إعداد-محمود أبو مسلم
تاريخ مصر هو تاريخ الحضارة الإنسانية حيث أبدع الإنسان المصري وقدًّم حضارة عريقة سبقت حضارات شعوب العالم.
فهي:
حضارة رائدة فهي ابتي أذهلت العالم والعلماء بفكرها وعلمها وقبل ذلك وذاك يأهلها…..
فهي حضارة متصلة الحلقات تفاعل معها الإنسان المصري وتركت في عقله ووجدانه بصماتها. لقد كانت مصر أول دولة في العالم القديم عرفت مبادئ الكتابة وابتدعت الحروف والعلامات الهيروغليفية، وكان المصريون القدماء حريصين على تدوين وتسجيل تاريخهم والأحداث التي صنعوها وعاشوها، وبهذه الخطوة الحضارية العظيمة انتقلت مصر من عصور ما قبل التاريخ وأصبحت أول دولة في العالم لها تاريخ مكتوب، ولها نظم ثابتة ولذلك اعتبرت بكافة المعايير أُما للحضارات الإنسانية. إن لمصر دورها الحضاري والتاريخي والديني حيث كانت المكان الذي احتضن الأنبياء، والأرض التي سارت خطواتهم عليها، فجاء إليها أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام وتزوج من السيدة هاجر، وجاء إليها يوسف عليه السلام وأصبح فيها وزيرا وتبعه إليها أبوه يعقوب، ودار أعظم حوار بين الله عز وجل وموسى عليه السلام على أرضها، وإلى مصر لجأت العائلة المقدسة السيدة مريم العذراء والسيد المسيح طفلاً ويوسف النجار وقاموا برحلة تاريخية مباركة في أرضها، وقد اختار الله سبحانه وتعالى مصر بالذات لتكون الملجأ الحصين الذي شاءت السماء أن يكون واحة السلام والأمان على الدوام وملتقى الأديان السماوية. لقد تتابعت على أرض مصر حضارات متعددة فكانت مصر مهدا للحضارة الفرعونية، وحاضنة للحضارة الإغريقية والرومانية ومنارة للحضارة القبطية، وحامية للحضارة الإسلامية.
ولقد اتسم شعب مصر على طول التاريخ بالحب والتسامح والود والكرم الذي تميز به هذا الشعب حيث امتزج أبناء مصر في نسيج واحد متين.
إضغط هنا للتعرف على روائع التراث المصرى عبر العصور.
-عصر الدولة القديمة (2980 – 2475 ق·م)
تطورت الحضارة المصرية وتبلورت مبادئ الحكومة المركزية، وشهد عصر هذه الدولة نهضة شاملة في شتى نواحي الحياة، حيـث توصـل المصريـون إلى الكتابـة الهيروغليفـيـة أي (النقش المقدس)، واهتم الملوك بتأمين حدود البلاد ونشطت حركة التجارة بين مصر والسودان، واستقبلت مصر عصرا مجيدا في تاريخها عرف باسم عصر بناة الأهرامات، وشهد هذا العصر بناء أول هرم (هرم سقارة)، ومع تطور الزراعة والصناعة استخدم المصريون أول أسطول نهري لنقل منتجاتهم، وبلغت الملاحة البحرية شأنا عظيما وأصبحت حرفة منظمة كغيرها من الحرف الراسخة التي اشتهرت بها مصر القديمة.
عصر الدولة الوسطي (2160- 1580 ق·م )
اهتم ملوك الدولة الوسطى بالمشروعات الأكثر نفعا للشعب فازدهرت الزراعة وتطورت المصنوعات اليدوية، وترك الفنانون المصريون والمهندسون تراثاً رائعاً انتشر في الأقصر والفيوم وعين شمس. كذلك ازدهر الفن والأدب في هذا العصر ولكن نهاية حكم هذه الدولة شهد غزو الهكسوس واحتلالهم لمصر.
