ابراهيم مراد يكتب//مؤتمرالمناخ علي ارض مصر والتطلعات الي افاق المستقبل..

 ان التحرك المصري لتحقيق “التوافق المناخي، ربما انطلق من الداخل، عبر اعتماد ما يمكننا تسميته بـ”الاستراتيجية الخضراء”، والتي وضعت في الاعتبار البعد البيئي في كافة المشروعات التي أطلقتها الدولة المصرية، في السنوات الأخيرة، في إطار خطة واسعة تهدف في الأساس إلى تحقيق التنمية المستدامة، والتي تعتمد المعيار البيئي كأحد أهم الأسس التي باتت ترتبط بعملية النمو الاقتصادي، على اعتبار حقيقة مفادها أن “مهادنة” الطبيعة من شأنه ضمان استمرارية النمو، والحفاظ على حقوق الأجيال القادمة، وهو ما يبدو مختلفا إلى حد بعيد عن المعايير التقليدية، والتي تبنت فيها دول العالم المتقدم سياسات شرسة، لتحقيق “طفرات” رقمية، في خانة النمو الاقتصادي، دون مراعاة لحقوق الدول الأخرى، أو حتى لفرصة أبنائهم في “حياة كريمة”.

ولم يقتصر التحرك المصري نحو احترام المعايير البيئية على مستوى التخطيط والإدارة، وإنما امتد إلى الشارع، عبر حملات التوعية التي طلقتها العديد من المؤسسات الحكومية بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني، للوصول إلى كافة الفئات داخل المجتمع المصري، بدءً الطلاب في المدارس، وحتى العاملين في مختلف المواقع، في إطار السعي الدؤوب نحو تفعيل “الشراكة”، على النحو الذي سبق وأن أشرت إليه في مقالات سابقة، بينما يمثل انعكاسا صريحا لنهج الدولة القائم على الحاجة إلى تحقيق “توافق مناخي” دولي، انطلاقا من الداخل، عبر تحقيق “تجربة” مصرية رائدة، بعيدا عن لغة “التنظير” التي ينتهجها أصحاب المصالح المتعارضة في مختلف المحافل الدولية، دون الوصول إلى حلول من شأنها احتواء “الصراع مع الطبيعة.”

ولعل استثنائية “التجربة المصرية” في تحقيق “التوافق المناخي” تتجلى في انطلاقها من الداخل، في ظل أوضاع اقتصادية صعبة، وصراعات دولية، دفعت بعض القوى إلى انتهاج سياسات من شأنها “إفقار الجار”، وبالتالى توجه دول كبرى، ليس فقط نحو التراخي أو التخلي عن التزاماتها المناخية، وإنما وصلت إلى حد الإعلان عن ذلك جهارا، رغم ما يمثله من حرج دولي كبير، على غرار انسحاب الولايات المتحدة خلال عهد إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب من اتفاقية باريس، قبل العودة إليها مجددا مع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، وكذلك توجه بعد دول أوروبا الغربية إلى العودة إلى الفحم، مع تفحل أزمة الطاقة العالمية إثر الأوضاع في أوكرانيا، والنقص الكبير في إمدادات الطاقة نتيجة الإجراءات التي تتخذها موسكو قبل حلول الشتاء، والذي يتوقع قطاع كبير من المحللين أنه سيكون الأصعب على مواطني القارة العجوز منذ سنوات.

وبالتالي تبقى تحركات الدولة المصرية، نحو تحقيق “التوافق” تقوم في الأساس على الترويج لتجربتها الرائدة في الداخل، بين الدول في محيطها الإقليمي، في حين تعتمد نهجا يعتمد على إقناع الدول المتقدمة في حقها نظيراتها النامية في تحقيق التنمية، بينما تحمل مسارات أخرى، عبر المشاركة في العديد من الاجتماعات الدولية، سواء على مستوى الدول، أو مع مؤسسات التمويل الدولي لدعم الدول الفقيرة والصغيرة نحو الالتزام بالمعايير البيئية، رغم التحديات التي تواجهها، بالإضافة إلى منظمات المجتمع المدني في مختلف دول العالم، في امتداد للرؤية القائمة والمطبقة في الداخل.

ويعد إشراك المنظمات الدولية غير الحكومية، ومنظمات المجتمع المدني، في الحوار مع المسؤولين الحكوميين، في ذاته أمرا جوهريا، يساهم في حل أزمات الداخل في مناطق أخرى، بعيدة عن النطاق الجغرافي لمصر، إذا ما وضعنا في الاعتبار الكيفية التي تتعامل بها مثل هذه المنظمات، في الحشد للاحتجاجات، دفاعا عن البيئة، وبالتالي يبقى الحوار هو السبيل للوصول إلى أرضية مشتركة بين المستويين الرسمي وغير الرسمي في إطار الرؤية القائمة على التوافق.

فلو نظرنا إلى المشاركات المصرية في الاجتماعات الدولية المرتبطة بالمناخ، نجد أن ثمة لغة واضحة تقوم على الدفاع عن محيطها القاري والدولي، فيما يتعلق بحقها الأصيل في تحقيق التنمية الاقتصادية، بينما في الوقت نفسه تسعى للتوافق مع القوى الكبرى حول مبادئ تهدف إلى الالتزام المتبادل، مهما كانت التحديات، التي تواجه العالم، وهو ما يبدو في الاجتماعات التي شاركت بها على المستوى الأوروبي، كما هو الحال في حوار بطرسبرج في برلين، أو من قبله فى قمة محيط واحد، في فرنسا، كما تقدم نفسها كنموذج مهم، من حيث قدرتها على التركيز على البعد البيئي رغم الظروف التي مرت بها الدولة، خلال العقد الماضي، ناهيك عن توحيد المواقف الإقليمية والقارية خلال الاجتماعات، التي تشارك بها، سواء على المستوى العربي أو الإفريقي.

وهنا يمكننا القول بأن “التوافق المناخي”، بحسب الرؤية التي تتبناها الدولة المصرية، تعتمد في الأساس مسارات عدة، أولها على المستوى الداخلي، عبر تنمية الوعي بأهمية القضية وخطورة تداعياتها، بينما يعتمد المسار الأخر على التوافق بين الدول أعضاء المجتمع الدولي للوصول إلى أرضية مشتركة، بينما يقوم مسار ثالث عن تحقيق التوافق الداخلي لدى الدول الأخرى، عبر إشراك المنظمات غير الحكومية في الحوار مع المسئولين الرسميين، ناهيك عن مسار رابع يعتمد على إشراك منظمات التمويل الدولي، للمساهمة في دعم الدول النامية للتحرك على مسار التنمية جنبا إلى جنب مع المسار البيئي.

بقلم//رئيس التحرير……….

Related posts

Leave a Comment