رجل عصفور

صديقي المقرب يعمل
‏في منظمة لحقوق الحيوان وحماية الطيور ، .. لكنه أيضاً بعد الظهيرة يتاجر
” فهل يجتمعان ” ؟!

” على كل حال سيظل صديقي الوحيد ”

‏ كان يشتري أحزان الناس ويواسيهم ،
يدفع لهم بسخاء وعندما أسأله لماذا تدفع كل هذا المال ؟!
يخبرني أنهم بسطاء وأن المال هذا بمثابة تعويض نفسي ليس إلا !! ..
” لكم أعجبت بشخصيته ” ..

‏ذات مرة اشترى من حلاقه الخاص
” شرف إمرأة ” وصفها الأخير أنها سيئة السمعة ، ولهذا السبب قام صديقي بتأجيل الدفع ! ..

رأيته ذات مرة يقايض أحدهم على جراحه القديمة وعندما سألته ماذا فعلت بكل تلك الجراح ؟
أبلغني أنه قام ببيعها ليلًا خلسة إلى صحفية بعد أن قضى وطره منها ،
” لأنها رفضت أول الأمر أن تطارحه الهوى ” !!!!!

‏.. على التلفاز ذات يوم ، كان يتحدث عن معاناة القطط الضالة !! ، وأخذ يبكي راثيًا لحالهم .. شاهدته يومها فتاة عاشقة للقطط فصممت على الاقتران به !
بعد الزواج سألته كيف تحرم علينا اقتناء القطط وكنت تذرف من أجلهم ، فأخبرها عن انبهارة الشديد بدورهم الأصيل في التوازن البيئي لذلك فهو يرفض للنظام الخلل !!

أما أنا فشخص معتم
مهجور كملجأ أيتام قديم سرق اللصوص ماتبقى من وصلات كهربائه ..
داخلي شديد الظلمة مهجور ..
تسكنني الخفافيش والجرذان ..
على جدراني صور الطفولة ، و عناكب ..
يسكنني صدى أصوات يتردد فجرًا في غرفة الألعاب بجانب بعض الذكريات .. يشتد حزني .. أفقد القدرة على النطق ..
أريد أن أنطق .. أحاول فلا أستطيع ..
‏ثم أتضاءل ..، و أتضاءل
أظل أتضاءل ، ويكأن الكون لم يكن يومًا علي كبير .. أتفقده تمامًا كما تتفقد سقف غرفتك ، وتدور بعينيك ذهابًا و إيابًا عليه ..
أنظر إلى يداي وأثبت نظري بها ، فأجدها دقيقة جدًا قد كساها الريش “ما هذا ” !! أهرع إلى أقرب مرآه .. أجدها عالية كثيرًا على شخص تقزم في الحياة مثلي ، وبعد برهة أفكر في القفز ..
‏ماهذا كيف استطعت الصعود بهذه السهولة أمام المرآة رغم صغر حجمي ؟! ..
‏أنظر في المرآة ” يالله ” !
‏ لقد تحولت إلى طائر ! ، ولكن أي نوع من الطيور أصبحت أنا ؟! .. إنني لم أرى هذا النوع من قبل ! ، إنني حقًا لا أعرفه ! ، تمامًا كما كنت في السابق إنسانًا لم يعرف نفسه قط ! ..
” أممم ‏ربما كنت فقط “شبه إنسان” ! ..
‏ أحاول أن أتكلم ، و أرفض ما آل إليه حالي .. أحاول قول ” لا ” فلا أستطيع ،
أن أصرخ ..،
‏” أيضًا لا أستطيع ” ..
‏إنني أزقزق و فقط ..
‏” إنني حتى لا أفهم معنى لغتي الجديدة تلك ! ” ..
‏ ليتني حين كنت إنسانًا تعلمت لغة الطير ، نعم لقد شاهدت بدائيين أفارقة يعيشون بالغابات يتحدثون مع الطيور ، لكن لم ألقي بالًا أبدًا لذلك ..
“كم كنت موهومًا بأننا أقوامًا متحضرين” ..
لكن لا مشكلة ربما سأصبح سعيدًا ، حرًا طليقًا بعد اليوم .. ،
‏فلكم أذكر كيف حسدت الطيور ، وأنا في جسدي البشري .. نعم حسدتهم
على التغريد حسدتهم ، ذات مرة على الحرية و سهولة العيش حسدتهم ..

