أحمد أسامة
عقد من الحروب والتناقضات والانقسامات بين الأطراف في ليبيا زاد من حدة أزمتها ورسّخ الهيمنة الغربية وخصوصًا الأمريكية في جميع النواحي السياسية والاقتصادية، فالولايات المتحدة الأمريكية باتت ترى ليبيا قلعة نفوذها الأخيرة في القارة الافريقية وفي الوطن العربي عمومًا بعد تجاوز النفوذ الروسي والصيني لها في المنطقة، وبذلك تحاول جاهدة حلحلة الأزمة والضغط على جميع النخب السياسية وتنصيب سلطة موالية لها في سدة الحكم.
وتستعين الولايات المتحدة الأمريكية برئيس الحكومة المنتهية الصلاحية، عبد الحميد الدبيبة، لتحقيق أطماعها في هذا البلد الغني بالثروات النفطية، وكيف لا؟ وهو أول سياسي يُسلم مواطن دولته إلى دولة أخرى، بسبب اتهامات لا تستند على دلائل في قضية مغلقة بشكل قانوني أساسًا، ولا يكلف نفسه بتوكيل فريق دفاع عنه أمام القضاء، ويكذب على شعبه في خطاب معيب بهدف تبرير فعلته التي لم يسبق أن حدثت في التاريخ.
وهذه الحادثة تحديدًا (اختطاف وتسليم حكومة الدبيبة للمواطن الليبي أبو عجيلة مسعود المريمي للولايات المتحدة الأمريكية) شكّلت نقطة فارقة في العلاقات بين الدبيبة و واشنطن، التي رأت فيه شخصًا مناسبًا لتسليمه البلاد وثرواتها دون الشعور بالقلق، فهو أثبت بانه مستعد لنقض جميع الاعراف والقوانين، والتضحية بكل ما هو ليبي مقابل دعمها له للوصول إلى كرسي الرئاسة، وهو ما تمهّد له واشنطن حاليًا.
فقد لمحت الإدارة الامريكية مؤخرًا بما عده مراقبون “رفضًا ضمنيًا لمطالب بعض الأطراف السياسية الليبية بشأن تشكيل حكومة جديدة للإشراف على إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة، بدلاً من حكومة الوحدة (المؤقتة) برئاسة عبد الحميد الدبيبة”، إلى ضرورة بقاء حكومة الدبيبة للتمهيد للانتخابات الرئاسية التي يتم العمل عليها الآن سواء من طرف المبعوث الاممي عبدالله باتيلي، أو من قبل الساسة الليبيين المتمثلين بمجلسي النواب والدولة.
هذا التلميح الأمريكي وصفه البعض بـ”خطوة مفاجئة” تعني للمرة الأولى اعترافاً أمريكياً باستمرار الدبيبة وحكومته للإشراف على الانتخابات، حيث جاء ذلك عندما استغلت مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف، اجتماعها الأخير مع الدبيبة للإعلان عن “دعم بلادها لجهود عبد الله باتيلي، رئيس بعثة الأمم المتحدة”، والتي قالت فيه: “إنها تهدف إلى تشكيل حكومة موحدة من خلال إجراء انتخابات في الوقت المناسب”.
ولدعم موقفها السياسي والدبلوماسي في البلاد، تحاول إيجاد مبرر قانوني للتدخل عسكريًا في ليبيا وإقامة قواعد جوية وبحرية فيها على غرار حليفتها تركيا، فقد انتشرت انباء مؤخرًا على عزم واشنطن تصنيف الملف الليبي كملف أمن قومي للولايات المتحدة الأمريكية، والعمل على تجهيز قوة مشتركة محلية وأمريكية بإشراف مباشر من قيادات الأفريكوم، ودعمها بالكامل من سلاح جو التابع له، وبالتالي تحقيق اختلال في توازن القوى بين المعسكرات المتحاربة في ليبيا، وضحد أي مشروع عسكري مباغت من معسكر شرقي ليبيا لعرقلة خططها.
ويحذر المراقبون من الاهتمام المتزايد لأمريكا بليبيا في الآونة الاخيرة، والمخاطر التي قد تنجم عن ذلك، مشيرين إلى أن تصريحًا واحدًا من طرفها، سمح لعبد الحميد الدبيبة بالبقاء في السلطة لأكثر من عام، بالرغم من انتهاء صلاحية حكومته شرعًا وقانونًا.