كتبت/مرثا عزيز
سيدة أربعينية عادية، تشبه عموم المصريات فى طيبتهن وقلوبهن المفطورة دائمًا، إما بهموم الأسرة أو بالأحزان التى تحملها الأيام ولا تكل ولا تمل فى حملها، اسمها إيمان يوسف، لا تختلف عن أمك أو أختك أو جارتك لا فى الشكل ولا فى الاسم، فقط تختلف فى الهم والألم اللذين اختارا أن يكونا صديقين دائمين لها ولأسرتها، بينما كانت تتخيل هى على الجانب الآخر من الحلم، أو من الشارع، أنها تقترب من الهدوء الذى حرمتها منه الأيام، وتبدأ رحلة جديدة مع منزلها الجديد الذى سيمكّنها من الصلاة وحضور القداس والمواظبة عليه بسهولة.
لحظة واحدة تفصل بين الحياة والموت، بين ابتسامة على شفة ماجدة يوسف، ودمعة فى عين “ستيفن”، هى نفسها اللحظة التى تعيش فيها “إيمان” منذ أحداث الاتحادية فى ديسمبر من العام 2012، لحظة بطول أربع سنوات، عندما فقدت زوجها، بمصادفة لا تقل قسوة وإرهابًا وجبروتًا عمّا حملته لها يد الإرهاب اليوم، قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة داخل كنيستها، وقبل القداس وإشعال الشمعة.
التقينا بأاسرة الشهيدة إيمان يوسف، إحدى ضحايا حادث انفجار الكنيسة البطرسية فى محيط الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وهنالك كانت العيون تتحدث بما عجزت الألسنة عن ذكره والبوح به، وبالكاد تحركت شفاه الأسرة المكلومة، المتراصة أمام مستشفى الدمرداش فى انتظار الحصول على ما تبقى من “ماجدة”، ووداعها للمرة الأخيرة وفى القداس الأخير الذى ستحضره، لتخبرنا أن “ماجدة” اشترت شقة مؤخّرًا أمام الكاتدرائية والكنيسة البطرسية، وكانت سعيدة بشقتها المواجهة لكنيستها، وفكرة أنها لن تعانى فى رحلتها للقداس كل أحد، ونزلت اليوم لاختبار فرحة القرب للمرة الأولى، متوجهة لحضور القداس بالكنيسة البطرسية، ولكنها لم تعد، كما ذهب زوجها قبل أربع سنوات ولم يعد.
الآن يجلس “ستيفن”، ابن إيمان يوسف، ينتظر رؤية أمه للمرة الأخيرة، إن تمكن من رؤيتها، وحضور القداس الأخير معها، ليودعها كما ودع أباه الذى اغتالته يد الغدر فى أحداث الاتحادية وسط ميليشيات جماعة الإخوان الإرهابية، عندما تصادف مروره وهو يبحث عن صيدلية لشراء علية دواء لابنه، ولم يعد ولم يحضر الدواء، والآن يودع الطفل إيمان يوسف، الأم والحضن الأخير، ولعله ليس سعيدًا بالشقة الجديدة، وما زال ينتظر علبة الدواء التى غادر الأب المنزل لشرائها.