” و لأنهم لا يأكلون الأعراض ‏على أكل أيضًا الدود حسدتهم ” ! ..
‏ها أنا اليوم طائر !!
‏ الآن أتتني الفرصة راغمة .. وبالفعل قمت بالطيران ..،
” ‏حاولت ”
‏ مرقت بمرونة كسهم من شرفة المنزل ، رفرفت بجناحاي الضعيفين الذين يتمتعون برشاقة لا تتمتع بها طائرة !! ، شققت الهواء بخفة وقوة وانطلقت ..
كان كل همي أن أصل إلى منزل صديق الطفولة فهو أخر من تبقى لي في هذه الدنيا الموحشة ..، لكن أجنحتي الضعيفة لم تعينني أكثر من نصف دقيقة ..
‏نعم لا أجيد الطيران
‏” لقد سقطت في الشارع ”
.. لا يزال حزني يزيد .. لا يزال حزني عميق .. لا يزال حزني يمنع أجنحتي من التحليق ..
قررت أن أقوم ، و أعاود الطيران
_” يقول أسلافي من البشر لا حياة مع يأس”_
و أنا أقول ” لا استسلام مع أجنحة ”

.. لأجد نفسي بين أصابع كبيرة كمشتني ! .. لقد التقطني أحدهم وأخذ يتفقدني متفحصًا جسدي الهزيل ..

ـ هل أصابني مكروه ؟!!!

‏”لكم من الرائع أن تجد من يهتم لأمرك دون مقابل ”
‏- عندما كنت إنسانًا لاحظت التمني شائعًا جدًا عند إناث البشر !

‏ يبدو أن هذا المتفقد حنون جدًا ، و يبدو أن معاملة البشر للطيور غير معاملتهم لبعضهم البعض !!

‏.. نعم نعم أعرف هذا الوجه الضخم إنه لصديقي الوحيد ،
ثم ‏أخذت أغرد في سعادة لأن هذا الصديق بعد قليل سيعرفني ويرفق بي ، وعلى أسوء حال إن لم يعرفني سيطلق صراحي ، سيجعلني أطير ..
نعم أنا أثق به فهو صديقي و أعلم صدق داخله .. هو وفي و حنون صدقوني كمعظم من حولكم ! ..
‏أمسك بهاتفه تحدث إلى زوجته التي طالما فُتنت به يطلب منها محادثة ابنه .. بينما هى كانت تنتظر منه أن يفى لها بالوعد ..
” ‏الوعد بتطليقها ” !!! ..
— افرح يا صغيري أتيت لك بالعصفور الذي كنت تريد بدل الذي هرب من القفص منذ
” عام ونصف ” ! ..
= شكرًا أبي شكرًا … أنت حنون جدًا ولطيف ، رغم مرور عام كامل ونصف لم تنسى أن تلبي متطلباتي على عكس ماتفعل دائمًا مع أمي ..

إلهي لقد دعاني بالعصفور ، لكن ما هذا هل هذا صديقي ؟!
كيف لم أفهم طباعه عندما كنت بجسدي البشري ؟! .. أين كان عقلي حينها ؟! ..، يا رب أي مصير ينتظرني ؟ .. هل له أن يغدر بي؟ ، أنا صديقه حتى لو كنت عصفورًا ! .. هل يجوز له الغدر بي ؟! .. أليس الأحرى به أن يرفق بضعيف مثلي !! ، إن لم يكن من أجل عمله أو الصداقة ! .. فمن أجل الإنسانية المزعومة على الأقل ! ..

أصيح و أزقزق .. أصرخ من أعماقي لا تخدعني يا صديقي أطلق صراحي ،
لوجه الله افعلها .. ” لكنه لا يبالي “..
أخذت اتقلب بين أصابعه أريد أن أخلع نفسي من بينها
” لكن لا فائدة ” !
‏وضعني في القفص وحيدًا دون ماء أو طعام .. أخذت أقفز يمينًا ويسارًا و أنا أزقزق وأغرد بأعلى صوتي ..
‏ثم خرج مع ابنه و أوصد الباب خلفه ..
حل الظلام ..
رباه انقذني أنا العصفور .. انقذني أنا المهجور .. يا ربااااه انقذني أنا أسير البشر .

” رجل عصفور ” من كتاب تراتيل الناي لأحمد البياسي

Related posts

Leave a Comment