ليست هذه سوى معلومة واحدة ضمن تقرير مفزع للقناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي تناول انعكاسات سد النهضة الإثيوبي على الحياة في مصر، وسط توقع خبراء في إسرائيل اندلاع حرب أهلية طاحنة في مصر، بعد انهيار قطاع الزراعة تماما
التقرير المنشور الأحد 21 مايو 2017 على موقع القناة، وترجمته “مصر العربية”، جاء تحت عنوان”الكارثة البيئية التي ستزعزع الشرق الأوسط”.
اليكم نص التقرير..
نهر النيل، الذي تتعلق به حياة عشرات الملايين من البشر، يواجه الخطر، بسبب سد عملاق تم بناؤه في إثيوبيا وبسبب ارتفاع مستوى سطح البحر ما يؤدي لتسلل الكثير من المياه المالحة للنهر. هل الضرر البيئي الذي سيلحق بمصدر المياه الرئيسي للمصريين من شأنه أن يؤدي لمشكلات اجتماعية وأمنية يتم الشعور بها في إسرائيل أيضا؟.
نهر النيل هو مصدر المياه الرئيسي للمصريين، كان دائما وأبدا شريان الحياة الأساسي للبلاد. أيضا في إسرائيل أدركوا عظمته وأهميته. في أثار تسيبوري في الجليل هناك فيسفاء من العصر البيزنطي تحوي أوصافا مذهلة للنيل، تتضمن أيضا النيلومتر، الذي كان يستخدم في قياس مستوى النيل، محفورة عليه أرقام باليونانية تشير إلى وفرة المياه المتدفقة إلى النهر.
اليوم، كل هذه الوفرة تواجه الخطر، وذلك على خلفية كارثة بيئية تضرب النيل ويمكن أن تزعزع نتائجها الشرق الأوسط.
الضرر البيئي هو أحد العناصر الرئيسية لمعظم الأزمات الدولية- مثل الإبادة الجماعية في رواندا في التسعينيات، التي حدثت وبخلاف الكراهية على أساس عرقي بسبب التكدس الرهيب للسكان في بقعة أرض كانت خصبة للغاية لكنها تعرضت لتآكل وجفاف أضرا بالقدرة على الإنتاج الزراعي وخلفا مجاعة شديدة في البلاد.
ساهمت العناصر البيئية أيضا في خلق الحالة التي أدت إلى الحرب الأهلية الحالية في سوريا- بشكل دفع السكان القرويون إلى داخل المدن، وهناك حدث غليان سياسي أدى لحرب دامية.
إذا لم يحدث تغير حقيقي، يمكن أن تكون مصر القادمة في الدور ويتحول 95 مليون مواطن لضحايا كارثة بيئية تحدث ببطء وتدريجيا من شأنها أن تؤدي لإضرار كبير بوادي النيل الخصيب.
سد النهضة الكبير
يتركز كل سكان مصر تقريبا على طول النيل، لاسيما في الإسكندرية والقاهرة وعلى طول الدلتا بالقرب من قناة السويس. دلتا النيل هي المنطقة الواقعة بشمال مصر التي يوجد بها مصب نهر النيل في البحر المتوسط، بما يشبه حرف دلتا اليوناني. في الدلتا تعيش منطقة مستقرة، خصبة وجيدة من الناحية الزراعية، على النقيض من المناطق الصحراوية المحيطة.
عمليا، يتركز كل السكان تقريبا في 2% من مناطق البلاد ( نحو 20 ألف كم من بين نحو مليون كم)، لذلك فإن وادي النيل من أكثر المناطق المزدحمة في العالم، مع تكدس يصل إلى 1.540 شخص في الكيلومتر المربع. لكن الآن، وبخلاف الانفجار السكاني، تواجه دلتا النيل في مصر خطرا سواء من اليابسة أو من البحر.
يتمثل التهديد الجديد للنيل في سد عملاق تبنيه إثيوبيا على النيل الأزرق، الذي يوفر 59% من المياه الواصلة إلى مصر. ويتوقع أن ينتج “سد النهضة الإثيوبي الكبير”( Grand Ethiopian Renaissance Dam) 6000 ميجاوات من الكهرباء لمواطني إثيوبيا، الذين لا توجد حتى اليوم لدى معظمهم (نحو 75%) أي صلة بالكهرباء.
كذلك فإن بيع فائض الكهرباء لدول أخرى بالمنطقة من شأنه أن يدر على خزينة الدولة الإثيوبية مليار دولار سنويا. لكن، السد سوف يمنع مياه النهر من التدفق بحرية للأمام نحو أسفل النيل إلى السودان ومن هناك إلى مصر.
يدور الحديث بالطبع عن مشكلة كبيرة للغاية بالنسبة للسودان ومصر، اللتين تعتمدان على مياه النيل كمصدر للشرب، والزراعة، وكسب الرزق، وإنتاج الكهرباء لمئات الملايين من البشر.
