[ad id=”1177″]
ابن خلدون…..
هو عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي
مؤرخ عربي ولد في تونس وأندلسي الاصل
عاش في اقطار الشمال الافريقي وتوجه لمصر
حيث اكرمه سلطانها الظاهر برقوق وولي فيها
قضاء المالكية وظل بها مايناهز ربع قرن(784. 808هـ)
وتوفي (1406هـ) عن عمر ستة وسبعين عاما
ودفن بشمال القاهرة
يعد ابن خلدون اول عالم اسلامي اسس علم الاجتماع
بكتابه (المقدمه) وهي الجزء الاول من كتاب العبر
ويتكون(كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر.في ايام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الاكبر) من سبعة اجزاء
[ad id=”1177″]
والجزء الثامن للفهارس وهو عبارة عن محاولة اسلامية لفهم التاريخ
العالمي ويعتبر من أوائل الكتب التي تهتم بعلم المجتمع وقد ترجم
الى العديد من اللغات الحية
وعليه ترتكز مكانة ابن خلدون وشهرته لان مسعاه من المقدمة في
الجزء الاول من كتاب العبر هو ان يضع نفسه في فئة المؤرخين ليقفو
آثر المسعودي(346هـ) مصححا بعض ما وقع فيه من اخطاء الا انه
يصعب على المراجع ان يصنفوه ضمن المؤرخين كونه اخذ في
مقدمته من كل علم بطرف حيث تحدث عن كل ما يخص الانسان
من معنويات وماديات ما ذهب اليه من آراء بشواهد من القرآن الكريم
وديوان العرب الشعري ونظرا لمكانته العلمية فقد حظيت المقدمة منذ
ان وقعت عليها الانظار بعناية المفكرين والمؤرخين وعلماء الاجتماع
والفلاسفة واللغويين غربا ومستشرقين. كما طبعت عدة مرات
بتحقيقات مختلفة
وتتخلص (المقدمة) في مجموعة نظريات واسس وضعها ابن خلدون
مما جعله المؤسس الحقيقي لعلم الاجتماع على عكس ما يدعيه علماء
الغرب ان المؤسس الحقيقي هو الفرنسي اوغست كونت
اعتمدت المقدمة على ثلاثة مفاهيم اساسية هي ان المجتمعات
البشرية تسير وتمضي وفق قوانيين محددة وهذه القوانيين تسمح
بقدر من التنبؤ بالمستقبل اذا ما درست وفُقهت جيدا وان هذا العلم
علم العمران كما اسماه وهو لا يتأثر بالحوادث الفردية وانما يتأثر
بالمجتمعات ككل. واكد اخيرا ان هذه القوانيين يمكن تطبيقها على
مجتمعات متعايشة في ازمنة مختلفة بشرط ان تكون البنى واحدة
في جميعها مثال. المجتمع الزراعي هو نفس المجتمع الزراعي بعد
100سنة او في العصر نفسه
وبذلك يكون ابن خلدون هو من وضع الاسس الحقيقية لعلم
الاجتماع واول من وصفه على اسسه الحديثة كما سبق غيره من
المفكرين وسابقا بذلك الفيلسوف الفرنسي أوغست كونت
ومن خلال توصله لنظريات باهرة من العلم حول قوانيين العمران
ونظرية العصبية وبناء الدولة واطوار عمارها وسقوطها واراؤه
ونظرياته سبقت بذلك مشاهير العلماء
ويعتبر كتابه مؤلفا منفصلا ذي طابع موسوعي بحيث تناول جميع
ميادين المعرفة من الشريعة والتاريخ والجفرافيا والاقتصاد والعمران
والاجتماعي والسياسة والطب وكما تناول احوال البشر واختلاف
طبائعهم والبيئة وأثرها في الانسان وكما تناول بالدراسة تطور الامم
والشعوب ونشوء الدولة واسباب انهيارها مركزا في تفسيره لذلك
على مفهموم العصبية وسنبحث معا هذا المفهوم لابن خلدون
لمواجهة عالمنا المعاصر بعد ذكر ابواب المقدمة حيث تضمنت ستة
ابواب لموضوعات متنوعة
1ـ الباب الاول في العمران البشري على الجملة واصنافه وقسطه من
الارض
2ـ الباب الثاني. في العمران البدوي وذكر القبائل والامم المتوحشة
3ـالباب الثالث. في الدولة والخلافة والملك وذكر المراتب السلطانية
4ـ الباب الرابع. في العمران الحضري والبلدان
5ـالباب الخامس في الصنائع والمعاش والكسب ووجوهه
6ـالباب السادس في العلوم واكتسابها وتعلمها
وبهذا نجد ان ابن خلدون من اعظم العقول في تراث الفكر الاسلامي
وان مقدمته من اهم كتب التاريخ والثقافة والمجتمع والحضارة
والقوة السياسية وقد اعجب بفكره الفاعل والراقي المؤرخين وحاز
على اهتمامهم لحكمته عن صعود وسقوط القوى العظمى وقد امتدحه
