ابراهيم مراديكتب//مصرتصنع المجد وتجدد دماء التاريخ…

في الوقت الذى يرتفع فيه مؤشر الفخر بما يتحقق يوميا على أرض مصر، من مشروعات وتنمية حقيقية، ناهيك عن العودة إلى الدور الريادى، بل واقتحام مناطق جديدة للنفوذ، لم تكن موجودة في الأساس على خريطة الرؤية المصرية قبل سنوات معدودة، دائما ما يزيد التأمل حول الكيفية التي تفكر بها “الجمهورية الجديدة”، في ظل رؤية تتسم بطموح غير محدود، لا تقوم، على غرار العقود التي سبقتها، على فكرة التقاسم التقليدى، وإنما تعتمد منهج “القيادة عبر الشراكة”، وليس عن طريق فرض النفس بالقوة، وهو المنهج الذى ساد العالم لقرون،  سواء عبر القوة العسكرية تارة أو الدعم الاقتصادى تارة اخرى، أو من خلال التدخل في شؤون الدول الأخرى لإجبارها على الدوران في فلك معين تارة ثالثة.

فلو نظرنا، على سبيل المثال للنهج الذى ساد العالم من قبل، نجد أن ثمة تقاسم للنفوذ، بين المناطق الجغرافية، بحيث لا تتجاوز قوى معينة الاطار المسموح لها من قبل القيادة الدولية للعالم، والذى هيمنت عليه الولايات المتحدة فى عقود ما بعد الحرب الباردة، وبالتالي كان هناك دورا مرسوما للقوى الاقليمية، لا يمكنها تجاوزه إلى مناطق اكبر، في الوقت الذي يكن هناك محلا لاستبدالها، إلا بضوء اخصر أمريكي، وهو ما يفسر حالة القبول المصري بالقيادة الاقليمية في الشرق الأوسط، والابتعاد عن مناطق أخرى تمثل عمقا استراتيجيا لها، على غرار دائرتها الافريقية والمتوسطية، لصالح قوى أخرى، مما ساهم في تهديد مصالح مصر الحيوية في تلك الدوائر.

إلا أن مولد “الجمهورية الجديدة”، وتزامنه مع حالة المخاض الدولي، ربما جعل العالم اكثر انفتاحا، فلم يعد خاضعا لسيطرة قوى بعينها، مع تعدد الأقطاب المؤثرة، حيث اتسقت الرؤية المصرية، زمنيا وظرفيا وجغرافيا، مع معطيات العالم الجديد لنجد اقتحاما لمناطق ربما كانت في الأمس القريب “خطوط حمراء”، لنجد أن العودة المصرية تجاوزت مجرد استعادة حالة ما قبل سنوات الفوضى، أمنيا واقتصاديا ودوليا،  إلى العودة مجددا إلى المجد المفقود منذ “زمن الأجداد“.

وهنا دارت التساؤلات في عقلي خلال متابعتي لحفل افتتاح “طريق الكباش”، والذى عاد بنا إلى أزمنة “المجد العتيق”، حول السر وراء تلك الرؤية غير المحدودة، التي استلهمت عظمة التاريخ، ليس فقط للعودة إلى الاستقرار، ولكن أيضا لاستعادة مكانة تاريخية، ربما كنا نذكرها في لحظة إبان قراءة كتاب أو متابعة برنامج تلفزيوني، يتناول قصة معبد أو سيرة أحد الملوك خلال تلك الحقبة، لتخالطنا مشاعر الفخر بالتاريخ بينما تمتزج به مشاعر الحسرة على حاضر لا يستطيع مجاراة الماضي.

وهنا اكتشفت سر تلك الخلطة السحرية، التي استحدثتها “الجمهورية الجديدة”، حيث استطاعت بنجاح منقطع النظير، أن تستلهم التاريخ، بينما اقتنصت معطيات الواقع الحاضر، لتحقق قفزتها نحو المستقبل، ولكن بروح الماضي المجيد الذى أرساه الأجداد، بينما كانت “الشراكة” ليست مجرد نهجا دبلوماسيا، لتحقيق نفوذا أوسع، وإنما كان جزء من المنهج الكلي للدولة في الداخل والخارج، فالمواطن هو الآخر شريك في المسؤولية لإعادة بلاده إلى مكانتها الطبيعية التي تستحقها، وليس المكانة التى تفرض عليها من الخارج.

ولعل الاحتفالات المبهرة التي شهدتها مصر، سواء خلال نقل المومياوات الملكية، أو بالأمس خلال افتتاح طريق الكباش، كانت جزء من منهج “الشراكة”، حيث خرجت عن الإطار البروتوكولى المتعارف عليه، إلى حالة عامة، يشارك فيه ملايين المصريين، عبر إعادتهم لساعات الى الماضي السحيق، فيدركون كيف كانت بلادهم، وماهية مكانتها الحقيقية التي ينبغي ان تكون عليها.

في الواقع، أن افتتاح طريق الكباش، ومن قبله نقل المومياوات، حملا في طياتهما أهدافا تتسق مع الرؤية المصرية الجديدة، وخلطتها السحرية، بعيدا عن الانبهار والفخر اللحظى بالتاريخ المجيد، لتتحول تلك الأحداث إلى رسائل من شأنها إشراك المصريين في الهدف الذى تعمل من أجله الدولة، في المرحلة المقبلة، ليكونوا شركاء لها، عبر العمل الجاد والمسؤول لتحقيق التنمية واحترام تلك الأرض التي طالما نطق الحجر بأمجادها

بقلم/رئيس التحرير..

Related posts

Leave a Comment