وفقا لوثائق جرى تسريبها لموقع ويكليكس، فإن تهديد بناء السد كبير للغاية للدرجة التي دفعت في مرحلة معينة النظام في القاهرة للحديث عن إمكانية تنفيذ قصف جوي أو اقتحام لقوات الكوماندوز لتدمير السد.
قال الرئيس المصري آنذاك محمد مرسي في حديث لـ BBC إنه ليس معنيا بالحرب مع إثيوبيا، لكنه أكمل وأضاف “نُبقي على كل الاحتمالات مفتوحة . لا نعارض إقامة مشاريع في حوض النيل، شريطة ألا تؤثر أو تضر بالحقوق التاريخية والقانونية لمصر”.
قصد مرسي الاتفاق الاستعماري الذي وقع عام 1929 بين بريطانيا ومصر والذي قضى بأن تكون لمصر سيطرة كاملة على النهر بكامل طوله، ويحظر على الدول الموجودة على ضفتيه تنفيذ أي أعمال في النيل والروافد التي تتدفق به، كيلا تمس حصة مصر من المياه.
رغم التصريحات المناضلة التي سُمعت في الماضي، فإن معقولية الحرب اليوم بين الدولتين منحفضة للغاية، خاصة في ضوء المشكلات الكثيرة التي تواجهها مصر داخليا.
خسارة ثلث الكهرباء
تكشف دراسة جديدة نشرتها دورية الجمعية الأمريكية للجيولوجيا (GSA) أنه خلال فترة ملء خزان السد، التي تتوقع أن تستغرق بين 5 إلى 7 سنوات، فسوف يتم تقليص تدفق المياه العذبة في النيل إلى مصر بنحو 25%، إضافة لخسارة ثلث الكهرباء التي يتم إنتاجها عن طريق السد العالي في أسوان.
والسد العالي هو واحد من بين سدين عملاقين أقامتهما مصر على النيل، بدأ العمل فيه عام 1965. وبحسب الدراسة التي أعدها جون دنيال ستنلي، الجيولوجي في مؤسسة سميثسونيان في واشنطن، فإن مصر سوف تواجه “نقصا حادا في المياه العذبة والطاقة بحلول عام 2025”. كذلك الزراعة في الدلتا، التي تنتج نحو 60% من الغذاءفي مصر، سوف تتضرر بشدة في أعقاب نقص مياه الري.
وأشارت دراسة (GSA) إلى أن السد الجديد الذي بُني في إثيوبيا هو فقط تهديد واحد ضمن سلسلة تهديدات بيئية تواجهها مصر اليوم. أهمها ارتفاع مستوى سطح البحر، نتيجة لتغير المناخ العالمي.
تقع معظم منطقة الدلتا على ارتفاع متر واحد من سطح البحر، ووفقا لبحث أجري في 2014 على يد الجيولوجي أحمد سيف النصر من جامعة أسيوط المصرية فإن أي زيادرة نصف متر في مستوى سطح البحر سوف “تقلص” منطقة الدلتا بنحو 19%.
يدور الحديث عن سيناريو متحفظ للغاية وهناك توقعات أكثر صعوبة. على سبيل المثال، إذا ما ارتفع سطح البحر متر واحد خلال القرن الحالي، مثلما يتوقع الكثير من خبراء المناخ، يمكن أن تختفي ثلث الدلتا تحت البحر المتوسط. يشار إلى أن هذا البحث لم يأخذ في الاعتبار الآثار المتوقعة لارتفاع أكبر، وهو ما تكهن به بحث أجري عام 2016.
هذا البحث تجاهل أيضا حقيقة أن هناك هبوط للأرض في منطقة الدلتا، خاصة على طول ساحل البحر المتوسط. ناهيك عن تدهور أراضي الدلتا (التي أصبحت أقل خصوبة) لأنه لا يتم تجديدها سنويا بـ 100 مليون طن من رواسب فيضانات النيل. بدلا عن ذلك، تترسب تلك الرواسب نظرا لدخول النيل ضمن الخزان الذي أوجده السد العالي، ما أدى لخلق دلتا جديدة، تختبئ اليوم تحت سطح الماء.
خطر آخر يواجهه نهر النيل، ناجم عن الدمج بين ارتفاع مستوى سطح البحر وهبوط التربة، ويتمثل في زيادة تغلغل مياه البحر المالحة لمياه النهر. حصة كل مواطن مصري فقط 660 متر مكعب من المياه العذبة سنويا، مقارنة مثلا بـ 9800 متر مكعب في الولايات المتحدة لكل مواطن.
لكن وبحسب دراسة سيف النصر، فإن تسرب المياه المالحة من ارتفاع متر واحد فوق مستوى سطح البحر يمكنه أن يهدد ما يزيد عن ثلث مخزون المياه العذبة في الدلتا. يتخذ الأمر بعدا إشكاليا آخر في ضوء توقعات بتضاعف عدد السكان في مصر خلال الخمسين عاما المقبلة.
