…………………….سلسلة دراسات المؤرخ والمفكر الفلسطيني د. ماهر الشريف يتناول فيها تاريخ فلسطين على امتداد العصور
أوغاريت: في عام 1928، اكتشف فلاح سوري المنطقة الأثرية المهمة في رأس شمرا إلى الشمال من اللاذقية، والتي عرفت أيام الفينيقيين بمدينة أوغاريت، وكانت ميناء مهمًا. وقد عثر فيها على مجموعة من اللوحات المسمارية، معظمها أساطير وملاحم شعرية وأناشيد وصلوات دينية كتبت باللغة الكنعانية-الفينيقية، وتعود إلى سنة 1500 ق. م تقريبًا (الحوت، ص 16).
إيبلا: بيد أن أعظم المكتشفات التي تمت في القرن العشرين كان اكتشاف “إيبلا” في شمال سورية، والتي تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد، وفيها اكتشفت المكتبة الملكية التي تحوي أكثر من خمسة عشر ألف رقيم “لوح طيني مكتوب”، ومن هذه الألواح عرف الباحثون أشياء كثيرة تتعلق بمنطقة بلاد الشام وخاصة فلسطين، ومنها أن الشعب الذي كان يعيش في “إيبلا” هو شعب يتكلم لغة تختلف قليلًا عن لغة “أكاد” في بلاد الرافدين، وتقترب من لغة “كنعان” في الساحل السوري وفلسطين، وكان يؤمن بنفس الآلهة والعقائد، ويمارس التقاليد والطقوس التي كانت شائعة في هذه المنطقة من الرافدين إلى سيناء، بل إن وجود أسماء مثل إسماعيل “يسمع إيل” وميكايل “من-ك-إيل” وغيرها، دليل على أن “إيل” الذي اشتهر بكونه الرب الأعلى للناس جميعًا، كان معبودًا منذ الألف الثالث قبل الميلاد، بمعنى أن التوحيد كان موجودًا منذ بداية التاريخ، كما أن ظهور أسماء مثل “دامسكي” (دمشق)، و “أماتا” (حماه)، و “أورساليم”، أي مدينة السلام، في كتابات إيبلا، يعني أن هذه المدن قديمة جدًا (البهنسي، ص 11-12).
-لوح مرنبتاح: اكتشف هذا اللوح عام 1896، وظهر فيه أول ذكر لإسرائيل في نص خارج عن التوراة، ويشير إلى هزيمة إسرائيل على يد الفرعون مرنبتاح 1236-1223 قبل الميلاد. بيد أن عددًا من الباحثين الغربيين شكك في أن يكون اسم إسرائيل دليلًا على وجود دولة بهذا الاسم في ذلك التاريخ، حيث اعتبر الباحث طمسن أن إسرائيل كانت اسمًا لشعب كنعان (فلسطين الغربية)، الذي يقول النقش إن جيش الفرعون المصري دمرهم، أما إسرائيل، الدولة المحلية التي سيطرت على المرتفعات شمالي القدس، ” فقد ظهرت للوجود –كما يتابع- بعد بضعة قرون من الفرعون مرنبتاح” (وايتلام، ص 349- 350).
وتبرز أهمية مكتشفات تل العمارنة وأوغاريت وإيبلا في كونها مجموعة وثائقية لا يناقض في صحتها. وبمقارنة ما ورد فيها بما ورد في التوراة، يلاحظ أن المكتشفات الأثرية تعود إلى الزمن الأقدم، وأن التوراة قد كتبت في عصور لاحقة، وعلى مدى عصور مديدة. يضاف إلى ذلك أن المعلومات الواردة في هذه النقوش والكتابات المسمارية القديمة لا تعود إلى شعب واحد، بل إلى عدد من شعوب المنطقة، وهي باللغات الأصلية، وتعود إلى الزمن الذي جرت فيه الأحداث (الحوت، ص 16-17).
بالإضافة إلى هذه النقوش والنصوص القديمة، يمكن للباحث في تاريخ فلسطين القديم أن يلجأ-كما يرى إبراهيم- إلى المصادر التالية:
المؤرخون والجغرافيون منذ العهد الهلنستي وحتى البيزنطي: تعتبر كتب التاريخ التي تركها المؤرخ اليوناني هيرودوتس (منتصف القرن الخامس ق. م.) من أقدم ما توافر من كتب،، بينما تعتبر كتب أسقف قيسارية الفلسطينية “يوسيبيوس” من أهم المصادر البيزنطية عن فلسطين.