-عصر الدولة الحديثة (1580 – 1150ق·م)
بعد أن تم للملك أحمس الأول القضاء على الهكسوس وطردهم خارج حدود مصر الشرقية عاد الأمن والاستقرار إلى ربوع البلاد، وبدأت مصر عهدا جديدا هو عهد الدولة الحديثة، وأدركت مصر أهمية القوة العسكرية لحماية البلاد، فتم إنشاء جيش قوى لتكوين إمبراطورية عظيمة امتدت من نهر الفرات شرقاً إلى الشلال الرابع على نهر النيل جنوباً، وأصبحت مصر قوة عظمى، وصارت بذلك إمبراطورية عظيمة مترامية الأطراف وأقدم إمبراطورية في التاريخ. لقد حاز ملوك وملكات الأسرة الثانية عشرة شهرة عالمية في ميادين السياسة والحرب والثقافة والحضارة والدين .. “أحمس” بطل التحرير .. “أمنحوتب الأول” العادل الذي أصدر قانونا بمنع السخرة وتم وضع المعايير العادلة للأجور والحوافز .. “تحتمس الأول” المحارب الذي وسع الحدود المصرية شمالا وجنوبا ونشر التعليم وتوسع في فتح المناجـم وصناعـة التعديـن .. “وتحتمس الثاني” المتأنق و”تحتمس الثالث” الإمبراطور صاحب العبقرية العسكرية الفذة وأول فاتح عظيم في تاريخ العالم .. و”تحتمس الرابع” الدبلوماسي الذي كان أول من اهتم بتدوين وتسجيل المعاهدات الدولية.. و”أمنحوتب الثالث” أغنى ملك في العالم القديم والذي فتح المدارس”بيوت الحياة” لنشر التعليم والفنون التشكيلية والتطبيقية .. و”إخناتون” أول الموحدين وأول ملك في تاريخ الإنسانية نادى بوحدانية الله خالق كل شيء .. و”توت عنخ آمون” الذي حاز شهرة في العالم المعاصر. ومن أشـهـر ملـكات هذه الأسرة عـلى سبـيـل المـثـال المـلـكـة ” إياح حتب” زوجـــة الـــمــلك “سقنن رع”، والـــمــلــكــة ” أحمس نفرتاري ” زوجة أحمس الأول، والملكة “تى” بنت الشعب وزوجة أمنحوتب الثالث وأم إخناتون، والملكة “نفرتيتي” زوجة “إخناتون” والملكة العظيمة “حتشبسوت” التي حكمت مصر قرابة عشرين عاما، وبلغت مصر في عهدها أعلى قمة في الحضارة والعمارة والتجارة الدولية حيث أرسلت البعثة البحرية التجارية والعلمية إلى بلاد “بونت” كذلك شيدت واحدا من أعظم الآثار المعمارية وأكثرها روعة وفخامة وهو معبد “الدير البحري” على الشاطئ الغربي للنيل في مواجهة الأقصر وهو معبد فريد في تصميمه وليس له مثيل بين معابد العالم القديم كلها. وشهد هذا العصر أيضا “ثورة إخناتون الدينية” حيث دعا إلى عبادة إله واحد ورمز له بقرص الشمس وأنشأ عاصمة جديدة للبلاد وأسماها “اخيتاتون”. وتعرضت مصر منذ حكم الأسرة 21 حتى 28 لاحتلال كل من الآشوريين عام 670 ق.م ثم الفرس حتى انتهى حكم الفراعنة مع الأسرة 30 ودخول الإسكندر الأكبر إلى مصر.
-العصر اليوناني
نجح الإسكندر المقدوني في هزيمة الفرس في آسيا الصغرى ثم فتح مصر عام 333 ق.م وطرد منها الفرس، وقد توج الإسكندر نفسه ملكا على منهج الفراعنة ووضع أساس مدينة الإسكندرية ثم حج إلى معبد آمون في واحة سيوة والذي كان يتمتع بشهرة عالمية واسعة في ذلك الوقت.
مصر تحت حكم البطالمة 333-30 ق·م
بعد وفاة الإسكندر أسس “بطليموس” – أحد قواد الإسكندر – حكم البطالمة في مصر الذي استمر من عام (333) ق.م حتى عام 30 ق.م وقد ظلت دولة البطالمة قوية في عهد ملوكها الأوائل ثم حل بها الضعف نتيجة ثورة المصريين ضدهم ولضعف ملوكها، واستغلت روما هذه المنازعات لبسط نفوذها على مصر وقضت على البطالمة سنه 30 ق.م أيام حكم الملكة كليوباترا.
