[ad id=”1177″]
الإعلامي محمد الشريف
يكتب عن :
شاعر أفريقيا , صفي الدين ريحان
شاعر أفريقيا , صفي الدين ريحان
في ليلة هادئة من ليالي الشتاء , أخذت أبحث عن بعض أسماء الأدباء , الذين أثروا في حياتي و رؤيتي الخاصة في مجال الأدب و العامة في الحياة , بحثت عن بدر شاكر السياب في العراق الذي تأثرت بلغته كثيرا , وطريقة تطويعه للغة ليصور بها جمالياته كيف يشاء , و بحثت لصديقي الشاعر المعاصر سامي العامري الذي أعرفه شخصيا وهو من العراقيين المهاجرين لأوربا منذ ما يقرب لثلاثة عقود و لازال ناضحا مفعماً بلغتة العربية الأصيلة و تركيباته الغير معهودة في الشعر , ودارت في ذهني كعادتي , تلك المقارنة و ملاحظة الإمتداد الأدبي و الحضاري إلي أين يصل , بحثت أيضاً عن بعض شعراء مصر الكبار , فقرأت عدة قصائد باللهجة العامية المصرية , للشاعر الراحل بيرم التونسي ,الذي عاش في مدينة الإسكندرية , و إرتحلت بمؤشر البحث نحو الشاعر المعاصر برهان غنيم الذي ما زال يغرقنا بأشعاره المثقلة بهموم المواطن و انتقاده اللاذع المفعم بالحيوية و الجرأة , لا أدري ماذا كنت أفعل في تلك الليلة , لقد كنت مذموما ً بالشعر , جائعاً لاهثأ خلفه , حتى تناسيت أسماء الشعراء و تذكرت عدة أبيات من هنا و من هنا و أسماء عدة قصائد من هنا و من هناك فأبحث عنها و أقرأ لكاتبها , من تلك القصائد التي جعلتني أحب أفريقيا و أنظر إليها علي أنها موطني الأصلي الذي أنتمي إليه , والتي رددت إسمها في كثير من أشعاري أنا شخصياً و اعتبرتها ملاذ الفكر و فوهة المشاعر الوطنية ,
[ad id=”1177″]
و رؤيتي فيها للظلم و الإضطهاد و الفقر و الجوع و الحرب و الصراع , نعم أراها كذلك اليوم , و قبل حين , ولكني حينما سمعت الشاعر الدقهلاوي الراحل صفي الدين ريحان ( 1943 -2016 ) ذلك الشاعر الغنائي النبيل , يتغنى بها في قصيدة بعنوان أفريقيا , وجدته يتحدث عن أفريقيا الحقيقية التي تخلو من كل ما فيها اليوم , يتحدث عن النضارة و الزرع و الماء و الحب و المشاعر الصافية وغاباتها و طقسها وخيرها و برها بأبنائها ! وجدت في إلقاءه كل ذلك !
جعلني حب القصيدة للشاعر الراحل صفي الدين ريحان , وقد كنت سمعتها منه لأول مرة في مرحلتي الثانوية , أن أطلبها منه كلما رأيته , و كأنني أطلب جرعة حب لأفريقيا , مما جعلني كغيري من أبناء جيلي في ذلك الحين , أن أشتري بعض تجهيزات الحاسب الآلي و أذهب لأبيعها في العاصمة السودانية الخرطوم , فلم أخطو خطوة واحدة في شوارع الخرطوم إلا و صورة الشاعر الراحل صفي الدين ريحان متمثلة أمامي و هو ينطق أفريقيا , في المطعم و الفندق و المحلات التجارية كانت صورته دليلي طوال الرحلة , حتي عدت بعد أقل من أسبوعين لأكتب أول مقال لي في جريدة ( دير شبيجل ) الألمانية باللغة الإنجليزية والتى عملت مراسلا ً لها فيما بعد لعدة أشهر في مصر , عن أفريقيا ورحلتي اليتيمة إليها وكيف تأثرت بها من خلال قصيدة .
كنت سعيداً غاية السعادة , حينما علمت أن هناك حفلة تأبين للشاعر الراحل صفي الدين ريحان , بالقرب مني و يمكنني اللحاق بها دون دعوة شخصية , أيضا في ليلة باردة أخري تحملت عناء المواصلات في محافظة الدقهلية و الطرق الضيقة , حتى وصلت إلي بيت ثقافة شربين , حيث الإحتفاليه , دخلت متأخرا ً , لا يعرفني أحد , كان الحضور عددا ً قليلا ً من محبي الشاعر وبعض أفراد أسرته الذين استلموا شهادة تقدير بإسم الشاعر الراحل صفي الدين ريحان , من بيت ثقافة شربين , وبإسم محبيه , كانت رمزية الإحتفاليه هي الوفاء للشاعر الذي أمضى حياته لخدمة الشعر في الخفاء خلف الأضواء , وحضوره الأدبي القوي وسط جماهير و عشاق الشعر في محافظته و مصر عامة , وهو بذلك استحق شهادة ً تقديراً لصبره و احتماله و شعره منقوشةً بماء الذهب , مطرزة بأساور معدنية في غلاف من القماش المطرز داخل علبة الصدق و الوفاء له .
[ad id=”1177″]
صفي الدين ريحان الذي كان يتفاعل بشعره مع الناس و مجتمعه , فكتب يهنئ عمدة قرية علي استلام منصبه , و كتب يهنئ مديراً علي عمله , ووزيرا علي جهده , و كتب يهنئ راحلا من عمله بعد انقضاء خدمته العامة , لم يكن فقط متلاعبا باللفظ و لكنه خاطب مشاعر وسطه بكلماته , فترك أثراً , بل قل فراغا ً , لأن شعر المناسبات هو الوسيلة التي جعلت من الشعر ديوان العرب و كان ذلك أول خصائصه و أهدافه منذ الشعر الجاهلي , من أجل ذلك أنا علي يقين أن التأريخ لشاعر مثل صفي الدين ريحان هو تأريخ لأحداث و مناسبات إجتماعية و سياسية , منها نعرف ماهية المجتمع الذي عاشه , ونضيف للتاريخ من خلال أشعاره الكثير , نعم الإضافة للمكتبة العربية , كان الشاعر الراحل صفي الدين ريحان و الذي أدعو من خلال تلك الكلمات أن ينتبه الباحثون لمن مثله .
رحم الله شاعرنا الشاعر الكبير صفي الدين ريحان .
[ad id=”1177″]