مشاهير التواصل الاجتماعي.. قيراط حظ و لا فدان شطارة

[ad id=”1177″]

بقلم: إيمان ماهر منسي

في العصور القديمة، كانت لبعض العظماء مهابة و سمعة يشيد بها الناس، حيث كان هؤلاء العظماء يشتهرون بالشجاعة أو الحكمة أو العلم و كانت الأمم وقتها تفتخر بهم لاستغلالهم شهرتهم بما يرضى الله. و مع تقدم و تطور الزمن أصبح بمقدور أي إنسان إيصال صوته و رأيه إلى جميع الناس بفضل التقنية المتقدمة. حيث أصبح الكثير من الناس نجوم مجتمع في المجالات كافة؛ تأتي بهم الصدفة و هم غير جديرين بما وصلوا إليه من نجومية و أعطتهم مكانة لا يستحقونها و منحتهم صلاحيات عجيبة رغم أنهم لا يقدمون شيئا مهما للمجتمع و هذا ما يذكرني بالمثل المصري الشهير قيراط حظ و لا فدان شطارة. و فوق هذا و ذاك بعضهم يتمتع بغباء، تفضحه التصريحات التي يطلقونها، بين الحين و الآخر، و التي جعلتهم أصحاب رأي عام و ذوي شأن في المجتمع. إنها ظاهرة غير صحية لأجيالنا القادمة؛ فقد أصبح بعض الأطفال يبحثون عن المشاهير مهما كلف الأمر و يقلدونهم مهما كانت أفعالهم لا ترقى للاحترام.. تساؤل يعد الأبرز..

[ad id=”1177″]

هل ساعد المجتمع في توسيع قاعدة شهرة هؤلاء المشاهير دون أن يدركوا الضرر الذي سيحل بالأجيال القادمة؟ هذا ما سأحاول البحث عنه معكم في تلك السطور القليلة فقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مفاتيح سهلة و سريعة للوصول إلى الناس. بل تعد تلك الوسائل المنصة الإلكترونية الأكثر شهرة لتكوين ثروات طائلة في زمن قياسي. و عليه فقد تمكن العديد من الشباب ممن يمتلكون الموهبة أو ممن لا يمتلكونها و لكن ممن يتمتعون بشخصيات جذابة من تسلق سلم الشهرة و الثروة. كما استطاعت المنصات المختلفة لوسائل التواصل الاجتماعي أن تكون نقطة الانطلاق لهؤلاء الشباب الذي لم ينهي دراسته الجامعية بعد أو قام بترك وظيفته التي يعمل بها بعد أن حقق نجاحا على صفحات الإنترنت. فلم يعد إظهار المواهب حكرا على الطرق التقليدية حيث بات بإمكان أي شخص إنشاء قناة خاصة به على اليوتيوب YouTube و نشر رأيه عبر فيسبوك Facebook أو اختصاره علي تويتر Twitter و مشاركة ما يصوره على انستجرام Instagram فضلا عن نقل تفاصيل حياته الشخصية عبر سناب شات Snapchat. و هكذا وجد معظم الشباب منفذا للوصول و التواصل و التعبير بل و الشهرة الزائفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ليصبحوا نجوما خلال فترة قصيرة بلا أدنى مجهود و لكن بكبسة زر لا أقل و لا أكثر.

[ad id=”1177″]