الجغرافيون والرحالة العرب: ياقوت الحموي (معجم البلدان)؛ الاصطخري (مسالك الممالك)؛ والبلاذري (فتوح البلدان)؛ وابن الفقيه (كتاب البلدان)؛ والمقدسي (أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم)؛ وابن حوقل (صورة الأرض).
الحجاج والرحالة: كان أولهم السويسري فيلكس شميدت فابري الذي زار فلسطين بين سنة 1480-1483 (إبراهيم، ص 5-7).
*دحض الانقطاع في التاريخ*
يؤكد كيث وايتلام أن ثمة فترات حاسمة من تاريخ فلسطين القديم جرى العزوف عن الإمعان في استكشافها. ففي العديد من الروايات التاريخية هناك، على ما يبدو، قطيعة حاسمة بين الماضي القديم والتاريخ الحديث، ما يؤدي إلى جعل فلسطين تبدو محرومة من امتلاك تاريخ متصل، يربط الماضي القديم بالحاضر. ففي حين تبدو إسرائيل متمتعة بماض يغوص عميقًا في الزمن القديم، لا تمتلك فلسطين، على ما يبدو، إلا ماضيًا مباشرًا مؤلفًا من بضعة قرون قليلة في أحسن الأحوال. ويرى الباحث نفسه أن كتابة تاريخ لفلسطين، يمتد من ماضيها القديم إلى حاضرها الحديث، يتطلب التركيز على العصر الحديدي، الذي يمتد عادة من القرن الثاني عشر إلى القرن التاسع قبل الميلاد.
في كتابه: “اختلاق إسرائيل القديمة، إسكات التاريخ الفلسطيني”، ينطلق الباحث كيث وايتلايم من أن المؤرخين التوراتيين ينظرون إلى عام 1200 ق. م. على أنه الخط الفاصل في تاريخ المنطقة، والفترة التي شهدت نشوء الكيان المستقل “إسرائيل”، التي أصبحت تسيطر –حسب زعمهم- على تاريخ المنطقة بدلًا من القوى الإمبريالية العظمى، أي مصر القديمة وآشور وبابل وفارس، ويدّعون أن ديانة التوحيد اليهودية قد حلت محل “تلك الديانات المحلية المنحطة واللاأخلاقية ” التي كانت سائدة في المنطقة. ولتزكية فرضيتهم هذه، يؤكد المؤرخون التوراتيون وجود قطيعة حاسمة بين نهاية العصر البرونزي المتأخر وبداية العصر الحديدي، تمثّلت، في نظرهم، في تعرض المراكز الحضرية في فلسطين للتدمير في نهاية العصر البرونزي المتأخر، وفي انتشار مواقع ريفية في مرتفعات فلسطين، شكّلت دليلًا على قيام إسرئيل بإخضاع فلسطين أو على هجرة بني إسرائيل إلى داخل المنطقة.
خلافًا لهذه الرواية التوراتية، يؤكد وايتلام أن الحفريات قد أكدت الاستمرارية في الثقافة المادية بين فترة العصر البرونزي المتأخر وبداية العصر الحديدي، أي في حدود عام 1200 قبل الميلاد، وأظهرت أن التحول في الاستيطان نحو المرتفعات الفلسطينية، الذي شهدته تلك الفترة، كان جزءًا من عملية طويلة الأمد، يجب أن تفهم في سياق الأحداث المعقدة والقوى التي كان لها تأثير في شرق البحر المتوسط خلال قرن من الزمان أو أكثر.
فشرق البحر المتوسط كان عبارة عن شبكة متداخلة جدًا من مجموعات القوى والكيانات المحلية، وكان من المحتم أن يؤثر حدوث أي تغيير هيكلي في المجتمع الفلسطيني. فقد احتلت فلسطين مركزًا استراتيجيًا في المحور التجاري العالمي الذي كان يربط البحر المتوسط والبحر الأحمر والخليج العربي والمحيط الهندي منذ أقدم العصور. وكانت التجمعات المدنية الفلسطينية حساسة وتتأثر بدورات التجارة العالمية، بحيث أن تدهور التجارة والاقتصاد، والظروف التي أحاطت بهما، كانت أساسية في التحول الاقتصادي والسياسي، وكذلك العلاقات الاجتماعية في فلسطين. وكان نمو المستوطنات في المرتفعات أوضح نتائج إعادة تنظيم المجتمع الفلسطيني، ولم ينجم هذا النمو عن غزو مجموعة عرقية جديدة من الناس، كما تزعم الدراسات التوراتية، خصوصًا وأن تحولات مشابهة في الاستيطان حصلت في أماكن أخرى من شرقي المتوسط .
