يُعتبر ملف حقوق الإنسان في ليبيا واحد من أكثر الملفات دمويةً وغموضاً بسبب ما يتعرض له المهاجرون الغير شرعيون من تعذيب وقتل وإغتصاب وإستعباد جنسي وإعدام خارج نطاق القضاء وإختفاء قسري وغيرها من الإنتهاكات التي لا تزال مخفية بسبب رفض المهاجرين الحديث عنها خوفاً مما ينتظرهم في مقرات الإعتقال والإحتجاز الخاضعة لسيطرة حكومة الوحدة الوطنية منتهية الشرعية في طرابلس.
الحديث عن حقوق الإنسان في ليبيا عاد إلى الساحة من جديد بعدما أعلنت بعثة الأمم المتحدة المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا أن المهاجرين العالقين في ليبيا والذين يحاولون التوجه إلى أوروبا يتعرّضون للاستعباد الجنسي، منددةً بجريمة ضد الإنسانية ومؤكدة أن لديها مبررات معقولة تدعم الاعتقاد بارتكاب مجموعة واسعة من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في ليبيا، من بينها جرائم بحق المهاجرين.
بعثة تقصي الحقائق أكدت أن ما يحدث بحق المهاجرين في مراكز الإحتجاز يتم على يد الميليشيات والجماعات المسلحة التابعة للحكومة في العاصمة طرابلس، وأضافت أن دول الإتحاد الأوروبي عبر دعمها لخفر السواحل الليبي الخاضع لسيطرة الميليشيات أحد الأسباب الرئيسية لتدهور أوضاع المهاجرين وتعرضهم للتعذيب والعنف والإغتصاب.
هذا وبحسب التقرير فإن إحتجاز المهاجرين غير الشرعيين في ليبيا وسيلة تستخدمها الحكومة في طرابلس والميليشيات التابعة لها للإستفادة من الأموال التي يتم تخصيصها لمكافحة الهجرة الغير شرعية، وبالتالي فإن ترهيب المهاجرين المستضعفين وإستعبادهم وعملهم القسري وسجنهم وابتزازهم يدرّ عائدات كبيرة للأفراد والجماعات ومؤسسات الدولة، ويحفز على استمرار الانتهاكات.
مقرات ومراكز إحتجاز المهاجرين تقع تحت سلطة حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة وتتم إدارتها عبر الجماعات المسلحة التابعة لها والتي تتضمن ميليشيا جهاز الردع وجهاز دعم الإستقرار والتي شاركت مراراً وتكراراً في الإنتهاكات والتجاوزات التي تتم بحق المهاجرين وهو ما يجعل حكومة الوحدة المسؤول الأول والأخير كونها تغض النظر عن هذه الأفعال الشنيعة.
وتتلاعب حكومة الوحدة بإحصائيات وعدد المهاجرين، حيث أن الأدلة التي جمعتها بعثة تقصي الحقائق تدل على ان العدد الفعلي أعلى بكثير مما تدعيه حكومة الوحدة بالنظر إلى حقيقة وجود مراكز إحتجاز سرية تُديرها الميليشيات رفضت الحكومة الكشف عن مواقعها والسماح للبعثة بزيارتها.
كما أن حكومة الوحدة الوطنية تتغاضى تماماً عن الإتهامات الموجهة ضدها بل وتستمر في تقديم الدعم المادي والعسكري للميليشيات والجماعات المسلحة في العاصمة طرابلس وهو ما يقود إلى سوء الأوضاع في البلاد بصورة عامة وداخل مراكز الإحتجاز بصفة خاصة بل وتعمل على إستغلال هذا الملف لتحقيق مكاسب شخصية.
ففي مطلع الشهر الجاري سلمت الحكومة الإيطالية زورقين لخفر السواحل الليبي لمكافحة الهجرة الغير شرعية، وبالفعل قام خفر السواحل بإستخدام الزورقين لإعتراض أحد قوارب النجاة المتجه إلى إيطاليا وإلقاء القبض على المهاجرين وزجهم في أحد مراكز الإحتجاز الغير إنسانية بالعاصمة طرابلس.
الكاتب والصحفي الليبي أحمد خيري، يرى ان دول الغرب تُساهم بشكل كبير في معاناة المهاجرين غير الشرعيين القابعين في ليبيا وبدلاً من تحسين الخدمات وتطوير مراكز الإحتجاز، تُقدم الدعم اللازم لزيادة عددهم مقابل توقيع صفقات في مجال الطاقة والنفط، وبدورها تقوم حكومة الوحدة بإستغلال المهاجرين لنيل الدعم المادي والعسكري اللازم لميليشياتها وفي حال الرفض تقوم الميليشيات بإرسال المهاجرين عبر قوارب الموت نحو أوروبا لتستمر سلسلة المعاناة.