تعليم القراءة بين طموحات التحديث ومخاوف التغريب

أ.د. محمد محمد سالم
عميد كلية التربية جامعة بورسعيد

من أولى قضايا تعليم القراءة التي تحتاج إلى حوار صريح وكاشف وجاد بشأنها هي المناهج المعتمدة لتعليم القراءة في النظام التعليمي الحالي، وإمكانات تحديثها على أساس تعاوني وتشاركي بين مختلف الأطراف الفاعلة في عملية القراءة . تحديث يراعى أحوال الحاضر المتجدد، ويرمي إلى بلوغ التنوير، وإنجاز الأهداف المعرفية والسلوكية والوجدانية الإيجابية للقراءة، والارتقاء بوعي القراء وتوسيع مداركهم ومدارات عقولهم واستعادة حيويتها، وجعل المتعلمين يتذوقون جمال النصوص، وتحفزهم على الإبداع والرقي أيضًا.

هذا التحديث المأمول في مناهج تعليم القراءة لن يتحقق إلا إذا كان نابعًا من الاحتياجات الحقيقية للمجتمع المحيط ببيئة القراءة، وأن يجرى بطريقة سلسة ومرنة، تجعل أفكار التطوير المنشود والتحديث المستمر تجد طريقها إلى الممارسة العملية والفعلية في حجرات الدروس، وتيسر لمعلمي القراءة تدريب المتعلمين عمليًا على القراءة والارتقاء بقدراتهم العقلية، وتنمية مهاراتهم المعرفية، ومستويات ذكائهم، وذلك بإشراف خبراء ومتخصصين في المناهج والقراءة وعلم النفس وتكنولوجيا التعليم، بما يضمن توافر الإعداد الجيد والتخطيط السليم لها، حتى تخرج الجهود المبذولة لتطوير مناهج تعليم القراءة، بمحتوى قرائي وثقافي يرتقي بقارئيها ويغرس في نفوسهم القيم النافعة لمجتمعهم.
نحن مع الاسترشاد بتجارب الدول الغربية الناجحة في ميدان تعليم القراءة، وتطويعها لصالح العملية التعليمية لدينا، لكن لسنا مع شركات تعد محتوى قرائي مثل كتاب اللغة العربية (تواصل) للصف الأول الابتدائي لا يعبر عن البيئة المصرية، فالثقافة المصرية لا تحب النمل بل وتشتري المبيد للقضاء عليه، فكيف نقول للتلميذ في درس النمل أننا نحب النمل، والأب والأم يحبان النمل، وأنه يحمل اللب، أي لب يحمله النمل، فمن الواضح أن هذا الموضوع مترجم وبعيد عن واقع البيئة المصرية، أما القرد فهو أيضا حيوان غير محبب في الثقافة المصرية وورد في الكتاب موضوع “كعك العسل” وواضح أنه مترجم لأن كعك العسل يوجد في الثقافة الأوروبية، ولا وجود له في الثقافة المصرية.

وقد اعتمد كتاب القراءة المقرر على تلاميذ الصف الأول الابتدائي في بدايته على الأسلوب الإنشائي بسؤال ألا وهو: “من أكون؟”، ونسأل مؤلفي هذا الكتاب من فضلكم أجيبوا أنتم عن هذا السؤال. وقد خلا الكتاب من الأسلوب القصصي، أو الحكاية المناسبة، ومن الشعر الذي يحبه الأطفال في هذا السن الصغيرة. ناهيك عن المفردات والجمل والحروف الأبجدية التي لم يتم ترتيبها حسب الترتيب المعروف في الأبجدية العربية، ولا يتسع المقام هنا لذكرها، ولذا أتمنى إعادة النظر في محتوى كتاب القراءة المقرر على تلاميذ الصف الأول الابتدائي (تواصل) لأنه لا يتوافر فيه أي شرط من شروط تعليم اللغة العربية وفنونها.

Related posts

Leave a Comment