فاطمة ناعوت تتحدى الدولة وحديثها لـCNN “الدولة المصرية تدعم الإرهاب الفكري وتحارب الارهابيين”

 عاشت الكاتبة والأديبة المصرية، فاطمة ناعوت، أزمة على مدار ما يقرب من عام، بسبب تغريدة كتبتها قبل نهاية عام 2014 بقليل، حُكم عليها بسببها بالسجن لمدة ثلاث سنوات، قبل أن تستأنف الحُكم، لتحصل مؤخرا على حكما بالسجن لمدة ستة أشهر مع إيقاف التنفيذ، وتنتهي أزمتها الشهيرة التي أثارت جدلا واسعا في الأوساط المصرية.

قالت فاطمة ناعوت، إنها لم تتكلم طوال تاريخها عن الدين، بل إنها كانت تنتقد من يسيئون للدين ويستخدمونه ستارا لهم، وأن من أقام ضدها القضية اجتزأ تغريداتها من سياقها واتهمها بازدراء الدين الإسلامي، وهي التهمة التي لا أساس لها في الدين، بل أن مادة ازدراء الأديان في قانون العقوبات المصري، هي التي تزدري الدين، بحسب ما قالته لـ CNN.

اعتبرت ناعوت أن “الدولة المصرية تحارب الإرهابيين وتدعم الإرهاب”، وقالت: “لو أراد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تجديدا حقيقيا للخطاب الديني سيفعل، ولكن يبدو أنه أمر مؤجل لوقت آخر”، وأضافت أن أزمتها أكدت لها أن المجتمع المصري يقف معها، ووجهت شكرا لمن أقام ضدها الدعوى القضائية، فلولاه ما عرفت أن لها كل هذه الشعبية والجماهيرية، على حد قولها.

 

وجاء حوارها كالتالي:

هل هذا الموقف الذي استمر شهورا طويلة سيدفعك للتفكير في عدم الاقتراب من المناطق الشائكة مستقبلا؟

لم أتكلم طوال تاريخي كله في مناطق شائكة حتى أتوقف في الكتابة عنها، بعض البسطاء صدقوا أني أتكلم في الدين، وهذا مناف بالكلية للحقيقة، ومؤمنة دائما أن للأديان رب يحميها، وعمري ما تحدثت في الدين، ولكني أنتقد من يسيئون للدين ويستخدمونه ستارا ليقتلوا أو يظلموا، أولئك هم خصومي الفكريين الذين أنتقدهم، لكن ما علاقتي بالدين؟ أدين بدين الإسلام وأحترم كل العقائد الأخرى، وليس من شأني أن أتحدث في الدين إلا فيما يخصني فقط، أقرأ لنفسي لأتثقف في الدين، ولكني لا أناقشه في كتاباتي، والسؤال نفسه يدل على الانضواء تحت مظلة سوء الفهم فيما أكتب، ولم أكتب في مناطق شائكة، إلا إذا اعتبرنا أن انتقاد الداعشيين أو المتطرفين يعتبر منطقة شائكة.

هل كنت تتوقعين أن تثير التغريدة كل هذا الجدل وهذه الأزمة؟

هذه التغريدة لم تثر شيئا على الإطلاق في البداية لأنها قُرأت في سياقها، ولكن من أقام ضدي القضية اقتصها من سياقها، على نهج “ولا تقربوا الصلاة” وترك “وأنتم سكارى”، التغريدة كانت ضمن سياق وضعت معه فيديوهات وأخبار تدعمه، ولذلك عندما تُقرأ بمشتملاتها كأنك تقرأ الآية القرآنية الكريمة كاملة، لكن عندما تحذف الفيديوهات والأخبار الملحقة بالتغريدة فكأنك قلت “ولا تقربوا الصلاة” فقط، هذا ما حدث بالضبط، فهذه التغريدة لم يكن وحيدة، بل كان معها بعض الفيديوهات لبعض الجزارين يعذبون الأضاحي قبل ذبحها، وخبر آخر استفزني في جريدة “الرياض” السعودية لطفل عنده 3 سنوات، ذهب مع والده ساعة النحر، فعاد إلى منزله وقام بذبح شقيقته ذات الثلاثة شهور كنوع من التقليد، فوضعت كل هذه الصور في التغريدة، والناس عندما شاهدتها بحالتها مكتملة لم تهاجمني، وكل التعليقات التي كُتبت على التغريدة كانت مؤيدة، إلا أن الشخص الذي أقام الدعوى القضائية أرسل لي رسالة لم أرد عليه، فتخيل أني أتعالى عليه، فأقام الدعوى بعد أن اجتزأ التغريدة من سياقها، وقد اعترف بذلك في أحد البرامج التليفزيونية، في البداية لم أعر الأمر اهتماما وتخيلت أنه “غاوي شهرة”، وللأسف بعض المحامين يستغلون العلم الذي تعلموه في مقاضاة الناس، والرسول الكريم قال: “وإن قتلتم فأحسنوا القتل، وإن ذبحتم فأحسنوا الذبح”.         

