قصة ثلاث نقوش لوجه سماو ى وتالق فى هى .. أنا

 بقلم الشاعره والاديبة ….هناء جودة

من مجموعة ( مخاض ) الطبعة الثانية
قصة (ثلاث نقوش لوجه سماوى والنقش الثالث ( هى .. أنا ) بملامحها الموغلة فى الِقدم، الموشومة بعبق الآديم، تنثر علينا فى الليالى الصيفية حكاياها التى ننتظرها بشغف، نقلع من مطار المسطبة الكبيرة بأجنحتنا الغضة، إلى عالم الأساطير، نضحك، نلهو، نخاف، نرتدى خوذات الحرب وعتادها و ننتصر ، نجمع الغنائم ونعود بست الحسن و الجمال من القراصنة الخاطفين ،و… ،و..، و…
نستيقظ على صوت العصافير، وخرير الماء من فم الجرة إلى قاع الزير المستظل بالنخلة العجوز داخل الدار، رائحة الدخان تتسرب إلى أنوفنا معبقة برائحة الفطير الطازج، نتناوم، نغطى وجوهنا، تأتينا ضحكاتها كشروق شمس ليوم جديد، كم مدت يدها المبللة من تحت الغطاء لننتفض صارخين و متضاحكين…
تضبط مريلة كل منا على جسده النحيل، تحملني وأخوتي تباعاً فى الصباحات الشتوية إلى المدرسة، عبر أرض القرية الموحلة، لا يكف لسانها عن الدعوات و الامنيات التى نراها وهى صاعدة إلى عنان السماء، يعزف قلبها كل صباح مقطوعة حب ملونة، وفى الظهيرة تقدم لنا طعاما تم طهوه على حرارة قلبها و طيبته المعجونة بزخات الحب، مساءاتها عالم مليء بالأسفار والمغامرات والحكايا و…
هنا وفى الغرفة الاخيرة فى البيت القديم ترقد فى استكانة عصفور صغير، عيناها بحران عظيمان عجزت عن الإبحار فيهما لأعرف ما يخفيان من أسرار، تمد يدها المعروقة لتمسح دمعة انسالت على خدى رغما عنى، أحس الدفء يملأ قلبي حياة ، تتململ فى الفراش، تزم شفتيها، تشير لنا أن نخرج، أعلم أنها جبل لم تهزه ريح، ولم ينهكها عمر، محاربة قوية ..
نخرج لنقف خلف الباب، لأسمهعا لأول مرة تئن وتتأوه وهي تظننا لم نسمع مايشرخ قلوبنا.
أسقط فى يدى، كيف لهذا الجبل أن يسقط، ينهار، يتألم ؟!
يرفض عقلي تصديق مايجري؛ اندفع إليها، أقبلها، يأتينى صوتها كأغنية شجية:
– خلي بالك من الغول… فاكرة غول الحواديت ؟
أهز رأسي إيجاباً؛ تبتسم فتشرق الشمس، وتضيء الغرفة،
– ابدئي دايما فى الحكاية بالسلام… فاكرة الحدوتة كانت بتقول إيه؟
أمسح دمعاتي، وأقبل يديها و قدميها و أهز راسي متمتمة:
نعم…
كان ياما كان…
للمرة الأولى أروي الحدوتة وتنصت هى، أراها وقد ضاقت بحكايتي، أحس بإرهاصات نفسها، بضوضاء تعتمل داخلها، أحسها تخرج من عالم الحدوتة إلى عالم يعج بالاختناق والترهات، أحسها تضيق بما آلت إليه أحوالنا، تضج بما يحيط بها من مرار وضياع لما زرعته داخلنا آنفاً؛ ..
أرجوها أن تنتظر داخل الحكايا لتأتينا بضوء الشمس مرة أخرى، يطلب مني الطبيب أن أصمت أو أخرج، أضع أصابعي على فمي، لكن روحي لم تكف عن حديثها إليها، فأنا متيقنة أنها تراني وتسمعني جيدا،
– ادخلي معي مرة أخرى الحكاية، إلى أرض مسحورة تنبت عشباً برياً شافياً لكل الأمراض، سأقتل الغول الحارس لتلك الأرض وآتيك بماء الحياة، ستعودين صبية جميلة تحمينني كما كنتِ تفعلين دوماً، و تسدين جوع روحي التي شاخت الآن فقط..
– يا سيدة القلب اعزفى مرة أخرى حكاياكِ داخلى..
يقول الطبيب أن أوتار القلب تمزقت، ولا تستطيعين العزف مرة أخرى… وأن أضواءك المبهرة فى دنيا الحكايات قد أطفئت…
يهم ليخفي وجهك عني…
– لا.. لا.. قولي أنه كاذب، أنه حاقد عليّ يريدك له وحده لتمنحيه لحناً أبدياً، أحلامى المشتعلة، أسفاري المجنونة لا تستمد حياتها إلا من عينينك فلا تغمضيهما…
يسكننى الخوف لأول مرة، أتسلل وأغلق باب الغرفة خلفي، ها قد بقينا وحدنا مرة أخرى أنظر فى المرآة فأرى عينيكِ؛ ابتسم فأراها على شفتيكِ، أضع كفيَّ على كفيكِ فإذا تطابق غريب، حين احتضنتك وقتها اختفيت فيكِ…؛ الآن أحسست الآمان، لنعاود مرة أخرى حكايانا بعيداً عن هذا العالم المجنون.

Related posts

Leave a Comment