يتابع وايتلام بأن فلسطين لم تشهد ولادة “قوة عظمى” في تلك الفترة، بل كان ضعف بناها التحتية ، بالمقارنة مع جيرانها أصحاب الحضارات النهرية الكبيرة، عاملًا دائمًا في خضوعها للقوى العظمى الخارجية. ففلسطين لم تستطع ببساطة منافسة الاقتصاديات النهرية والتفوق السكاني في مصر وبلاد ما بين النهرين. كذلك، فإن المزايا الطبيعية التي تمتعت بها هضبة الأناضول والهضبة الفارسية، وفيما بعد أوروبا متمثلة في اليونان وروما، كانت هي التي هيمنت على فلسطين.
ويقدم وايتلام برهانًا جديدًا على اختلاق مملكة إسرائيلية قوية في حدود عام 1200 قبل الميلاد بالاستناد إلى دراسة السكان. فلدى مقارنة القاعدة السكانية والإنتاجية في فلسطين مع مثيلاتها في الإمبراطوريات المجاورة، يخلص إلى أن عدد سكان مصر في فترة المملكة الحديثة كان بحدود ثلاثة ملايين نسمة مقارنة مع ما لا يزيد على 250 ألفًا في فلسطين. أما المنطقة التي هي العراق اليوم فقد وصل عدد سكانها في الألف الثاني قبل الميلاد إلى ثلاثة أو أربعة أضعاف سكان فلسطين، الذين كانوا بحدود 750 ألفًا أو مليونا مع زيادة وصلت إلى مليون وربع المليون. وهذه الحقيقة، أي حقيقة افتقار فلسطين إلى القاعدة السكانية والاقتصادية التي تتيح لها منافسة القوى العظمى في العالم القديم، يتجاهلها –كما يتابع- معظم الباحثين التوراتيين، الذين تحدثوا عن “إمبراطورية” الملك داود.
إن إسرائيل التي تمّ اختلاقها، والتي تعود إلى فترة العصر البرونزي المتأخر وبداية العصر الحديدي، قد ألقت بظلال سيطرتها بأثر رجعي لكي تتمكن من المطالبة بفترات سابقة باعتبارها “تاريخها السابق”، وهو ما أسهم في إزاحة التاريخ الفلسطيني القديم. فبحث أوروبا عن نفسها، الذي اقتبسته الصهيونية وعملت به في محاولتها إضفاء الشرعية على جذورها، قد استبعد أي مطالبة فلسطينية بفترة العصر البرونزي المتأخر وبداية العصر الحديدي.
ويقر وايتلام بأن دراسته ليست إنكارًا لمملكتي إسرائيل ويهودا، اللتين قامتا في الألف الأول قبل الميلاد، وإنما هي محاولة لإعادة التوازن بعد أن تم تصوير التاريخ الإسرائيلي واليهودي على أنه تاريخ المنطقة الوحيد، بدلًا من أن يكون جزءًا من تاريخ فلسطين القديم الأشمل. وهو يرى أن خطاب التاريخ الفلسطيني سيوفر فهمًا اكثر إيجابية للمنجزات المادية والحضارية لسكان هذه المنطقة ككل. فالنظرة التطورية التي افترضت حلول الحضارة الإسرائيلية محل الحضارة الكنعانية هي مكيدة تؤدي إلى الحط من قدر المميزات الجمالية والثقافية في الآثار الفنية للأواني الفخارية والخزف المزخرف والزجاجات والحلي وغيرها، مما نراه في آثار فلسطين.
*دحض “نظريات” أصل بني إسرائيل*
يحاول الباحث نيلز لمكة أن يبيّن تهافت كل الفرضيات الشائعة حول أصل بني إسرائيل وقيام إسرائيل. فيبدأ بفرضية الغزو التي يستند أنصارها إلى ما جاء في سفر يشوع من أسفار التوراة، والتي تقوم على أن بني إسرائيل النازحين في الصحراء حملوا وعدًا من ربهم “يهوه” بأنهم سوف يغزون بلادهم في نهاية المطاف وسيقومون بإبادة السكان الكنعانيين السابقين. وكانت مدينة أريحا الكنعانية هي الضحية الأولى لهجوم الإسرائيليين، الذين تحولوا بعد أن افتتحوها إلى مدينة عاي، وذلك قبل أن يقوموا بغزو وتدمير بلاد كنعان الجنوبية والوسطى والشمالية.
