الطب النفسى وأهميته فى حياة الفرد والمجتمع

حوار / هناء محمود

إن الحياة لا تخلو من الآلام النفسية والضغوط والمشاكل التى بدورها قد تسبب الأمراض النفسية المختلفة مثل : القلق ، الوسواس القهرى ،والإكتئاب ،وغيرهم ، و يعد المرض النفسى من الأمراض القديمة منذ العصور السابقة و لا نستطيع أن ننكر وجوده ولا وجود الطب النفسي وأهميته في حياة الإنسان والمجتمع الذي نعيش فيه ،
مع أن بعض الناس لا تعترف بأهمية الطب النفسى وأهمية الطبيب النفسى فى الحياة بل تعتبر الذهاب لطبيب نفسى وصمة عار، ولكننا من خلال حوارنا مع أحد أطباء النفس سنحاول إبراز أهميته ودوره فى حياتنا

فى بداية حوارنا نرحب بالدكتور/ محمد الششتاوى ونحب التعرف على حضرتك فى نبذة مختصرة عن حياتك
– أنا إسمى محمد الششتاوى ، طبيب أمراض نفسية بمستشفى المعمورة للطب النفسي بالإسكندرية

* د.محمد هل هناك فرق بين المرض النفسى والمرض العقلى؟
– أكيد هناك فرق بينهما فالمريض النفسى مستبصر يشعر بأنه مريض ويشعر بالأعراض، أما المريض العقلى فهو غير مدرك أنه مريض بل بالعكس في بعض الأحيان يكون متخيل أن من حوله هم المرضى وبالتالى تعتبر مشكلة تواجهنا فى علاجه لأنه يرفض العلاج ويعتبر نفسه غير مريض.

* هل هناك علاقة بين المرض النفسى والمرض العضوى؟
– طبعا هناك علاقة بين المرض النفسى والمرض العضوى وهى مثل دائرة فالمرض العضوى المزمن مثل الأورام و الأمراض المزمنة التى لها أعراض شديدة والأمراض التى تستمر مدة طويلة تسبب نوع من القلق والتوتر و الإكتئاب ، أو العكس أوقات كثيرة المرض النفسى هو الذى يسبب المرض العضوى ،فلدينا نوع من الأمراض إسمه( الإضطرابات النفس جسدية ) ويكون فيها القلق الزائد بعض الآلام و الأعراض الجسدية مثل : إضطراب في ضربات القلب و المزاج، وصداع ،وآلام فى الجسم وذلك كله بسبب المرض النفسى .

* ومتى يجب على الإنسان أن يلجأ إلى طبيب نفسى؟
– حينما تكون الأعراض النفسية شديدة جدا ومستمرة لمدة طويلة، وعندما تؤثر على عمله وأدائه الوظيفى وعلاقاته بمن حوله وتؤثر فيه بشكل كبير جدا ، وتعوقه عن ممارسة حياته بصورة طبيعية

* هناك بعض الناس تعتبر أن المرض النفسى وصمة عار فى حياة المريض؟ فكيف نغير هذا الإنطباع؟
– هى المشكلة فى الموضوع هى الثقافة المجتمعية التى تراه وصمة تجاه المريض النفسى والعلاج النفسى وتجاه الطبيب النفسى، والتخوفات حول العلاج النفسى أنه ممكن يكون إدمان أو يؤثر على العقل فتلك خرافات.
وأرى أننا يمكن أن نقوم بحملات دعائية تبين ما هى الأمراض النفسية وما أسبابها وما هو علاجها
كما أن الأدوية النفسية آمنة وليست إدمان ، وهذا سيساعد الناس أن يغيروا الخوف والقلق ونظرة الوصمة، فلا عيب أن يذهب الإنسان لطبيب نفسى ولا نعتبره مجنون بل شئ طبيعى يساعده أكثر على تحسين نفسيته..

*هل نستطيع أن نصف مرض الإكتئاب بأنه مرض العصر؟وما مدى صحة ذلك؟
– نعم ممكن أن نصف مرض الإكتئاب بأنه مرض العصر، لأننا نرى حالات كثيرة من مختلف الأعمار
ويرجع إلى عدة عوامل يمكن تقسيمها إلى ٣ عوامل : عوامل بيولوجية، وعوامل إجتماعية، وعوامل نفسية ، وتؤدى إلى إصابة الشخص بالإكتئاب ،وذلك يحدث بنسبة كبيرة فى الفترة الحالية نظرا لكثرة الضغوط والمشاكل الإجتماعية التى يمر بها الناس ، والمشاكل الموجودة نتيجة أسلوب التربية الخاطئ ,وتعاطى المخدرات يؤدى إلى الإكتئاب ,الأمراض المزمنة التى ليس لها علاج فكل تلك العوامل تؤثر على الإنسان وتعرضه للإصابة بالإكتئاب