برأيك، ماذا تعني تهمة ازدراء الأديان؟

لا توجد تهمة اسمها ازدراء الأديان، وأعتبر أن المادة “98” الفقرة “و”، من قانون العقوبات مادة تزدري الأديان، لأنها تفترض في الدين الهشاشة والركاكة والضعف، وتتخيل إنها تدافع عنه، وتفترض في الدين إنه كسيح ويحتاج لمن يدافع عنه، بينما الرسالات الثلاثة أنزلها الله علينا لتحمينا، وليس لنحميها، ونزلت لتنظم حياتنا وتضبط أرواحنا وتهذب أنفسنا، والدين من يحمي الناس من بعضها البعض، فهذا الدين قوي وليس ضعيفا.  

هل هناك مثل هذه التهمة في أي بلد إسلامي أخر؟

لم أتتبع الدساتير في كل الدول الاسلامية، وهذه المادة في القانون المصري أُستحدثت في عام 1982، عندما كانت هناك حوادث طائفية في هذا التوقيت بالصعيد ومنطقة الزاوية الحمراء بالقاهرة، وكانت من أجل حماية المسيحيين من متطرفين، ولكنها انقلبت سيفا على المسيحيين وعلى المثقفين الذين يدافعون عن المسيحيين. 

مثل هذه البلاغات، هل يقف ورائها مؤسسات بعينها أم مجرد تصرفات فردية؟

قلت إني لا أتحدث في الدين، بل أتحدث عمن يسيئون للدين، ولا أستثني بعض رجال الدين الذين يرتزقون من الدين، وهذا موجود في كل مكان وزمان وكل الأديان، وليس الدين الإسلامي فقط، ففي القرون الوسطى كان الباباوات يعيشون على ذلك، ورفضوا ترجمة الإنجيل من اللاتيني إلى بقية اللغات حتى لا يقرأه الناس، ويظلوا هم فقط من يعرفون الإنجيل، ويكذبون على الناس، ويتكسبون من وراء ذلك، لدرجة أن البعض كان يبيع عفش بيته للحصول على صك الغفران من البابا، حتى جاء مارتن لوثر وطلب شراء النار من البابا، فباعها له بثمن بخس، فوقف وأبلغ الناس إنه اشترى النار ولن يُدخل فيها أحدا، فأبطل تجارة الباباوات، وما يكتبه ويفعله المثقفون الآن هو محاولة هدم تجارة الدين الموجودة، فمن الوارد أن من يقيم مثل هذه الدعاوى القضائية مهوسون بالشهرة، ووارد أن يكون ورائهم بعض رجال الدين الذين ننبش ورائهم ونهدد تجارتهم.

من أقام دعوى قضائية عام 1926 على الدكتور طه حسين، كان شيخ الأزهر نفسه، وليس محاميا، وقال وكيل النيابة محمد نور وقتها: “هذا بحث يصيب ويخطئ” وحفظ البلاغ، لأننا كنا مجتمعا راقيا، ولم يكن متطرفا.

هل وصل المجتمع لدرجة كبيرة من التطرف الفكري أم أنه قادر على العودة؟

علاج المجتمع من تطرفه يحتاج إلى محورين، أحدهما طويل المدى، يتمثل في التعليم، وآخر قريب يسمى بالقرارات السيادية العليا، في تنظيم الإعلام، ولا أقصد بالإعلام هنا التليفزيون والصحف، بل أقصد كل ما من شأنه إعلام الناس، سواء مدرسة أو كنيسة أو مسجد أو راديو، كل هذا لا بد وأن ينقى ويرتقي، في زمان مضى كان التليفزيون مادة تثقيفية، لكنه تحول الآن إلى جهاز تفريغ العقل، والمدرسة كانت تُعلم، والآن نحتاج إلى تنقية كل أجهزة الإعلام لتنظيف عقول الناس من الطائفية ومن التاريخ المغلوط، فتاريخنا مليء بالأمور المغلوطة، فلك أن تتخيل أن 30 % فقط من كتب التاريخ صحيحة، والباقي مزور، فتخرج الأجيال الجديدة لا تعرف أن المسيحي كان صاحب بلد.