ويرى الباحث المذكور أن فرضية الغزو هذه بات لها القليل من الأتباع اليوم، وذلك بعد أن أثبتت الحفريات الأثرية أن أريحا لم تكن موجودة في زمن يشوع المفترض، بل من المحتمل أنها قد دمرت قبلئذ في منتصف القرن السادس عشر قبل الميلاد، في حين أن مدينة عاي كانت خرابًا منذ عام 2300 قبل الميلاد عندما هجرت في نهاية العصر البرونزي المبكر، ولم تعمّر أبدًا.
أما الفرضية الثانية عن أصل بني إسرائيل فهي فرضية الهجرة، التي انتشرت في أول الأمر على يد بعض العلماء الألمان في الثلاثينيات من القرن العشرين، والتي تفترض حدوث هجرة سلمية على نحو رئيسي للبدو الإسرائيليين الذين استوطنوا على نحو تدريجي في فلسطين وسيطروا على الأرض في لحظة معينة، وكانوا مختلفين إثنيًا عن الكنعانيين.
وفي رده على أنصار هذه الفرضية، يؤكد لمكة أنه لا توجد في الثقافة المادية أي إشارة إلى أمة جديدة هاجرت إلى فلسطين في تلك الفترة المفترضة، وأن الدليل الوحيد على وجود عنصر “إثني” أجنبي يعود إلى الفلسطينيين الذين استوطنوا بوصفهم جزءًا من حركة شعوب البحر أو وطّنهم أسيادهم المصريون على ساحل فلسطين.
وتبنّى الفرضية الثالثة وهي فرضية الثورة عدد من العلماء الأميركيين الشماليين في الستينيات من القرن العشرين، وهي تقوم على فكرة أن الإسرائيليين لم يؤلفوا جماعة إثنية يتعين فصلها عن الجماعات السكانية الأخرى في فلسطين، بل كان معظمهم من أصل كنعاني، وكانوا فقراء ومدقعين كافحوا لأجل البقاء في نظام سياسي واقتصادي يتصف بالظلم والاضطهاد، وذلك إلى ان وصل موسى (أو شخص ما مثل موسى) مع الديانة اليهودية التي تقول إن كل البشر متساوون فقاموا بالثورة على مضطهديهم.
ويعتبر ملكة أن المشكلة مع فرضية الثورة هذه هي خلفيتها المثالية من ناحية، ومن ناحية أخرى عدم اتفاقها مع الاستقصاءات الأحدث عهدًا في التاريخ الديني لإسرائيل القديم. فربما كانت اليهوديّة التوحيدية – كما يتابع- شيئًا جديدًا في فلسطين، لكنها كانت تطوّرًا دينيًا للتوحيد، ظهر مع مرور الزمن، وأصبح على نحو ما بارزًا في فلسطين قبل الهجرات اليهودية إلى فلسطين من بلاد النهرين في النصف الثاني من الألف الأول قبل الميلاد.
ويختم ملكة عرضه بالتطرق إلى فرضية النشوء، التي يرى أنصارها أن الإسرائيليين لم يكونوا في الأصل قومًا منفصلين، مختلفين عن الكنعانيين، وأن الثقافة المادية للعصر البرونزي المتأخر استمرت أيضًا في العصر الحديدي المبكر، كما نجحت البنى السياسية للعصور السابقة في الانتقال من العصر البرونزي إلى العصر الحديدي.
*نقد الرواية التوراتية من خلال علم الآثار*
في كتابه: تاريخ فلسطين القديم من خلال علم الآثار، يسعى عفيف البهنسي، المشرف المسؤول على عمليات التنقيب في سورية، إلى نقد الرواية التاريخية التوراتية بالاستناد إلى كشوفات علم الآثار؛ فيشير إلى أن المنقّبين يئسوا من العثور على بقايا الهيكل الذي يقال إن سليمان قد بناه في أورشليم سنة 1013 ق. م. ، وذلك قبل ان يهدمه نبوخذ نصر سنة 588 ق. م.، كما فشلوا في العثور على بقايا الهيكل الذي يقال أن هيرودس، الذي نصبه الرومان ملكًا ، قد بناه، وذلك قبل أن يهدم بأمر من تيتوس سنة 70 م.
وفيما يتعلق بالحديث عن عودة اليهود من المنفى في بابل، بمساعدة قورش ملك الفرس، بعد نصف قرن من السبي الأول، يستشهد البهنسي بعالم الآثار رولي خاريش الذي قال: “إن الحفر الأثري في القدس أبان أن عدد السكان خلال فترة النفي لم يتناقص، فهل يعني هذا أن النفي لم يكن صحيحًا، أم أن المنفيين كانوا قلة وليس كما ورد في التوراة؟”.