الماركسيون لافكاره الثاقبة عن قدرة القوى الاقتصادية في تشكيل
المواقف الفردية والعلاقات الاجتماعية ليعده البعض اعظم فلاسفة
الحضارة لانه شخصية تحظى باهتمام كبير واهمية دائمة بغض النظر
عن الزواية التي يتناولها
يرتبط مفهوم ابن خلدون لتماسك والتضامن الاجتماعي ما جاء في القرآن في سورة الأنفال الآية 46 “وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)
نوه هنا لتناحر بين افراد نفس المجموعة او نفس الامة بين بعضهم
بقوة وشد أنه سيفقدون ريحهم اي قوتهم ويتعثرون في كل جوانب
الحياة وكأنها رسالة لنا في ظل الفوضى العالمية وانعدام الامن من
خلال التاريخ ليمنحنا مفتاح رفاهية المجتمع المادية والروحية من
خلال التمسك والتضامن الاجتماعي
لان البشر بطبيعتهم كائنات اجتماعية لابد ان يعيشوا معا للحفاظ على
نسلهم ولتلبية احتياجاتهم الاساسية وهو ما جعلها كائنات قابلة
للحضارة من خلال تسخير الطبائع الحيوانية المدمرة الكامنة في
الانسان وذلك عندما يتعلم البشر كيفية التعايش ومساعدة بعضهم
وهذا يتطلب مجموعة من المبادئ الاخلاقية والسياسية ويكون هدفها
التوحد واما من فقدوا تماسكهم الاجتماعي تجاوزهم الاخرون
الذين حافظوا على وحدتهم وقوتهم ومرونتهم وهذا مايحدث في
دولنا ودول الغرب
وهذا المفهموم مركز ابن خلدون بمفهوم العصبية اي التضامن والتماسك الاجتماعي
لان العصبية هي الغراء الذي يربط البشر ويعطيهم القوة والقدرة على
حمايتهم من المعتدين الخارجيين ومن خلالها يحققون السلام والنظام
فيما بينهم لتتشكل الحضارة من خلال البناء(العمران)
لكننا نجد ايضا معضلة خلدونية عندما تتحد مجموعة من الناس
تحكمهم العصبية وتصل بهم الى الحضرية وتبلغ الحضارة فانهم
يفقدون تماسكهم الاجتماعي وشعورهم بالتضامن وذلك عندما
يتمتع افراده بالحياة الحضرية فيصيبهم الكسل والتراخي والضعف
من حماية انفسهم من هجمات الذين يحتفظون بفضائلهم البدوية
ولديهم قدرات المحاربين ولكنها مسألة وقت قبل ان يتجاوزهم البعض
هذا ثمن الحضارة من خلال نظرة ابن خلدون عندما يفقد الافراد
عصبيتهم فيفقدوا اصالتهم بفقدانهم تماسكهم وتضامنهم الجماعي
وما صاحبها من صفات نبيلة حتى تصبح متكررة لان الدورة
الاجتماعية الابدية ترتفع لتسقط قبائل وامم وامبراطوريات
وقد حدد ابن خلدون عمر هذه الدورة بأربعة اجيال أي مايزيد
عن قرن من الزمن واعتقد ابن خلدون إن اهم أسس للتماسك
الاجتماعي هو القرابة لانها الاقوى ولا احد يجرؤعلى الهجوم. على
هؤلاء وخاصة الذين لديهم علاقة قرابة قوية ولكن بالمقابل هؤلاء
يفقدون احساس القرابة عندما يسكنون المدن وينخرطون بالحضارة
وهنا يرى ابن خلدون لا وسيلة للخروج من هذه المعضلة التي تنال
السلطة والحياة الحضرية والحضارة بعصبيتها عندما تتمتع بمزايا
الحياة المستقرة المتحضرة فانها تفقد تماسها
وهي نظرية منطقية للمجموعات الصغيرة مثل القبائل
هل يمكننا ان نطرح نظريته لترتقي للمجتمعات الاكبر؟ كما انهانظرية
قبلية تعتمد على قاعدة صغيرة عفا عليها الزمن؟
وهنا علينا ان نوسع إدراكنا ومفاهيمنا لفهم فكرته في التماس
والتضامن الاجتماعي والتحضر والحضارة الى الى الاماكن الحضرية
الاكبر والتجمعات العالمية لان عالمنا الاسلامي المعاصر يعاني من
فقدانه لتماسك الاجتماعي والوحدة الحضارية كما ان فشل وضعف
الدول والكيانات الفاعلة غير الحكومية والقبلية والطائفية والقومية
والعرقية وكثيرا من المشاكل تحرم مجتمعاتنا الاسلامية من اي وحدة
او ترابط يحميها من المعتدين ليستوعب مواردها الفكرية والمادية
للثقافة والحضارة
ولذلك وجب على مجتمعاتنا الاسلامية المعاصرة ان تقرأ لابن خلدون
في ضوء مأزقها الحالية
رغم ان مهمة الحفاظ على التماسك الاجتماعي والحضاري للمدنية
مهمة شاقة ولكن يجب علينا التحدي لمواجهتها ولنتغلب على كثير
من امراض عالمنا المعاصر
روعة محسن الدندن
[ad id=”1177″]