هل توجد محاولات جادة في علاج التطرف المجتمعي؟

لا، وقلت إن الدولة تدعيم الإرهاب الفكري الذي ينتج هذا التطرف الموجود.  

كيف ترين العفو الرئاسي عن إسلام بحيري؟

خطوة جيدة متأخرة، ولكنها إلى حد ما إشارة، إسلام سعيد جدا بهذا الأمر، لكني أراها خطوة قديمة مستحقة وليست المأمول، نحتاج إلى قرار حاسم وجدي وحقيقي ومشفوع بقرارات، فالرئيس عندما يتحدث عن ضرورة تجديد الخطاب الديني، فهذا كلام جميل، ولكن يجب أن يكون مشفوعا بأفعال وقرار حقيقي، الرئيس عندما نجلس معه كمثقفين يقول كلاما جيدا من نوع إننا ضمير الأمة، ويطالبنا بالتجديد ويؤكد أنه معنا، لكن في نفس الوقت الدولة توافق على تحريك بلاغات ضد المثقفين من أناس ليسوا ذي صفة، فالمحامي الذي أقام ضدي القضية لم يمسك المصحف في حياته، ودليلي أنه يكتب “الله” بالتاء المربوطة، وهذا يدل على أنه لم يمسك بالمصحف، وعندما يحرك مثل هذا المحامي قضية، فنحن أمام خطابين، خطاب معلن رسمي وحقيقي، ولكنه مجرد كلام جميل، وخطاب آخر فعلي يدفع البعض لتحريك قضايا ضد المثقفين، فالرئيس يقول جددوا، والواقع يكون بتحريك بلاغات تصيبنا، فأنا أتحدث الآن محض مصادفة، فالمفروض أن أكون الآن في السجن، لأني في نظر الدولة مجرمة، ولكن تاريخي شفع لي بوقف التنفيذ، فالخطاب الرئاسي السيادي يقول جددوا، ولكن الفعل الحقيقي عكس ذلك. 

هل تتوقعين استمرار الصراع بين ما يريده الرئيس وما تريده المؤسسات الدينية التنفيذية أم يحسم قريبا؟

الرئيس التونسي الراحل، الحبيب بورقيبة، عندما قرر أن تكون البنت مثل الرجل في الميراث، ومنع تعدد الزوجات، هاجت عليه المؤسسات الدينية في تونس، ولكنه صمم على رأيه، لأن هناك بعض الأشياء مناسبة للحظة، فلم يعد ملكات اليمين والعبيد وتحرير الرقبة، على سبيل المثال، رغم أن ظروف مصر مختلفة عن تونس، ولا توجد دولة مثل مصر، من حيث قدمها وتعدادها السكاني الكبير، وتغلغل الدين الشكلي في المجتمع الذي استوردناه من منطقة الخليج، لأنه كان لدينا تدين حقيقي حتى ستينيات القرن الماضي، لذلك أنا مصممة على أنه قرار سياسي سيادي، إن أراد الرئيس تجديدا حقيقيا للخطاب الديني سيفعل، حتى لو تعرض للهجوم لأنه يهاجم الآن، وأطالبه بالفعل، والرئيس قال في إحدى الجلسات معه أن لديه مجتمعا مريضا بعجز الموازنة والإرهاب، وعندما ينتهي منهما، سينظر في بقية الأمراض، فقلت له إن التعليم هو الأساس رغم أن نتائجه ستكون مؤجلة، ولكنه يحتاج لـ 80 مليار جنيه.

لماذا تتمسك الدولة بمثل هذا القانون برغم مخالفته للدستور؟

بسبب التوازنات ومحاولة إرضاء بعض الناس، لأن هذه المادة تعتبر تجارة للبعض، وحذفها سيفسد تلك التجارة، والدولة تتقي شرهم.

هل تتوقعي بقاء مثل هذه التهمة مستقبلا؟

طالما استمرت تلك التجارة وهذه التوازنات، وعدم صدور قرار حاسم بمحاربة الإرهاب الفكري وليس الإرهابيين، ستبقى هذه التهمة، الدولة المصرية تحارب الإرهابيين فقط، وتدعم الإرهاب، فالإرهاب الفكري هو من يدفع البعض لحمل المسدس والسيف، الإرهاب الفكري أخطر من الإرهاب المسلح، قد يتم القبض على الإرهابيين المسلحين في سيناء مثلا، لكن الإرهاب الفكري ينتج ألف إرهابي كل يوم، فالدولة لا تحارب الإرهاب الفكري، بل تدعمه تقريبا، فعندما تسمح بتحريك قضايا ضد المثقفين، وتمنح أصحاب الفكر الإرهابي سيفا مسلطا على رقاب المثقفين، فأنت تدعم الإرهاب وتوقيه ولا تحاربه.  