ويؤكد الأثري السوري أن المكتشفات الأثرية في “إيبلا” قد أظهرت أن اسم أور سلام قديم ويعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد، وأن هذا الاسم يعني “دار السلام” باللغة الكنعانية القديمة، وكان سكانها الأصليون، وهم اليبوسيون، من الكنعانيين منذ الألف الثالث قبل الميلاد، الذين نزحوا من شبه الجزيرة العربية. فأور سلام كانت معروفة –كما يتابع- منذ عام 2400 ق. م. وذلك خلافًا للادّعاء من أن داود هو أول من أطلق عليها هذا الاسم؛ فقد كانت مدينة كنعانية، كانت موجودة حسب وثائق إيبلا وزاهرة تتعامل مع إيبلا وغيرها .واستمر اليبوسيون فيها أكثر من ألفي سنة، وكوّنوا حضارة تميزت بالنمو الزراعي والتجاري والصناعي، وأقاموا، حماية لمدينتهم، سورًا وحصنًا. وبحسب نصوص تل العمارنة كان أحد ملوكها، وهو “عبد هيبا”، على علاقة بفرعون مصر “أخناتون” في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، الذي كان قد تبنى الديانة التوحيدية، وهي ديانة تؤمن بإله واحد “آتون” يقع فيما وراء الشمس، فهو خالق الشمس “آمون” وخالق الكون كله.
ويستشهد البهنسي بيسرائيل فنكلشتاين، رئيس المعهد الأركيولوجي في جامعة تل أبيب، الذي صرّح في إحدى المناسبات لصحيفة “نيويورك تايمز”: “استنادًا إلى فهمي، ليس هناك أي دليل على الإطلاق يثبت وجود مملكة موحدة عظمى حكمت من القدس أقاليم ضخمة. إن قدس الملك داود لم تكن أكثر من قرية فقيرة في ذلك الوقت” . كما يستشهد بزئيف هرتسوغ، وهو من أهم الأثريين الجدد في إسرائيل، الذي أكد: “أن التنقيبات الأثرية المكثفة في أرض إسرائيل خلال القرن الماضي قد أوصلتنا إلى نتائج محبطة. فكل شيء مختلف. فنحن لم نعثر على شيء يتفق والرواية التوراتية. إن قصص الآباء (إبراهيم-يعقوب-إسحاق) في سفر التكوين هي مجرد أساطير. نحن لم نهبط إلى مصر ولم نخرج بالتالي منها. لم نتُهْ في صحراء سيناء. لم ندخل فلسطين بحملة عسكرية واجتياح. إن مملكة داود وسليمان التي توصف في التوراة بأنها دولة عظمى، كانت في أفضل حالاتها مملكة قبلية صغيرة”.
//المصادر
*إبراهيم، معاوية، “فلسطين: من أقدم العصور إلى القرن الرابع قبل الميلاد”، 1-138. في: الموسوعة الفلسطينية، القسم الثاني، الدراسات الخاصة، المجلد الثاني، بيروت، 1990، ص
*البهنسي، عفيف (مشرف مسؤول على عمليات التنقيب في سورية)، تاريخ فلسطين القديم من خلال علم الآثار، دمشق، الهيئة العامة السورية للكتاب، وزارة الثقافة، 2009.
*السواح، فراس، تاريخ أورشليم والبحث عن مملكة اليهود، دمشق، دار علاء الدين، 2001.
*العسلي، كامل جميل (تحرير وترجمة)، القدس في التاريخ، عمّان، منشورات الجامعة الأردنية، 1992.
*نويهض الحوت، بيان، فلسطين: القضية، الشعب، الحضارة. التاريخ السياسي من عهد الكنعانيين حتى القرن العشرين (1917)، بيروت، دار الاستقلال للدراسات والنشر، 1991.
*وايتلام، كيث، اختلاق إسرائيل القديمة، إسكات التاريخ الفلسطيني، ترجمة سحر الهنيدي، الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، سلسلة عالم المعرفة 249، 1999.
*وايتلام، كيث، طمسن، توماس، لمكة، نيلز، هيلم، إنغريد، منى، زياد، الجديد في تاريخ فلسطين القديمة، ترجمة عدنان حسن وزياد منى، دمشق، قدمس للنشر والتوزيع، 2004.