انعدام الهدوء الاجتماعي والاقتصادي والسياسي
إذن، كيف ستتعامل مصر التي تواجه بالفعل اقتصاد متداع وانفجار سكاني وعدم استقرار سياسي، مع تلك التحديات البيئية التي تهدد مستقبل البلاد؟
وفقا لتقرير صدر عام 2011 على يد مركز المعرفة للتحضير لتغير المناخ في إسرائيل، فإن الحد من تدفق مياه النيل الذي سيحدث نتيجة لأزمة مناخية وديموغرافية مشتركة، سوف يتسبب في نقص مياه الشرب، وانهيار قطاع الزراعة وانهيار مصانع التطوير والتكنولوجيا في البلاد، ما سيجعل مصر بحاجة للمساعدة في جلب الغذاء لنحو 100 مليون نسمة.
كذلك سيُشعر بضغوط متزايدة ناجمة عن هجرة القرويين للقاهرة وباقي المدن الكبرى في البلاد. وهو ما سيخلف فوضى وغياب الهدوء الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. على هذه الخلفية يتوقع تعاظم قوى الإسلام المتشدد المنتشر اليوم في المنطقة، في ضوء سلسلة الهجمات التي نفذها تنظيم داعش خلال الشهور الأخيرة في مصر.
أمنون سوفير، أستاذ الجيولوجيا وعلوم البيئة بجامعة حيفا، الذي كثيرا ما بحث في قضايا الديموغرافيا، والمياه والبيئة في سياقات سياسية وإستراتيجية بدول الشرق الأوسط، توقع هذا السيناريو الخطير منذ عشر سنوات.
وأبدى سوفير مخاوفه من تسلل ملايين اللاجئين من مصر وإفريقيا على خلفية أزمة المناخ والديموغرافيا المشتركة . لذلك أوصى بإقامة السياج الحدودي مع مصر، الذي انتهت إسرائيل من بنائه في 2013.
يقول سوفير :”توقعاتي حيال مصر صعبة للغاية.. أعتقد أن الأمة المصرية تتفكك، تتحطم وتنهار، فقيرة وليس لديها أي أمل. أقول ذلك بحزن شديد، فقد أردت أن يكون الجار المصري قويا”.
السيناريو الرئيسي الذي يخشاه الخبراء هو أن يؤدي الوضع الصعب لمصر مع الأزمة البيئية في النيل لحرب أهلية مماثلة لتلك التي تدور رحاها في سوريا.
واعتقد سوفر أنها مسألة وقت فقط حتى تصل مصر لهذه المرحلة. “أقنعتُ المخابرات (الإسرائيلية) أن ما حدث في سوريا بدأ مع أزمة مناخية. هكذا تبدأ الأمور، حتى إن كان من الصعب تصديق هذا”.
” من مصلحة إسرائيل مساعدة مصر في مواجهة الأزمة، كوننا نتقاسم حدود مشتركة معها، وتبعات الوضع هناك سوف تؤثر بشدة على ما يحدث هنا: ارتفاع أعداد اللاجئين البيئيين الذين يحاولون التسلل إلى إسرائيل عبر الحدود، ارتفاع كمية تهريب المخدرات والنساء والسلاح على طول الحدود، وتزايد قوى العناصر الإسلامية المتشددة كداعش التي ستحاول تنفيذ عمليات إرهابية على طول الحدود وربما يحاولون التسلل إلى داخل الأراضي الإسرائيلية”، قال سوفر، وأضاف “وكذلك تزعزع النظام المصري نتيجة للأزمة يمكن أن يضر العلاقات مع إسرائيل، وذلك نتيجة من اتخاذ النظام المصري تدابير طارئة بعيدة المدى تزيد من الاحتكاك على طول خليج إيلات”.
ويشير سوفير أيضا إلى أن إسرائيل تساعد مصر بشكل كبير، حتى إن حدث ذلك من تحت الرادار الإعلامي، لافتا إلى أن المساعدات عسكرية في جوهرها، لكن إسرائيل كما يقول خبيرة في تقنيات الري الموفرة للمياه، وترسل خبراء يقدمون المشورة للمصريين في كيفية تنفيذ الري الموفر للمياه.
وماذا بالنسبة للتعاون في الخبرة العلمية الإسرائيلية في مجال تحلية المياه من أجل إيجاد حل لمشاكل المياه في مصر؟. يقول سوفر :”ليس لهذا علاقة بمصر، فليس لديها القدرة الاقتصادية لتشغيل مثل هذه المحطة. وبشكل عام، فإن كمية المياه المحلاة التي تحتاجها مصر تساوي كمية كل المياه المحلاة في العالم اليوم. من يستطيع تمويل ذلك؟ ربما سيكون بالإمكان تحلية المياه للهيلتون، والشيراتون، وباقي الفنادق الثرية، لكن ليس أكثر من هذا”.
في هذه الأيام ينطلق تعاون إقليمي جديد في مجال تحلية المياه- بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية والأردن. سوف يتمخض عن هذا التعاون مشروع قناة البحرين، الذي سيقام في إطاره محطة تحلية بالقرب من العقبة، لتوريد المياه لسكان الأردن ووادي عربة والسلطة الفلسطينية، ويضخ المياه المالحة في البحر الميت.