و لكني تساءلت كثيرا عن سبب ازدهار هذه الظاهرة التي اجتاحت مجتمعنا و عن سبب الشهرة الزائفة لهؤلاء المشاهير؟ و ما الذي يجعل الشباب منقادا لهم؟ و انتابتني حالة من الاستغراب لأنه مع البحث و التمحيص و التفكير كثيرا في الأمر توصلت إلى إجابة و لكنها ليست مرضية بالنسبة لي على الأقل. إذ أن الكثير من الشباب حقق شهرة واسعة و نجومية فاقت نجومية مشاهير الفن و الإعلام- إذا ما قيست بعدد المتابعين الذين تصل أحيانا أعدادهم إلى مئات الآلاف بل الملايين- بسبب شخصيتهم أو الكاريزما التي يتمتعون بها. كما ترجع أيضا تلك الشهرة إلى عدم وجود قيود أو ضوابط للنجومية على مواقع التواصل الاجتماعي لأنها ترتكز على العفوية و تنوع التقنيات التكنولوجية- التي تظهر بها الصور أو مقاطع الفيديو التي تحتوي على تقديم أو تمثيل- و كلها تمتلك خاصية التعديل و التحرير عن طريق برامج مميزة و مؤثرات صوتية تسهم في تجميل ما يقدم عبرها. ثم يأتي دور جمهور شبكات التواصل الاجتماعي الذي يتمثل أولا و أخيرا في فئة الشباب التي تتابع التواصل الاجتماعي أكثر من كبار السن و بالتالي يتناقلونها بسهولة و تنتشر في أوساطهم؛ فالشباب يعيشون مع ما يقدمه أصحاب الحسابات من أجواء مختلفة و منهم من يتأثر بهم و ينجذب إليهم و يحاكي أفكارهم و توجهاتهم كما يتأثر أصحاب الحسابات بدورهم بالجمهور من الشباب كونهم يحصدون الشهرة و يذيع صيتهم و بالتالي يصلون إلى النجومية و هو الأمر الذي أصابني بصدمة بل و بإحباط. فالأمر لم يتوقف عند النجومية أو الشهرة الزائفة حيث تنبهت جهات كثيرة إلى التأثير المباشر لمشاهير التواصل الاجتماعي على متابعيهم، فأصبحوا يركزون عليهم ليظهروهم في حملاتهم الدعائية و الإعلانية.

[ad id=”1177″]

كما أصبح بعضهم مذيعا في التليفزيون و البعض ممثلا في أعمال درامية و بعضهم تحول إلى وجوه تسويقية: فتأمل عزيزي القارئ حولك و ستجد أن الكثير من الناس يحصلون حاليا على وظائف في الإذاعة و التليفزيون ليس بسبب قدراتهم المهنية في مجالهم و إنما بسبب عدد متابعيهم على وسائل التواصل الاجتماعي؟!

كما أدعوك قارئي العزيز إلى التفكير في عدد المرات التي ينشر فيها أولئك المشاهير منشورات تذكرك بمدى بذلهم و كم هم محظوظين بالحصول على هذه الوظائف و الممتلكات مقابل عملهم الشاق.. بالتأكيد إذا كانوا يعملون بكد لم يكونوا ليمتلكوا الوقت الذي يخبرونك فيه بذلك!! و لكن كيف يمكن للمجتمع الاستفادة من هذه الظاهرة التي فرضت نفسها على مجتمعنا؟؟

يكمن الحل في الاستثمار الإيجابي لشخصيات التواصل الاجتماعي الفعالين من أصحاب القاعدة الجماهيرية بحيث يتم تبنيهم و توعيتهم بدورهم تجاه المجتمع و حثهم على التحلي بالهوية الوطنية و بث رسائل مجتمعية هادفة. فعلى مشاهير التواصل الاجتماعي أن يكونوا ذوي تأثير إيجابي في نفوس متابعيهم- الذين يتفاعلون كثيرا مع كل ما يقدمونه من محتوى عبر حساباتهم- فيسعون لتقديم ما يسعدهم و يفيدهم و ما يخدم المجتمع و الوطن. و بذلك ستكون مواقع التواصل الاجتماعي مجالا خصبا لعمليات التأثير؛ فتلك المكانة التي يحظى بها صاحب الحساب ستشعره بمسئولية كبيرة و تجعله يفكر في العطاء و التميز و العمل بجد من أجل خدمة المجتمع. و هنا سيتحول مشاهير التوصل الاجتماعي إلى نماذج قيادية تستحق عن جدارة آلاف المتابعين لجودة ما يقدمونه من محتوى إيجابي مفيد ذو أثر صحي على متابيعهم فترشدهم إلى طريق الخير و الوطنية و التطوع و الثقافة و غيرها.. و على الشباب ألا يقبلون بأي شخص ذاع صيته لأتفه المؤهلات أو من لا شيء..

فلا نريد مجتمعنا الذي يلهمه الفنانون و الموسيقيون و غيرهم أن يتلوث بفكرة الشهرة و الثروة الزائفة التي – مع الأسف- سمحنا لها بالازدهار.. فلا نريد نشر ثقافة قيراط حظ و لا فدان شطارة و إنما نتطلع إلى مجتمع مثقف و قاس في صناعته لمعايير التلقي و الاستحسان و القبول، مجتمع يراجع مرارا و تكرارا النجومية. مجتمع قائم على مبدأ فدان شطارة و لا قيراط حظ..

[ad id=”1177″]

Related posts

Leave a Comment