كتبه -ياسين إزاز
من إرتريا
ضاع مني شخصي … الآن حانت ساعة البحث عن شخصي الضائع، عن شيء لا أستطيع امتلاكه ولا أستطيع أيضا الاقتراب منه، السراب.
مهما كنتَ بحاجة إلى السند، لا تستند بظهرك مائلا على أحد، هناك من يرغب في أن يراك متقوسا متعرجا … دون أن يقدم شيئا كي يعينك على استقامتك. إذا عانيت من الفقر، فتذكر أن غيرك يعاني من المرض … وإذا أتعبك المرض فلا تنس أن غيرك قد فارق الحياة! يجب أن نكون شاكرين على ما نملك، لأننا منحنا إياه دون أن نطلبه.
لأمد بعيد كنتُ اكتوي ألماً وأسى، قابعا في عتمتي، عازلا نفسي عن أبناء جلدتي. ومعي شخص آخر، وهو الآخر عازل نفسه عن بني جلدته، وكلما أردت أن أفضفض جلستُ أمامه، فيصغي إليّ بصدر رحب، ويشاركني جل أحزاني.
كان هذا حالي رغم شحوب الأيام، حتى أبصرتُ -على حين صدفة- من نافذتي بقدر ما تسمح لي رذاذ المطر الذي يكسوها، طفلا يحبو … استوقفتني عبارة دندنتُ دون إرادة:
تسلح بالأمل!
الأمل هو الومضة التي تبرق بين برهة وأخرى، كي تدلنا على المسار الصحيح لنقترب من غاياتنا السامية.
هذه الكلمات بالذات لها وقع لا يضمحل، جعلتني أقفز من مخدعي … أن أهجر الوحدة التي تلازم كينونتي، لا كالخائف الذي يهرب من موضع الخطورة، بل قفزة الواثق الذي يود ملامسة حلم كان يراقبه عن بُعد. هالة غبطة قادمة مثل اصفرار الشمس في الأفق البعيد، يرقد بيننا البحر حائلا دون الاقتراب منه. ومع ذلك، لم تتمنع علينا رغباتنا. نقف على ساحل، نريد أن نعبر البحرَ قاصدين الساحل الآخر، ليس لشيءٍ، إنما لأن تلامس أناملنا المخضبة باليأس خيوط الشمس التي توهمْنا أننا لا يكون لنا منها نصيب، والتي تسحر ناظرنا بشبقها المستترُ بعدا. إننا نثق جدا من ملامسة تلك الخيوط الوهمية التي صاغتها مخيلتنا، فنشرع بتحقيق الحلم، حتى نغدو نلامس الأمل الكامن في دواخلنا.
فإن الطفل الذي كانت والدته ترميه إلى الأعلى، ثم تمسك به واضعة يديها بين إبطيه، فتعاود تكرارها، والطفل ما يزال تتناوب بالحضور على وجهه ابتسامة. هذه ليستْ ابتسامة فرح لأن والدته تلاعبه، لكنها ابتسامة رضى وثقة بأن والدته لم تسقط أبدا. هذه الثقة تولد الأمل … والأمل يولد الحياة، ولا حياة دون أمل!
إن الأمل الذي نمنحه لغيرنا يستطيع أن يُبقي على حياة أحدهم، أو أن يعيده من حافة الموت -لم أقصد المعنى الحرفي للموت- ويستطيع أن يهب الحياة لمن أوْشك على معانقة الهابي.
فإذا افترضنا أن زهرة قاربتْ على الذبول، فإنها، وبكل ما أوتيت من مقاومة، تهِبُ الأمل لقطوفها. فنلاحظ أن قطوفها تنحني ثقلا، وبتلاتها تحافظ على قطرات الماء، لتبعث أملا لجذورها كي يستعيد الحياة من جديد. ألسنا نحن -البشر- أوْلى من التمسك بخيوط الأمل أكثر من أعضاء الشجرة التي تعمل بكدٍ لتبقي جذرها على قيد الحياة لأطول فترة ممكنة!؟ أملنا في الحياة هو الذي يبقينا على قيد الحياة، وأملنا في النجاح هو الجسر الذي نعبر به نحو الغايات السامية، رغم رفض الأيام بأن تجود علينا بآمالنا!
ما سرّني كثيرا ليس أني نجوتّ، بل أني تأملتُ، فجرفني سيل الآمال نحو أحلامي.