بقلم/ دكتور عماد السيد ابوحسن..
يشعر كثير من أولياء الأمور بحالة الضيق التي تتملك الأولاد في مرحلة الطفولة والصبا حتى مرحلة الشباب إذا ما كُلّفوا بعمل فيه مصلحة لهم ، ناهيك عن طلب شيء منهم لغيرهم حينئذٍستجد سيلاً من الأعذار والحيل التي لا تنتهي، وإذا ما خلا بهاتفه ” المحمول “تعلوه البسمة ويغيب عن العالم الذي حوله ولا يأبه بأي شيء سوى ما يتابعه.
نتج عن هذا جيل غالب حاله الكسل وضعف العزيمة والأنانية وقلة الخبرة وضياع الهدف وفقدان الشخصية إلا من رحم ربي ، ـ لست هنا أعمم لما في التعميم من ظلم بيّن لكثير ممن أكرمهم الله بالصلاح والهداية ـ.
السبب الناجم عن هذا في رأيي المتواضع: لأنهم لا يعملون شيئاً ولا يريدون أن يعملوا وليس لديهم رغبة في أن يتعلموا كيف يعملوا.
ونحن أمام الله مسؤولون عن تقصيرنا في تهذيبهم وتعليمهم وتوجيههم الوجهة الصحيحة ، ثبت وصح عن عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما – أن الرسول – صلى الله عليه وسلم- قال: كُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والأمِيرُ راعٍ، والرَّجُلُ راعٍ على أهْلِ بَيْتِهِ، والمَرْأَةُ راعِيَةٌ على بَيْتِ زَوْجِها ووَلَدِهِ، فَكُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ. رواه البخاري.
هذا الوضع الذي ساد غالب بيوتنا تظهر نتيجته حتمًا عند بلوغهم سن التكليف ومرحلة الشباب، لن تظهر جليةً في مرحلة الطفولة والصبا، ستكون نتيجتها: بنت غير صالحة للزواج ومسؤولياته وهذا سبب رئيسي في كثرة حالات الطلاق المبكر.
وولد غير صالح لتحمل أعباء الزواج هو الآخر. لأنه ببساطة : *غاب عن تحمل المسؤولية لمدة عشرين عاماً على الأقل، والمسئولية هي مجموعة خصال وقدرات إذا لم تبنى وتزرع مع الزمن فإنه من الصعوبة بمكان استعادتها بعد بلوغه هذه السن. ، والانضباط ممارسة يومية لا يمكن أن تقرر أن تنضبط في عمر متأخرة لكي يحدث الانضباط. وبلا انضباط لا يمكن أن تستقيم حياة.
فالطفل الذي يرمي حقيبته بجانب أقرب جدار في المنزل سيدفع ثمن هذه اللامبالاة حينما يكبر ومن أصعب الأشياء تغيير الطبائع والسلوك.
لا تسرفوا فى تلبية مطالب الرفاهية للأبناء فيملوا ويسأموا، فإذا سئموا ساء خلقهم وارتفعت أصواتهم ودمروا حياتهم وحياة من حولهم بالتبعية وحينئذٍ لا ينفع ندم على ما فات ولن يُجدي البكاء على اللبن المسكوب حلّاً.
ويتساءل الآباء و الأمهات لماذا هم ساخطون ونحن لرغباتهم ملبون ؟!!
والجواب :
*لأنكم حرمتموهم من لذة الكد و السعي لتحقيق الأهداف فصارت الحياة بلا طعم ولا معنى، لأنكم حرمتموهم من قسوةٍ لازمة وواجبة ليشتد عودهم وتقوى سواعدهم وتنشط أذهانهم، ولم تعلموهم الإيثار ليضحوا من أجل غيرهم فيتركوا الأنانية التي تملكتهم، حققتم أحلامهم أو تحاولون قبل أن يبلغوا الحُلُم فصارت نفوسهم جافة قاسية، لأنكم حرمتموهم من لذة العلم والإيمان فخربت القلوب.
*غيروا سياسة التربية ، غيروا فكرة لا أريد ان يشعر ابني بأنه محروم من شيء، واجعل حياة ابنك – بنتك – مليئة بالأهداف ، والحركة ، و السعي لنفع الناس، ربوهم على أن قيمتهم في نفعهم لغيرهم وليس في قيمة الجوال الذى يمتلكه، والسيارة التي يركبها، وماركة التىشيرت والنظارة، علموهم أن القدوة ليست في نجوم المهرجانات ولا نجوم الرياضة الذين يتقاضون الملايين ويركبون أفخم السيارات ويسكنون في الفلل والشاليهات.
قيمته في تزكيته لنفسه بالعلم النافع والعمل الصالح والخلق القويم، قيمته في عبادته لربه وبره بوالديه وإحسانه لجيرانه و للناس.
اعلموا يرحمكم الله أن جذور التربية مريرة لكن ثمارها حلوة، ومن أدّب ولده صغيرا سُرّ به كبيرًا.
ألا فلتعلموا يقينًا أنه من لا يتعب لا يحس بطعم الراحة، ومن لا يجوع لا يحس بطعم الأكل.
هذا السيناريو هو السائد في معظم البيوت إلا من رحم ربي .
رحم الله والدينا وأموات المسلمين جميعًا فرغم أمّيتهِم إلا أنّهم بذلوا جهدهم الفطري في حُسن تربيتنا .
اللهم أهدنا واهدي أولادنا ما فيه الخير في الدنيا والآخرة ، إنه سميع مجيب.
والله من وراء القصد.