كتب أحمد أسامة
أحلام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإستعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية جعلته ينشط في سياسته الخارجية ويعود لتعزيز علاقات بلاده مع دول كانت فيما مضى ولايات عثمانية لوقت طويل. ويتجلى صعود النفوذ التركي في أفريقيا ضمن سياسة خارجية واسعة مرنة تستهدف بها ثلاث مناطق حيوية في أفريقيا، وهي القرن الأفريقي، وليبيا وامتداداتها في الساحل والصحراء، وساحل غينيا، حيث تتوافر في تلك المناطق موارد طبيعية حيوية مثل الغاز والنفط فضلاً عن وجود سوق استهلاكية ضخمة مفتوحة أمام البضائع التركية. وشكّل مجيء حكومات مؤقتة في ليبيا التي تعاني منذ أكثر من عشر سنوات من الفوضى السياسية والأمنية، فرصة مهمة لأنقرة لتعزيز نفوذها الإقتصادي والعسكري في البلاد. فتركيا تسيطر حالياً على عدد من القواعد العسكرية والجوية والبحرية في مناطق من الغرب الليبي، أشهرها قاعدة الوطية، وتملك 35 ألف جندي تركي فيها، بالإضافة الى أكثر من 11609 عنصر من المرتزقة السوريين الذين يدعمون حكومة طرابلس.
فضلاً عن أن أردوغان وقّع إتفاقيات أمنية وإقتصادية كبيرة مع الجانب الليبي إبتداءًا من مذكرة التفاهم حول “تحديد المجالات البحرية في البحر المتوسط” مع حكومة فائز السراج السابقة، إنتهاءًا بإتفاقية حول “التنقيب عن النفط” مع حكومة عبدالحميد الدبيبة المنتهية الولاية، والتي أحدثت مزيداً من الانقسام والخلافات في البلاد. يُشار الى أن حكومة الدبيبة لا تزال تمارس عملها رغم إنتهاء ولايتها ورفض البرلمان وشريحة واسعة من الشعب الليبي لها، بدعم تركي، والدعم الشخصي من قبل أردوغان للدبيبة. فالدبيبة يحقق مصالح أردوغان في البلاد بشكل كامل، لرغبته في إطالة مدة بقائه على رأس الحكومة وطموحه للسلطة. واليوم قبل موعد الإنتخابات الرئاسية المرتقبة في تركيا، ويواجه أردوغان منافسه المعارض كمال كليجدار أوغلو في انتخابات محورية تضع 20 عاماً قضاها أردوغان في السلطة على المحك، في حين تشير استطلاعات الرأي إلى أن المنافسة شديدة التقارب، وقد تتطلب جولة إعادة تقام بعد التصويت بأسبوعين. وتعليقاً على هذا الإستحقاق وإرتباطه الأساسي بمستقبل الدبيبة، اعتبر عضو مجلس النواب الليبي، علي التكبالي، أن هزيمة أردوغان “قد تشكل حالة من التحدي للدبيبة وأنصاره، مقارنة بتعزيز وضعيتهم حال انتصار إردوغان”.
وأوضح التكالبي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه في حال فوز المعارضة التركية “فربما لن ترحب أو تطمئن كثيرا للتعامل مع شخص كان قريباً من أردوغان”. مسلطاً الضوء على مشاركة الدبيبة ومحافظ المصرف المركزي الليبي، الصديق الكبير، لأردوغان في فعاليات معرض «تكنوفيست» 2023 السابع بإسطنبول مؤخراً، والذي اعتبر جزءاً من الحملة الدعائية الانتخابية للأخير. كما قال التكبالي بهذا الخصوص: “هذا لا يمنع استفادة المعارضة التركية من الوضع الجديد… فهم يعرفون أن الدبيبة اعتمد طيلة الفترة الماضية على دعم إردوغان للاحتفاظ بموقعه على رأس السلطة في طرابلس، وأن الاتفاقيات التي وقعتها حكومته مع أنقرة، خاصة بقطاع النفط، وكذلك التبرعات المالية الضخمة التي قدمها في أعقاب الزلزال المدمر الذي ضرب الأراضي التركية في فبراير (شباط) الماضي، ليس إلا جزءاً من ثمن هذا الدعم”. من جهته، جدد القيادي فى جماعة الاخوان المسلمين الليبية ونيس المبروك الفسي، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي كان يتزعمه الاخواني المصري يوسف القرضاوي مناشدته، لكل من لديه جنسية تركية، ببذل ما بوسعه في دعم حملة رجب طيب أردوغان. بدوره، لفت الباحث المتخصص بالشأن التركي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية كرم سعيد إلى أن السياسة الخارجية للمعارضة التركية “ستنصب أولوياتها على استعادة تعزيز العلاقات مع القوى الغربية، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي”. وتوقع أن تشرع حال فوزها بـ”التخفيف من انخراط تركيا في كل من سوريا وليبيا ودول أخرى”.