بقلم / الباحثة ميادة عبدالعال
في اعتقادي أنَّه لم يتَّضح هذا الدور بعد، علمًا بأنه لا يختلف اثنان في أنّ الإعلام وسيلة مزدوجةُ الاستخدام؛ فقد تكون وسيلةَ بناءٍ وارتقاءٍ بالأوطان، وقد تكون وسيلة هدم وتفتيت للشعوب وللقيم، وكونها كذلك فهذا يدعو لمراجعة كل ما يصدر عن هذه الوسائل ومَن يتحدثون فيها، ولقد أصابنا ما أصابنا من جرَّائها تشكيكًا في ديننا وتشتيتًا لأفكارنا، أن قضية التجديد “بدأت تفرض نفسها بعد (سنة 1967) بشكلٍ جاد على طائفةٍ لا يُسْتَهان بها من المفكرين والباحثين وأساتذة الجامعات، تراوحت خلفيَّاتُها المذهبيةُ من قوميَّة إلى ليبرالية إلى ماركسية إلى علمانية إلى أصولية مادية”، ترتب على أثرها مطالبات ودعوات إلى “نفض اليدين من التراث جملة وتفصيلاً والالتحاق بركب الحضارة الغربية فكرًا وسلوكًا، لكنَّ السؤال الذي لابد أن يُعْلَن بقوة هو: أيُّ نوع من التجديد نقصد؟ هل نريد تجديدًا للخطاب الديني يحفظ الأصول والثوابت، ويراعي المُتَغَيِّرَات والمُسْتَجَدات، ويَنْفُضُ عنها ما تراكم من غبار يحجُبُها عن أعين الناظرين؟ أم نريد ترويضًا للخطاب الديني بحيث يَتَّفِقُ وهوى بعض الاتجاهات التي تريد تبديد بعض أو أكثر الأصول والثوابت؟
إنَّ المؤسسات الدينية لا تَأْلُو جُهدًا في تحقيق ما يتطلَّبه الواقع من تجديد للخطاب الديني، وإن كان من تقصير فلأنَّ البيئة المحيطة بها يجب أن تتهيَّأ لقَبول ما يصدر عنها من نتاجٍ علمي وعملي، فلا يمكن أن يحدث تجديد وسط جو من الصخب الإعلامي يعكر هذا الخطاب، ويشوش عليه ويبخس جهد المؤسسة الدينية الرائدة.
الذي أخشاه من هذه الاتجاهات أو الموجات المُتلاحِقة التي تشكك في الدين حينًا وتتعرض لثوابته حينًا آخر، وهو التنكر لتاريخ الأمة المصرية الذي عُرِفت به منذُ فجر التاريخ، وهو التدين الصادق والتمسك بالقيم والثوابت؛ ولذا كانت مصر من أسرع البلاد قبولاً للإسلام وشعبها أشدَّ الشعوب حبًّا للنَّبِيِّ – صلي الله عليه وسلم – وآل بيته الطيبين وصحابته الأخيار؛ ولذلك كان ولا بُدَّ من مراعاة طبيعة هذا الشعب حتى نتمكَّن من التصدي لكل فكر شاذ كيف ما كانت صوره وأشكاله.وجب على الإعلام أن يتَّقِى الله في دِين الله، وأَوْلى بالإعلام التركيز على قيم الإسلام السمحة وغرس الانتماء والمشتركات الإنسانية التي تجمَعُ ولا تُفرِّق وتُوحِّد ولا تُمزق.
إنَّ الخطاب الديني لا يمكن أن يُحقِّق مقاصده، ولا أن يَبْلُغ هدفه بلا إعلام يُركِّز على الثوابت، ويدعم محاور الاتفاق ويَنْتَقِى حاملي الرسالة من الأتقياء، لا المروجين للشاذ من الآراء والمتاجرين بالدين.هناك ضعفا شديدا لدى الرموز الإعلامية المتحدثة على الهواء. كما أن التمكن من المعرفة العلمية ليس من شواغل مشغلي هذه القنوات، لأن هاجسها هو ترويج خطاب تنافسي يجلب جمهورا ومستشهرين. إذن، هناك رغبة في استقطاب أكبر عدد ممكن من المشاهدين كاستجابة لقواعد السوق والأسهم،تقوم فلسفة هذه القنوات على توصيات السياسات الدينية التي خطط لها في دوائر القرار السياسي، وكاستجابة لتقديم الدين الإسلامي للعالم بوصفه دينا مرنا، وتوافقيا، واندماجيا، لا تتجاوز سلطته الروحية تربية الفرد الصالح المنشغل باستمرار بخلاصه الفردي. والمتدين متسامح مع السياسات الرسمية، فإن هذه الظاهرة حملت معها منظومة قيم استهلاكية مرتبطة بسوق دينية تعتمد على أنماط لباس وزينة، ولغة خاصة، وأفق مغاير.
كما حملت معها تدينا هجينا يمتلك سيولة نفسية متدفقة لتبرير المواقف والسلوكات، وعيا من القائمين على الشأن الإعلامي الديني، ومن خلفهم مهندسو السياسات الدينية، أن الدين لم يعد المرجعية الوحيدة التي تنتج منظومة القيم والسلوك والمواقف؛ولذلك، لم ينجح هذا الخطاب في تعويض الجمهور عن الفراغ الروحي بدليل تناسل هذه الفضائيات وتنافسها على استجلاب أكبر قدر ممكن من المشاهدين، مما أسهم في توسيع رقعة فوضى التدين التي أسس لها الخطاب الديني