[ad id=”1177″]
دكتور احمد العطار
قل على الدنيا بورما
عندما يموت ضمير خصمك فيعاديك ويضطهدك بكل الوسائل المشروعة فهذا منطقي ويصدقه العقل، وعندما يبدأ في اضطهادك ومحاربتك بوسائل أخرى غير مشروعة، فربما هذا يكون مبرراً لحرص الطرف الآخر على الانتصار بأي طريقة حتى ولو كانت غير مشروعة.
لكن عندما يموت الضمير وتموت أدنى درجات المقاومة والدفاع عن النفس، فهذا هو غير المنطقي واللامعقول وهذا هو الزمن الذي أصبح واقعاّ نعيش بين لحظاته وطياته. زمن يُقتل فيه الأخ المسلم المستسلم الذي لا حول له ولا قوة أمام الجميع ولا أحداً يحرك ساكناً، يُقتل إخواننا المسلمين المستضعفين في بورما وتحرق بيوتهم بل وقراهم بالكامل، فعلى سبيل المثال لا الحصر، اليوم أعلن الجيش في ميانمار أنه أحرق كل قرى المسلمين الواقعة بمنطقة تُسمى “راثيدونج” وهي احدى مناطق الشمال الغربي بميانمار، هذا فضلاً عن الاحصائيات الصادرة عن الأمم المتحدة وغيرها، من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، التي تؤكد أنه في الأسبوعين الماضيين هرب من بورما إلى بنجلاديش أكثر من 300 ألف مسلم خوفاً من عمليات القتل والتعذيب التي يتعرض لها الصغار قبل الكبار، ليصل عدد من تم تهجيرهم منذ بداية هذه الأحادث إلى أكثر من مليون ونصف مسلم، فيما تم قرابة قتل أكثر من 500 ألف مسلم على يد عصابات الجيش في ميانمار، وذلك حسبما صرح الدكتور عمر فاروق سفير مسلمي بورما لدى مصر، خلال إشادته ببيان الأزهر حول تلك الأحداث المؤسفة.
[ad id=”1177″]
كل هذا يحدث أمام من يدعون احترام حقوق الإنسان في الغرب، الذين لن يخجلوا أن يخرجوا علينا بعد ذلك كي يصدّعوا رؤسنا بالاتفاقيات التي تنص على احترام حقوق الإنسان، بينما في الحقيقة أصبحت حقوق الانسان لا تساوي حتى الحبر الذي كُتبت به، وأني أقارن مباشرة بين هذه المناظر البشعة التي نطالعها كل يوم عن اخواننا المسلمين في بورما ورد فعل المجتمع الدولي المخزي وبين ما سيحدث لو قام مسلم بركل كلب هنا في ايطاليا على سبيل المثال، ستقوم الدنيا وتمتلئ بالتهم المعلبة المحفوظة، لنرى كيف يكون الكيل بمكياليين في أوضح صوره ولنرى أيضاً كيف هنّا على أنفسنا أولاً وأخيراً.
من خلال هذه السطور أؤكد على أنني شخصياً لم ولن أنتظر نصراً قريباً أو بعيداً من الغرب، لكن كنت أُمنّي النفس أن يقدّم العالم الإسلامي بدوله الكبيرة وامكانياته الضخمة شيئاً لهؤلاء الذين يجمعنا بهم دين واحد، بل على الأقل تصدر البلاد العربية بيانات موحدة “كما كانت تفعل في السابق” إدانة أو استنكار أو استحمار”، حتى هذا القليل الضعيف لم نعد نفعل، وهذا هو الأمر المخزي في الحكاية، أمة مسلمة قاربت المليار ونصف تقف موقف المتفرج أو الأعمى الذي لا يرى والأخرس الذي لا يتكلم.
[ad id=”1177″]
بشّر النبي صلى الله عليه وسلم منذ أكثر من 1400 سنة بأنه سيأتي على المسلمين زمان سيكونون فيه كغثاء السيل، لن تقوم لهم راية ولن يقيموا صرفاً ولا عدلاً، زمن يُوصف فيه المسلمين بقلة شجاعتهم ودناءة قدرهم، فعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومِن قلَّةٍ نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السَّيل، ولينزعنَّ الله مِن صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوَهَن. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهْن؟ قال: حبُّ الدُّنيا، وكراهية الموت”. أخرجه أبو داود في سننه
[ad id=”1177″]
المؤسف والمبكي أننا نحن من بشّر بنا النبي صلى الله عليه وسلم فقد انطبق علينا قوله وصدقت فينا نبؤته، وهذا من الحظ السيء لإخواننا في بورما، أن الله ما ابتلاهم بعدو من غير ملتهم يسوموهم سوء العذاب والقتل، بل ابتلاهم الله بمسلمين يثورون فقط إذا ما مات غير المسلم كما حدث في فرنسا فغيروا صور الفيس بوك ونظم الكبار مسيرات تضامنية، ابتلى الله اخواننا في بورما بإخوان لهم مسلمين هم نظرياً كُثر، لكنهم في الواقع مسلوبي الإرادة والضمير ومنزوع من قلوبهم الرحمة إلا ما رحم ربي.
إذا ما رأينا الشيخ يموت كمداً وحزناً لأنه ترك داره وفقد أهله وأولاده أمام عينيه، وإذا ما فصلوا رأس الصغيرة عن جسدها أمام أبيها، وإذا ما رموا بالطفل الصغير في البحر أمام أمه ثم اغتصبوها وقتلوها بعد ذلك، إذا ما رأينا كل هذه الصور وكل تلك المشاهد بأعيننا ثم واصلنا تصفح الهاتف أو واصل القادة هذا الصمت الرهيب، فقل على الدنيا بورما.
[ad id=”1177″]