بقلم- الكاتب الارتري ياسين إزاز .
“إذا لم تكن لديك رغبة في القراءة، فأنت لم تحصل على الكتاب الصحيح”
هكذا تقول الكاتبة البريطانية ج.ك. رولينغ، وكأنها ترمي على أن الكُتاب ينبغي عليهم درس نفسية القارئ.
بقدر ما يبتهج الكاتب بإكمال عمله فإنه -في نفس اللحظة – يحزن بنفس القدر الذي يبتهج به.
لطالما كانت الكتابة ملجأ يلجؤ إليها الناس لفضفضة ما تخفيه النفوس بداخلها، تلك الأشياء التي لا نقدر على البوح بها، وتلك الأحاسيس القابعة في الأماكن المظلمة في أعماق القلوب التي لا يقترب منها أحد، نترجمها إلى سياق جُمَلي، فنخفي بين طياته معاناتنا الحقيقية. الكتابة تعتبر أحد أعمق النوافذ لإخراج الطاقة السلبية، والكُتاب المبدعون يتميزون بترك أثر في نفوس القراء، إثر أي عمل يزفّونه إلى العالم. وهذا الإبداع لم يوجد سدًى، بل كان معاناة مكبوتة في ذواتهم، قبل أن يترجموه إلى الهيئة -وأقصد هنا أعمالهم الأدبية- التي يخرج بها إلي العالم، يدفعهم هذا الكبت إلى الإنفجار، ومن ثم يتحول إلى إبداع أدبي. وكلما زادت المعاناة زاد الإبداع؛ بمعنى آخر، أكثر الكُتّاب إبداعاً؛ أكثرهم معاناةً.
وعلى النقيض، ثمة هناك عقبات تواجه الكاتب أثناء الكتابة ترفع من قدره، وقليلون جدا من يستطيعون قلب هذه العوائق إلى سلم يتوغلون به نحو القمم، غير أن عدد كثير من المبتدئين يصبحون ضحية هذه العوائق، فينتهي بهم الأمر ليكونوا من الحائزين على وسام شرف المحاولة على الصعيد الشخصي.
الكتابة الإبداعية تجبر الكاتب على المعاناة أثناء البحث عن الفكرة التي سيترجمها إلى عمل روائي، غير أن لا ضير أن يكتب الروائي مطيعا رغبة مخيلته التي تشي إليه أفكارا غير مألوفة بالبتة، ولا ضير أيضا أن يمتص الفكرة من واقع تراقبه أعين الشعوب بتمعن، لكن الإبداع الأدبي يكمن في أن يأتي الكاتب بهامش لا ينتبه إليه أحد ويصنع عملا جبارا بطريقة سردية سهلة وممتعة.
حين تشرع في الكتابة تذكر شيئا واحدا:
“أن لا قاعدة للكتابة!”
يحتار الكاتب حين يشرع في بداية نص ما، إنه يعرض نفسه لضغوطات ذهنية غير عادية، يلوك فكرة ما قبل أن يزجها في ثلة المهملات، ثم يأتي بأخرى ويتبعها سبيل من سبقها … يتكرر هذا المشهد أكثر من مرة، في كل مرة يشرع فيها الكاتب لبدء الكتابة – ولكيْ أكون منصفا، هذه الحالة تكون أكثر حضورا عند العمل الروائي الأول- غير أن ممارسة الكتابة والإشتغال عليها تزرع بذوراً متناثرة لتصدع في مخيلتنا مكان تختبئ فيه حتى تتثنى لها اللحظة للخروج من تلقاء نفسها، وكأنها تعلن أنها أينعت!
وأنهي مقالي بقول الكاتب البريطاني مايكل بوند عن الكتابة الإبداعية:
“إنها عملية ذهنية ونفسية مُركبة، ولا يمكن اعتبارها مهنة أو وظيفة، حتى إنْ تفرغ المُبدع للكتابة. يتعرض المُبدعون عادة إلى ضغوط وتحديات كثيرة في عملهم لدرجة تدفع البعض إلى التوقف تماماً أو مرحلياً عن الكتابة. ليس هناك طريقة عمل مُعتمدة أو خطوات مُحددة يتبعها المُبدع في إنتاج.
وأخيرا؛ الكُتاب هم أكثر الناس عرضة للإكتئاب، فالكاتب يعيش القصة في لحظة التفكير، وأثناء الكتابة، وحين المراجعة. الكاتب يلجأ إلى الكتابة ليفرغ ما يحزنه غير أن لا شيء يحزنه سوى الكتابة، فيستمر في الكتابة وكأنه يداوي الداء بالداء”.