أزمة مصر الحالية هل هي أزمة اقتصادية أم سياسية أم ثقافية؟

أزمة ثقافية بداية، الأزمة الثقافية أقصد بها الوعي، وهى التي تنتج الأزمة السياسية والاقتصادية، البعض يرى أن مصر لها ثلاثة أعداء أساسيين هم: الفقر والجهل والمرض، ولكني مؤمنة بأن العدو الأساسي هو الجهل، لأنه جالب للفقر والمرض، فهو الذي يحرك بقية الأعداء، مشكلة الوعي هي سبب الرشوة في العمل الذي لا يتعدى وقته 27 دقيقة في اليوم، وتدفع المدرس لإهمال عمله في المدرسة من أجل الدروس الخصوصية، وكل أنواع الفساد في المجتمع، وأن الفهلوة سيدة الموقف، “واللي تغلبه العب به”، الإنسان المصري بطبعه شريف ونشط وذكي، بدليل أنه صنع الحضارة، والطبيعية الجينية له مثقفة ومحترمة وتعددية وغير كسول ومثقف، لكن تم تخريبها فتحولنا إلى كائنات كسولة، حتى الدين تحول إلى مظهر فقط، كل من يتهمونني بالكفر صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي مليئة بصور البنات، ثم يقول عني عاهرة وكافرة، وكأنه أدى ما عليه تجاه الله.

متى تم إفشال وعي المصريين؟

منذ سبعينيات القرن الماضي، وعلى مدار ما يقرب من 40 عاما، مصر ضُربت فكريا ضربتين كبيرتين، الأولى في منتصف الخمسينيات بعد ثورة 1952، ليس بسبب الثورة، بدأ بعدها الوعي الأخلاقي ينهار، والضربة القاسمة كانت في منتصف السبعينيات مع الانفتاح الاقتصادي والهجرة إلى منطقة الخليج. هذان ضربا مصر فكريا وتوعويا على كل الأصعدة، حتى الدين أصبح شكلا، مقابل دين حقيقي في أزمنة سابقة.    

المجتمع المصري يقف معك أم ضدك؟

كل المجتمع معي، وكتبت مقالة شكرت فيها من أقام ضدي القضية، فلولا هذه القضية ما عرفت أن لي كل هذه الشعبية والجماهيرية، وثبت أن جمهوري ليس من النخبة فقط  كما كان يقال لي، البسطاء كانوا يقابلونني يهنئوني بعودتي لدرجة أني مندهشة أن كل هؤلاء الناس يعرفونني، فهناك سيدة جاءت لي من أقصى الصعيد عمرها 70 عاما قبل جلسة الحكم الأخيرة يوم 24 من الشهر الماضي، لتودعني قبل الحكم واحتضنتني بشدة وقالت لي: “رب العرش معي ولست وحدك، وربنا مش هيسمح بظلمك، ولو دخلتي السجن سيكون حماية لك من شر”، هذه السيدة خففت من شعوري لو حُكم علي بالسجن، هذا هو الكنز الحقيقي، وكنت واثقة من براءتي حتى لو أدانني المجتمع والقاضي، والآن متأكدة أن المجتمع معي بما فيهم البسطاء.

ألم تشعري بالإحباط خلال هذه الأزمة؟

كان ينتابني بين لحظة وأخرى شعورا بالمرارة، لأن رسالتي كلها على مدار 16 عاما، تتلخص في أن تسود قيم المحبة والسلام والتعلم والتفكير والمحبة، قلت ذلك شعرا وكتابة، وكتابي الجديد “صديقي المتطرف” كله عن هذه الأفكار، فتكون النهاية أن أدخل السجن، وشخص مثل ياسر برهامي، الذي يحض على البغض والكراهية ويقول حتى لو تزوجت المسيحية إياك أن تحبها، يكون حرا طليقا ويتولى مناصبا، لكن ثقتي في نفسي وربنا لم تهتز للحظة، وإلا كنت بقيت في كندا.

 

نقلا عن مصر(CNN)–

Related posts

Leave a Comment