البروفيسور الدكتـور الشريف علـي مهـران هشـام
الحج أحد أركان الإسلام الخمس , وقد فرضه الله على القادرين مرة في العمر , ومن زاد فهو تطوع ، وجعل الله تعالي فيه للمسلمين منافع دينية ودنيوية كثيرة والحج تعبد لله عز وجل بأداء المناسك على ما جاء في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . أركان الحج أربعة: الإحرام ( هو نية الدخول في النسك – إنما الأعمال بالنيات )، والوقوف بعرفة ( لقوله تعالي: فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَر الحرام – البقرة:198 , وقوله صلى الله عليه وسلم: الحج عرفة )،
وطواف الإفاضة ( لقوله تعالى : ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ – الحج: 29)، والسعي بين الصفا والمروة ( لقوله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ الله فمن حج البيت أو أعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم : البقرة: 158) . وهذا قول المالكية والحنابلة وهو الراجح عند جمهور العلماء لثبوت الأدلة في ذلك وعند الشافعية خمسة أركان: الإحرام، والوقوف بعرفة، والطواف والسعي، والحلق أو التقصير ( لقوله تعالي : : لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ – الفتح : 27) , يقول بعض العلماء: وإذا عبر بجزء من العبادة عن العبادة كان دليلاً على وجوبه فيها0 ، فلا تفيد الآية ركنية الحلق أو التقصير بل تفيد الوجوب فقط.
والحج عند الحنفية ركنان فقط هما: الوقوف بعرفة، وطواف الإفاضة .
الحج عرفه فمن أدرك عرفة في شيء من هذا الوقت وهو عاقل , فقد تم حجه . يوم عرفة يوم مبارك ، فيه من البركات والطيبات والنفحات ما ينزل على الكل وليس على حجاج بيت الله فقط ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا – ال عمران :97ا ( , ( وأتموا الحج والعمرة لله – البقرة : 196(
قال صلي الله عليه وسلم : { من شهد صلاتنا هذه , ووقف معنا حتى ندفع , وقد وقف بعرفة , قبل ذلك ليلا أو نهارا , فقد تم حجه , وقضى تفثه } يقول الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم ” خير الدعاء دعاء عرفة وخير ما قلته أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله “، فهذا يوم يستحب الإكثار فيه من ذكر الله وتحميده وتكبيره وقول لا إله إلا الله.
إن رسول الله صلي الله عليه وعلي ال بيته وسلم حج مرة واحدة ( وهذا لحكمة إلهية ) ، وخطب خطبة الوداع في هذا اليوم، وهي خطبة عظيمة فيها أسس الإسلام والقواعد التي ينبغي علي العباد أن تتمسك بها، كما أن فيها قضية وروح المساواة بين البشر جميعًا، وتتجلي في وقفة عرفات ( كل الحجيج بزي واحد , لافرق بين غني وفقير أوصاحب جاه أو علم , إنه مشهد مهيب , الكل يرفع أيدي التضرع والتذلل لله الواحد الأحد الفرد الصمد ذو الملك والسلطان ذو الجلال والإكرام ) و للحج معان كثيرة وعميقة تجمع الرحمة والعدل والتواضع والمحبة والتعاون والتكافل والخير للإنسانية جميعًا.
أجر المسلم والحاج يكون على قدر إخلاصه لله عز وجل، وإجتهاده في العبادة والطاعة لله وإخلاص النية والرضا بقدر الله والشكر علي النعم والصبر علي نوائب ومصائب الدنيا. إن الإثابة على الحج أمرها موكول إلى الله سبحانه وتعالى، فهو الذي يضاعف الثواب لمن يشاء ويقدر .
الإسلام يحثنا دائمًا على أن تكون كل أفعالنا وأقوالنا وسمعنا، وكل ما نفعله عمومًا أن يكون في الخير، والله سبحانه وتعالى يقول: (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ- الحج: 77) ، كما يحثنا على الصلاح والتشاور والتعاون على البر والتقوى، كل ذلك يمثل منظومة متكاملة في نطاق التشريع، بحيث إذا اتبع الإنسان تلك الخطة وهذا البرنامج في العشر الأوائل من شهر ذي الحجة نال خيرها، فعلى الإنسان أن ينشغل بالعبادة فيها، ويقتنص هذه الفرصة التي قد لا يدركها مرة ثانية، فهذه الأيام فيها من الرحمات والبركات الكثير . يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ” ما من أيام العمل فيها أحب إلى الله من هذه العشر، قيل: ولا الجهاد في سبيل الله، قال: ولا الجهاد إلا رجلًا خرج بنفسه وماله ولم يعد بشيء من هذا كله” . لقد أقسم الله تبارك وتعالي بهذه الليالي العشر ” وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ – الفجر: 1، 2 ” – ومن المعلوم أن الله لا يقسم إلا بما هو عظيم.
وخلاصة القول , الحج بمناسكه والوقوف بعرفه , مشهد إنساني وخشوع عظيم فيه يباهي الله بعباده ملائكته وفيه يتساوي الناس في الشكل واللون والمضمون ويتجردون من كل متاع الدنيا وزخرفها وإغراءتها ,والعمل الصالح والنافع والاخرة جل همهم , ويدعون ويتذللون لله . نعم, الله أكبر الله أكبر الله أكبر , لا اله إلا الله, الله أكبر الله أكبر ولله الحمد . علي كل حال, في عام 1997 م ، بعد وقوع الحادث المأساوي المعروف بأسم ” حريق مكة ” ، أقترحت وأوصيت في دراسة علمية في أحد المؤتمرات الدولية إقامة مدينة للخيام مستمرة ودائمة وبتخطيط هندسي وعلمي وبيئي تحقق التجانس والتناغم المعماري (FUNCTION FORM ) الوظيفة والجمال والسلامة والأمان والراحة وتتوافق مع الطابع البيئي والروحي للحج والحجيج , كما أقنرحت إيجاد وسيلة حديثة ومتطورة لتنقل الحجاج بين المشاعر المقدسة لتفادي الزحام وحالات ضربات الشمس والمخاطر والحوادث المفاجئة ( حيث أنني أديت فريضة الحج في وقت غلب عليه زحام ومناخ بيئي صعب جدا , ولكن علي قدر المشقة يكون الثواب والجزاء ), ولله الحمد والفضل أن تحققت توصياتنا ورأينا الخيام البيضاء في مشعر مني (الخيمة مقاومة للحريق ومكيفة مع توفير مرشات مياه حساسة للحرارة
وأنظمة إنذار وذلك حفاظا على سلامة الحجاج وتقسم الخيام إلى معسكرات مختلفة مجهزة بمطابخ ودورات مياه وأماكن للوضوء ومسارات مخططة لتسهيل
الحركة والتنقل , أما القطار فأصبح واقعا , ويتنقل في المشاعر المقدسة ويحقق إنسيابية وأمان لضيوف بيت الله ( ينقل أكثر من مليون حاج ) .إن لوحة الحج ووقفة عرفات هي تجسيد لمشهد روحي وإيماني عظيم تعجز الكلمات عن نقله .
اللهم إنا نسالك الدعاء ياذا الجلال والإكرام يا كريم يا عفو يا رحيم أن تجعل ثواب هذا العلم والعمل النافع صدقة جارية لي ولوالديا كما ربياني صغيرا . والله المستعان,,,