كتب: ميادة محمد أحمد
لقد خطَّت اللغة العربية لنفسها شهادة تؤكد عبقريتها وقدرتها المتجددة على التطور، فقد كانت لغة الإبداع العربي ،ولغة الإعجاز الإلهي بعد، وقد استوعبت كتاب الله تعالى وسنة نبيه – عليه الصلاة والسلام- واستوعبت حضارات مختلفة، وعلومًا شتى؛ حتى تنبأ لها غير العرب بالخلود “ولمَّا سُئل جول فرن عن سرِّ اختياره للغة العربية قال: إنَّها لغة المستقبل، ولا شكَّ أنه يموت غيرها، وتبقى حية “.
وظلت العربية على مر العصور حافظة لكيانها، ولم تجرِ عليها عوامل الفناء والانحلال كغيرها من اللغات، فما السرُّ في ذلك؟
لا شك أنَّ اصطفاء الله تعالى لها لتكون لغة أعظم الأديان قاطبةً يفسر جانبا كبيرا من هذا السرِّ، بيد أنَّ هناك عوامل أخرى ضمنتْ للعربية البقاء، وهذه العوامل تعود إلى سمات اللغة العربية نفسها، وربما هي التي أهلتها لتكون لغة التنزيل: “وقد يتبادر للذهن مباشرة أنَّ العربية لم تمتْ لأنَّها لغة دين، وهذا صحيحٌ، لكن يبقى السؤال ملحًا: لماذا ماتتْ الآراميةُ وهي لغة المسيح – عليه السلام- وهي أيضا لغة دين؟ إذ هي لغة الإنجيل وبها نزل، بل ولماذا تراجعتْ العبرية وهي لغة التلمود والتوراة؟ “
فهناك إذًا لغات ماتتْ رغم ارتباطها بدين، أو انحسرتْ في الطقوس الدينية فحسب، وهو ما لم يحدث للعربية، غير أنَّ تعليل بقاء العربية بكونها لغة القرآن أمر قد لا يقنع به غير المسلمين، فما الذي تحمله العربية بين جوانبها ضمن لها البقاء، وصانها من الموت أو الانحسار؟
لقد اجتمع للعربية من السمات ما لم يجتمع لغيرها من اللغات، وأبرزها:
– ثراءُ العربية وغناها بالمفردات: فقد حوتْ معاجمها ملايين المفردات؛ مما حدا بعلمائها إلى إفراد مؤلفات خاصة بأسماء الشيء الواحد، مثلما ألف ابن خالويه كتاب “أسماء الأسد”، و”أسماء الحية”، و”أسماء الريح”.
كما أنها أغنى الساميات من حيث الأصول، إذ تشتملُ على جميع الأصول التي تشتمل عليها أخواتها السامية أو على معظمها، وتزيد عليها بأصول كثيرة .
وحسبي أن أشير كدليل على سعة العربية إلى أمرين:
أولهما: أن عدد الألفاظ المستعملة من اللغة العربية تبلغ خمسة ملايين وتسعة وتسعين ألفًا وأربعمائة لفظ، من جملة ستة ملايين ستمائة وتسعين ألفًا وأربعمائة لفظ.
ثانيهما: أنَّ معجم “لسان العرب” لابن منظور يحتوي على أكثر من سبعين ألف مادة لغوية، ورغم هذا فهو معجم متوسط إذا ما قيس ببعض المعاجم المطوّلة كتاج العروس للزبيدي.
– الثبات: فاللغة العربية تتسم بالثبات، وليس المقصود بالثبات أنها جامدة، لكنها في الحقيقة متطورة مرنة بشكل يجعلها صالحة لكل العصور، فهي تُجدِّد نفسها وفقا لمتطلبات كل عصر.
–