للأستاذ الدكتور حسن عبد العال كلية التربية جامعة طنطا فى جيلى لا أظن أن بيتا من بيوت المصريين ، لم يبادر فيه الأب أو الجد بحكاية هذه القصة القصيرة جدا ، والعظيمة جدا لأولاده وأحفاده ، كان أبى يرحمه الله يجمعنى وأخواي واخواتى ويقص علينا قصة الحكيم الذى أراد أن يلقن أولاده درسا فى التمسك بفضيلة التعاون ، ولقد حفظناها لكثرة مارددها على مسامعنا عن ظهر قلب ، وحاولنا قدر الاستطاعة تمثلها فى حياتنا صغارا حين كان يأتينا تكليف الأم لنا بالتعاون على القيام بأعمال منزلية ، وحاولنا كذلك تمثلها كبارا حين شب كل منا عن الطوق وأخذته دوامة الحياة .
والقصة كما كان يرويها لنا أبى هى أن حكيما جمع أولاده وقال لهم أحضروا حزمة من الحطب قد شدت عيدانها معا ، ففعلوا فأمسك بها الأب الحكيم وأعطاها أكبر أبنائه ، وأمره بكسرها فاستعصت عليه ، وأعطاه بقية أولاده كل على حدة فلم يستطيعوا جميعا ، فأخذها الأب وفك الرباط الذى كان يشد العيدان معا ، وأعطى أبناءه العيدان متفرقة وطلب منهم كسرها فكسر كل واحد منهم أعواده بسهولة ، حينها قال لهم أبوهم هذه إذن وصيتى اليكم جميع ، أن اتحدوا وترابطو وتعاونوا فإنكم إن فعلتم قويت شوكتكم ، واستعصيتم على عدوكم وإلا ضعتم جميعا .
القصة بسيطة وساذحة لكنها كانت تشد الصغار وتعطى لعقولهم معناها من أقصر الطرق وأكثرها تشويقا وهى القصة .
أكتب عن هذه القيمة شديدة النفع لأنها غابت عن حياتنا بالفعل رغم أن مجتمعنا أصبح أكثر تحضراعن زمن مضى ، ومن المفترض أنه كلما زاد المجتمع تحضرا زادت قناعته بتأكيد هذه القيمة والمحافظة عليها ، ولا أكاد أبالغ اذا قلت أنه على مستوى الأسر يكاد كل فرد منا يعيش حياته فى عزلة عن الآخرين ، لا يرضى بمعاونة الآخرين ولا يقدم عونا لهم ، وعلى مستوى العمل فإنه فى الغالب الأعم يفتقد فكرة التشارك والجماعية ، وتبادل الرؤى والخبرات ، وربما كان ذلك أحد عوامل الفشل والتراجع ، فالتجربة فى المعل يجريها فرد واحد وافتقدنا العمل بروح الفريق الواحد ، والسلعة فى المصنع تنتجها شركة واحدة ، وبهذا تضيع فرص نمو المجتمع وتقدمه وقدرته على المنافسة . وعلى مستوى المجتمعات أصبحنا شيعا متفرقة وجزرا منعزلة ” كل حزب بما لديهم فرحون ” على الرغم من أننا ليل نهار نردد قول الله تعالى ” وتعاون على البر والتقوى “. إن التعاون فى مجمله هو مساعدة الناس بعضهم البعض فيما هو مباح وفيما هو يقبل المشاركة .
ويعرف التعاون فى علم الاجتماع بأنه ” آلية يقوم بها مجموعة من الناس للوصول إلى المنفعة العامة ، وهو بخلاف التنافس الذى يحدث بين الأشخاص بغية تحقيق منفعة خاصة ”
وفى علم الاقتصاد يدل مصطلح التعاون على مذهب اقتصادى شعاره الفرد للجماعة والجماعة للفرد ، ويكون من مظاهره تشكيل جماعات لأداء عمل مشترك ، بهدف تحقيق مصلحة الأعضاء .
إن التعاون سلوك حضارى ينم عن التجانس والترابط بين أفراد الأمة الواحدة ، ولهذا السلوك امتداد كبير فى تاريخ أمتنا . أنه شكل من أشكال التأخى والتازر المجتمعى فى مواجهة الصعوبات والتحديات .
والتعاون قيمة يجب أن تستهدف التربية اكسابها أبناءنا لأن من ثمارها تقوية أواصر المحبة والمودة بين أبناء المجتمع الواحد ونشر المعانى الإيجابية كالايثار وإنكار الذات ، والقضاء على المعانى السلبية كالأنانية وتعظيم الذات .
وفى تراثنا ما يدعم هذه القيمة ، وقد علمونا صغارا أن ” يد الله مع الجماعة ” وأن ” الذئب لا يأكل من الغنم إلا الشاردة “