مظاهر الحضارة المصرية فى عهد البطالمة :
بنى البطالمة في الإسكندرية القصور والحدائق وأصبحت الإسكندرية مركزا للحضارة حيث ذاعت شهرتها في مجال الفن والعلم والصناعة والتجارة كما أنها كانت الميناء الأول في البحر المتوسط بفضل منارتها الشهيرة التي اعتبرها الإغريق إحدى عجائب الدنيا السبع.
وقد قامت بالإسكندرية حضارة إغريقية مصرية عظيمة تمثلت في:
جامعة الإسكندرية: التي أنشأها البطالمة ويرجع الفضل إلى علماء جامعة الإسكندرية في التوصل إلى حقائق علمية عن دوران الأرض حول الشمس وتقدير محيط الكرة الأرضية، واشتهرت الجامعة بدراسة الطب خاصة التشريح والجراحة ومن أشهر العلماء في جامعة الإسكندرية “إقليدس” عالم الهندسة، و”بطليموس” الجغرافي و”مانيتون” المؤرخ المصري.
مكتبة الإسكندرية وأثرها الثقافى:
أنشأ البطالمة في الإسكندرية مكتبة ضخمة كانت تعد أعظم مكتبة في العالم احتوت على أكثر من نصف مليون لفافة بردي، وقد أمر البطالمة أن يهدى كل زائر من العلماء مدينة الإسكندرية نسخة من مؤلفاته وبذلك وصل عدد الكتب بالمكتبة أكثر من 700 ألف كتاب.
وقد عمل البطالمة على احترام ديانة المصريين وقدموا القرابين للمعبودات المصرية، وشيدوا لها المعابد مثل معبد إدفو ومعبد دندرة ومعابد فيلة بأسوان، وكان البطالمة يظهرون في الحفلات الرسمية بزى الفراعنة.
-العصر الرومانى.
فتح الرومان مصر عام 30 ق.م وأصبحت إحدى ولاياتها وأصبحت مصر أثمن ممتلكات الإمبراطورية الرومانية لموقعها الجغرافي الفريد وخصوبة أرضها ذات الإنتاج الوفير ونهضتها العمرانية والثقافية والحضارية وازدهرت الزراعة في العصر الروماني.
كما كانت صناعة الزجاج من أرقى الصناعات المصرية حتى أنه يرجع إلى مصر ابتكار فن تشكيل الزجاج بالنفخ، وكانت مصر تحتكر صناعة الورق، واشتهرت بصناعة العطور وأدوات الزينة والمنسوجات الكتانية الرفيعة.
وأصبحت العاصمة المصرية الإسكندرية أكبر مركز تجاري وصناعي في شرق البحر المتوسط في مصر وثاني مدن الإمبراطورية الرومانية وقد استمرت جامعة الإسكندرية في عهد الرومان مركزا للبحث العلمي ومقرا للعلماء من شتى أنحاء العالم.
رابعاً : العصر القبطى
نهضت العمارة القبطية بروح الفن الفرعوني القديم وأكملت حلقة من حلقات الفن المتصلة منذ الحضارة الفرعونية والحضارة اليونانية والرومانية بمصر، وتعد الكنائس التي شُيدت في القرن الخامس الميلادي نموذجا للعمارة والفن القبطي.
وكان التصوير السائد في العصر القبطي امتدادا للطريقة التي تواترت من العصور السابقة في مصر وهي التصوير بألوان الأكاسيد “الفرسك” على الحوائط المغطاة بطبقة من الجبس.
كما عرف المصريون القدماء الموسيقى حيث نشأ في العصر القبطي في مصر فن موسيقى كنسي يساير النزعة الفنية الموسيقية للأنغام المصرية القديمة وما زالت الألحان التي تعزف فى الكنيسة القبطية حاليا تحمل أسماء فرعونية مثل “اللحن السنجاري” وكذلك “اللحن الأتريبي”.
-الحضارة الإسلامية.
شهدت مصر خلال الحكم الإسلامي نهضة شاملة في العمران والفنون تمثلت في العمارة الإسلامية بإنشاء العديد من المساجد والقلاع والحصون والأسوار، كذلك الفنون الزخرفية التي تمثلت في أول عاصمة إسلامية في مصر وهي مدينة “الفسطاط” وبها جامع عمرو بن العاص ويعد مقياس النيل بجزيرة الروضة أقدم أثر مصري إسلامي والذي أنشأه الخليفة العباسي المتوكل بالله عام 245 هـ.
