علينا أن نختار مابين المعارض المثقف والمعارض الجاهل او الأحمق.
ونتساءل، هل نظم التعليم في الدول التي تطبق الديمقراطيه الشعبيه، وتحترم الإنسان وحقوقه، هي نفسها تلك النظم في دول لم تعرف الديمقراطيه إليها سبيلا حتى يومنا هذا برغم الحداثة والتطور!
هل تستطيع الدول المعسكرة، التي تقوم على أشلاء الإنقلابات ومتغيرات سياسية سلطوية، بالسلم او القوة، أن تطبق الديمقراطيه أو تضيفها للتعليم كأحد المواد الهامة، أو بالمواد التي من شأنها رفع كفاءة الوعي والإستيعاب المجتمعي وتنمية الذات!
وهل لا زالت العملية التعليمية عدوا للديكتاتوريات، و مصنعا مولدا لأجيال ترفض الرق والإستعباد والتهميش!
و بالماضي الذي ليس ببعيد خير شاهد على العلاقة العكسية بين نظم التعليم والديمقراطية وفي ثورة اليمن على إمامها وفي الكونغو على حاكمها العسكري وفي باكستان الإنقلابية، والحرب الأهلية في منتصف دول أمريكا اللاتينية إبان فترة سبيعينات القرن الماضي، شواهد تاريخية كثيرة تؤكد على علاقة عكسية تماما بين النظم الديكتاتورية ونظم التعليم.
بداية قبل أن يغرب ذهن القاريء، لإستقراء ما سيلي ويضعه في سلة المعارضة او التأييد لنظام سياسي ما، نحن هنا بصدد الحديث عن التجربة السياسيه من وحي التاريخ القريب، وأحداث التاريخ متعددة زوايا الرؤية وما علينا سوي الذكر والتأويل حسبما ورد إلينا.
في العام ١٩٦٨ الموافق الثاني من شهر أكتوبر بالمكسيك، قامت الحركة الطلابية من جامعات الوطنية المستقلة، والمعهد الوطني للفنون التطبيقية والجامعة الأيبيرية الأمريكية، وجامعة لاسال وجامعة بويبلا المستقلة وجامعة أونام unam، وجامعة ipn، وكلية المكسيك ومدرسة الزراعة تشابينجرا، في تمام الساعة الرابعة عصرا بالإحتشاد والإعتصام في ساحة قصر الحضارات الثلاث بالعاصمة المكسيكية.
أعلن قادة الطلاب عن إنشاء مجلس إضراب وطني ثم بدأت كل فئات الشعب في الإنضمام إليهم، أباؤهم وأمهات الطلاب و أساتذتهم، و الفلاحون من المدن القريبة والضواحي الذين طالما عانوا جميعا من الإستبداد السياسي.
تلا ذلك إعلان قائمة من المطالب الإصلاحية التي تخص نظم التعليم و مطالب أخرى تنادي بالإصلاح السياسي والمجتمعي وبعض الحريات وتعديلات بالدستور والقانون.
وبعد أقل من النصف ساعة على إعلان المطالب، جاء رد الحكومة!
فوجيء الجمع بمتسللين من الشرطة المكسيكيه بلباس مدني يطلقون النار على قادة الطلاب وسط الميدان و طائرات عمودية تقصفهم بالقنابل المضيئة حتى تتكشف وجوه من أرادو قنصه من مسافات قريبة، فيما يعرف بإسم مذبحة تلاتيلولكو.
من الأسباب التي أشعلت الموقف في ذلك الحين، أن المكسيك كانت تستعد لإستقبال دورة الألعاب الأولمبية كأول دولة نامية تستقبل تلك الدوره، حيث أنفقت الملايين على استعدادات ومنشآت للدورة على حساب أولويات رآها المتظاهرون في حينه على أنها الأهم والأولى بالنفقات والإهتمام.
راح ضحية المذبحة ما بين ٢٠٠ إلى ٣٠٠ قتيل وسبعمائة جريح وآلاف في السجون المكسيكية، أفرج عنهم لاحقا بضغوطات دولية واستنكار شعبي لرد الفعل الحكومي الفج وقرار إطلاق النار الحي الذي اتخذة الرئيس جوستاف دياز أورداز( 1911- 1979)، المحامي والسياسي المدني.
منذ ذلك الحين يتذكر المكسيكيون ذلك التاريخ في الثاني من أكتوبر كل عام و يضيئون الشموع لأرواح قتلاهم تحت شعار، 2de octubre no se olvida, لن ننسى الثاني من أكتوبر.
قدم الرئيس جوستاف إستقالته بعد مذبحة تلاتيلولكو بعامين في ٣٠ نوفمبر من العام ١٩٧٠ بعد أن داهمة سرطان القولون الذي ظل يعاني منه حتى وفاته في ١٥ يوليو ١٩٧٩م عن عمر يناهز ٦٨ سنه.
محمد الشريف
[email protected]