما أنتِ فيه، ولد في حضنك من غير أب، صغيرة غضةً طرية لم تعجنكِ الحياة، وقوم يتربصون بك، إلا أن الله أمركِ أن تلقي كل هذا وراء ظهركِ وتعيشي لحظتكِ، ما أرحمه من رب حين قال لك: “كلي واشربي وقري عيناً”!
٩- شكراً مريم بنت عمران، من قصتك تعلمتُ أن الفرَجَ يأتي من حيثُ لا نحتسب، وأن قانون الدنيا الخالد، كُن مع اللهِ في الرخاء يكن معك في الشدة، وقدِّمْ لله ما يُحب يُقدِّم لكَ ما تحب، لم يكن أحد على ظهر الأرض بمن فيهم أنتِ يتصور أن وليداً عمره يوم واحد سيترافع عنكِ أمام محكمةِ الناس، وسيُخرس كل الألسنة، ويتلو بيان عفتكِ وطهركِ!
١٠- شكراً مريم بنت عمران، من قصتكِ تعلمت أن الإنسان لن يكون حُراً إلا إذا كان عبداً لله! وأن العقيدة هوية، والتوحيد جنسية، وإفراد الله بالعبودية جواز السفر الوحيد إلى الجنة، كانوا ينتظرون أن يعرفوا هوية ابنك وجنسيته، فأعلنها لهم “إني عبد الله”!
والله ولي المستعان