ويتجلى ازدهار العمارة الإسلامية في مدينة القطائع، وجامع أحمد بن طولون الذي شُيد على نهج جامع عمرو بن العاص مع إضافة النافورة والمئذنة والدعامات والزخرفة واللوحة التأسيسية، ومئذنة جامع ابن طولون هي الوحيدة في مساجد مصر التي لها هذا الشكل وهي مستمدة من المعابد الفارسية المعروفة باسم “الزيجورات”.
وتقدمت العمارة الإسلامية في العهد الفاطمي ويعد جامع الأزهر من أشهر فنون العمارة الفاطمية في مصر، وكذلك الجامع الأنور “الحاكم بأمر الله” والجامع الأقمر، ويعد مشهد الجيوشي نموذجا لتشييد القباب وإنشاء المساجد.
وتميز العصر الأيوبي بتقدم العمارة، ومن أشهر معالمها بنـاء ” قلعة صلاح الدين” وتمثل هذه القلعة العمارة الإسلامية منذ الدولة الأيوبية حتى عصر “محمد على”.
كما ترك المماليك ثروة فنية عظيمة تمثلت في المساجد والقباب ودور الصوفية والقصور والمدارس والقلاع والأسبلة.
– الدولة الحديثة ومصر الملكية:
يعتبر “محمد علي” بحق مؤسس مصر الحديثة لما قام به من إصلاحات شملت جميع نواحي الحياة بما يتفق مع روح العصر الحديث، فبدأ ببناء جيش مصر القوي وأنشأ المدرسة الحربية، ونشأت صناعة السفن في بولاق والترسانة البحرية في الإسكندرية، وأصلح أحوال الزراعة والري وأنشأ القناطر والسدود والترع، وأنشأ المصانع والمعامل لسد حاجة الجيش وبيع الفائض للأهالي، وفي مجال التجارة عمل “محمد علي” على نشر الأمن لطرق التجارة الداخلية وقام بإنشاء أسطول للتجارة الخارجية حيث ازدهرت حركة التجارة في مصر.
ونشر التعليم لسد حاجة دواوين الحكومة فأنشأ المدارس على اختلاف مستوياتها وتخصصاتها وأرسل البعثات إلى أوروبا لتبادل العلوم الحديثة.
وحاول أبناء محمد علي أن يسلكوا مسلكه في محاولة اللحاق بالحضارة الأوروبية، فقد شهدت البلاد في عهد الخديوي إسماعيل باشا نهضة تمثلت في الإصلاح الإداري كما شهدت الصناعة والزراعة نهضة وازدهارا كبيرا في عهده واهتم بالبناء والعمارة، وأنشأ دار الأوبرا القديمة، ومد خطوط السكك الحديدية، وفي عام 1869م افتتحت قناة السويس للملاحة الدولية.
الاستعمار والمقاومة: وقد شهدت مصر عدة ثورات ضد التدخل الأجنبي حيث اشتدت الحركة الوطنية فكانت ثورة عرابي عام 1882م التي انتهت باحتلال بريطانيا لمصر والتي أعلنت الحماية على مصر عام 1914م وانتهت تبعيتها الرسمية للدولة العثمانية. دخلت مصر إلى القرن العشرين وهى مُثقلة بأعباء الاستعمار البريطاني بضغوطه لنهب ثرواتها، وتصاعدت المقاومة الشعبية والحركة الوطنية ضد الاحتلال بقيادة مصطفى كامل ومحمد فريد وظهر الشعور الوطني بقوة مع ثورة 1919م للمطالبة بالاستقلال وكان للزعيم الوطني سعد زغلول دور بارز فيها، ثم تم إلغاء الحماية البريطانية على مصر في عام 1922م والاعتراف باستقلالها وصدر أول دستور مصري عام 1923 م.
ظلت مصر علي مر العصور والأزمنة قائده قويه بأهلها.
وبفحولة شعبها… وجئاشة صدرة…
وتلك هي مصر محفوظة مصانة بها خير أجناد الأرض وأعاظمهم.