كتب أحمد أسامة
بعد أن دب اليأس إلى نفوس كل الليبيين من فرصة العبور من نفق أزمتهم الطويل في أي قطار مفاوضات يركبه رئيس مجلس النواب عقيلة صالح وخصمه اللدود رئيس مجلس الدولة خالد المشري، بدأت بعض الأطراف من خارج مجلسيهما الترتيب لخطط بديلة بعيداً من مناكفاتهما التي طالت أكثر مما تحتمله المرحلة الحرجة. و يعتبر اختزال الأزمة الليبية في «خلاف» دائم أو «اتفاق» نادر الحدوث حول ما يسمى «القاعدة الدستورية» هو تضليل حقيقي لطبيعة الأزمة وحقيقتها في ليبيا، فالأزمة مركبة بتعدد هوياتها من خلاف حقيقي بين من يرغب في العيش السلمي في دولة وطنية بجغرافيا محددة بحدود الوطن وبين من يريد دولة بنكهة الاغتيالات والقتل والسحل والذبح كنسخة «داعش»، فالخلاف في ليبيا كان بين تناقضات هوية وطنية، ففي ليبيا الإسلام السياسي جلب المرتزقة والمقاتلين الأجانب للاستقواء بهم وترهيب الوطنيين، بعد أن أيقن عرابو الإسلام السياسي أن لا مكان لهم في ليبيا إلا بالاستقواء بالمرتزقة والمقاتلين الأجانب وهذا ما حدث فعلاً. حيث يعتبر اتفاق مجلس النواب على «قاعدة» دستورية من مائتي مادة هو بدعة سياسية وقانونية، فمشروع القاعدة الدستورية المقدم من مجلس الدولة، هو محاولة خبيثة لخلط الأوراق وتمرير مسودة الدستور المعطلة عبر ما سمي «القاعدة الدستورية» التي هي استنساخ لمسودة الدستور التي رفضها العديد من الأطراف السياسية، وما إعادة إنتاجها مجدداً عبر خديعة «القاعدة الدستورية» إلا إحدى محاولات الإسلام السياسي وخاصة جماعة «الإخوان» التي تسعى إلى إنتاج دولة «ثيوقراطية» في ليبيا تكون نواة لدولة المرشد التي تتقاطع فيها مع من تبقى من التنظيم العالمي الذي شهد سقوطاً مروعاً في الجوار الليبي في مصر وتونس، مما جعل التنظيم العالمي يسعى إلى محاولة إقامة دولة المرشد في ليبيا لاستعادة ما فقد في جوارها من حكم عبر استغلال أموال ليبيا للتآمر وشراء ضعاف النفوس والمخربين. الأزمة في ليبيا أكبر من «خلاف» مفتعل بين مجلسي النواب والدولة حول بدعة «القاعدة الدستورية»، بل هي عميقة متجذرة خلطت الأوراق فيها التدخلات الأجنبية بينما الشعب البسيط الذي سئم من رؤية وجوه السياسيين القابعين على رأس السلطتين التشريعية والتنفيذية، يقف محتاراً تائهاً، استمرار وعودة الخلاف، هو بمثابة العودة إلى الحالة الصفرية، واستمرار حالة الوصاية واستمرار الخلاف الدولي على رؤية حل في ليبيا، هي مجتمعة ما يعرقل أي توافق ليبي – ليبي لحل الأزمة محلياً، والقاعدة الدستورية لن تكون مفتاح الحل، بل ستكون بداية عملية جديدة لخلط الأوراق والعودة لنقطة الصفر. فمجلس النواب ومجلس الدولة يحاولان وضع خطة تسمح لأجسامهم السياسية بالاستمرار حتى ولو نجحت الانتخابات، وبينما رئيس الحكومة في طرابلس عبد الحميد الدبيبة، يبيع البلاد قطعة تلو الأخرى لدعم موقعه في السلطة، والمشير خليفة حفتر لن يتنازل عن منصبه حال نجاح شخصية سياسية أخرى بالوصول إلى رئاسة البلاد، وهذه الانتخابات مجرد مضيعة للوقت. فالحل الجذري للأزمة يبدأ مع تجريد جميع الأجسام السياسية من نفوذها العسكري وحصر السلاح بيد الجيش وإقصاء جميع السياسيين ذوي المناصب، وفقط في هذه الحالة يمكن أن يبدأ عمل جاد لاستعادة البلاد من الفوضى ومن الدول الخارجية التي تحاول تقاسم النفط الليبي فيما بينهما