إعداد – محمود أبو مسلم
الوفاء صيانة القلوب
في زمن تتسارع فيه العلاقات وتكثر فيه التقلبات، أصبح الوفاء عملة نادرة، لا يحملها إلا من نشأ على القيم الأصيلة والأخلاق الرفيعة. فالوفاء ليس سلوكًا مكتسبًا بل جوهرٌ متجذر، ينشأ مع أولئك الذين تشرّبوا طِيب الأصل وصدق الانتماء، والذين عرفوا أن الحياة لا تُقاس بطول الأيام، بل بصدق اللحظات وعمق المعاني.
الوفيّ لا يغيب حضوره وإن غاب جسده، ولا يخفت أثره وإن ابتعد. يبقى عالقًا في الذاكرة، مزروعًا في وجداننا، تنبض به القلوب وتستحضره الأرواح مع كل لحظة صفاء وصدق. لا يشتريه المال، ولا تغيّره المصالح، ولا تُفقده الأيام بريقه.
هؤلاء هم الكنوز الحقيقية التي لا تُقدّر بثمن، والجواهر التي لا تُصاغ إلا من معدن الإخلاص.
ولأن زمننا هذا يضج بمنشّطات الجفاء ومُحرضات الحقد والكره، أصبح من النادر أن تجد قلوبًا صافية، تعرف معنى المحبة دون شروط، والوفاء دون مصلحة. القلوب الوفيّة هي التي تقف ثابتة حين تتقلب الظروف، وتظل على عهدها حين يختبرها الغياب.
إنني أقولها بصدق:
هنيئًا لكل من في حياته قلب صادق، وفيّ، نقيّ. وهنيئًا لمن لم تنسه الحياة من أحب، ولم تغره المصالح عن من وقف معه يومًا.
فإن وجدت إنسانًا وفيًا، فتمسّك به، ولا تفرّط فيه، لأن الأيام القادمة ستُقلل من أمثالهم، وتُكثّف من أصحاب القلوب الجافة، والوجوه المتلونة.
ختامًا، دعونا نُعيد ترتيب أولوياتنا، ونمنح قلوبنا صيانة دورية، نزيل منها شوائب الغدر، ونرمم فيها مساحات الوفاء. فالذين يبقون في ذاكرتنا بعد الغياب، هم وحدهم الذين استحقوا أن يكونوا فيها منذ البداية.