* ما هى أسباب الإكتئاب؟ وأعراضه؟ وما علاجه؟
– قلنا قبل ذلك أن أسباب الإكتئاب ترجع إلى ثلاثة عوامل : بيولوجية ،ونفسية، و إجتماعية، وأنه يمكن أن يكون بسبب مرض عضوى ، أو نتيجة تعاطى بعض الأدوية والعقاقير التى تتسبب فيه ، ,أو تعاطى علاجات تغير الحالة المزاجية ,أو تعاطى نوع من المخدرات والمكيفات

وطبعا ممكن الإكتئاب يكون جزء منه وراثى ولكن بجانب عوامل أخرى كما ذكرنا

* ما هى أكثر شرائح المجتمع عرضة للأمراض النفسية؟
– صعب الإجابة بالتحديد لأنه كل مرض نفسى يكون له شريحة مميزة مثال : القلق نجد أن البنات والنساء من سن العشرينات حتى أواخر الثلاثينات هن أكثر عرضة للقلق
، ومرض الفصام يكون أكثر فى الرجال , وكل ذلك يرجع لنوع المرض نفسه فلا نستطيع التحديد بالضبط

* يقال أنه لا علاقة للطب النفسى بالدين ؟ فما مدى صحة ذلك ؟
لا طبعا هذا الكلام غير صحيح , فمن أحد الجوانب التى نعمل عليها بالطب النفسى هو الجانب الروحانى لأنه مهم جدا لأننا نركز على علاقة المريض بربه وكيفية ممارسته لفروضه الدينية لأن ذلك يساعد نفسيته أن تكون مستقرة , ولكن ليس ذلك الجانب فقط بل هناك جوانب أخرى لابد من العمل عليها ولكن أكيد الجانب الدينى و الروحانى مهم جدا لتحسين حالة الإنسان النفسية.
* ما رأى الطب النفسى والأطباء النفسيين فى مسألة العلاج الروحانى و في الذهاب إلى الروحانيين؟
– نحن كأطباء نفسيين ننظر للمرض النفسى على أنه بيولوجى نتيجة لخلل فى النواقل العصبية الموجودة فى المخ وده طبعا علاجه فى جزئين : جزء دوائى يساعد الشخص فى الخروج من تلك الحالة النفسية السيئة , والجزء الثانى العلاج السلوكى أو الإدراكى وهذا هو العلاج النفسي بحيث أننا نساعد المريض فى تحسين قدرته على إدراك الأمور بحيث لا تكون رؤية سلبية فقط

ورأينا كأطباء نفسيين أن العلاج الروحانى جزء من العلاج النفسى , ولكن لا يتم الإعتماد عليه فقط لأن المرض النفسى فى الأساس بسبب مشكلة عضوية فإذا أنا لم أعالج هذه المشكلة العضوية من الأساس سيظل المرض النفسى موجود .

ما هو الوسواس القهرى؟ وما أسبابه؟ وكيفية علاجه؟
الوسواس القهرى هو أحد الأمراض النفسية المشهورة جدا وقد زاد عدد المصابين بهذا المرض خاصة بعد أزمة فيروس كورونا

وأسبابه كما قلنا هى تؤثر على النواقل العصبية بالمخ فتؤدى لحدوث إختلال فى النواقل العصبية فتؤدى بالتالى للوسواس القهرى
أما العلاج فيكون على حزئين : جزء دوائى وذلك ليحدث إتزان فى النواقل العصبية في المخ، وجزء علاج سلوكى وهو كيفية مساعدة المريض فى التعامل مع الأفكار الوسواسية التى تأتي المريض وتسيطر عليه

*متى يكون الخوف مرضيا وليس طبيعيا ؟ وهل له علاج ؟
يكون الخوف مرضى إذا زادت درجة الخوف للدرجة التى تعيق الإنسان عن
أداء مهام حياته ,مثال : الطالب الذى لديه إمتحان وهو خائف فهذا طبيعى ليدفعه للمذاكرة والنجاح , أما لو زاد ذلك الخوف للدرجة الزائدة التى تجعلنى أتجنب الإمتحان فذلك هو الخوف المرضى

وأكيد له علاج وأيضا على جزئين جزء دوائى , وجزء نفسى عن طريق عمل جلسات نفسية للمريض لتوعيته بالمرض وأسبابه وكيفية تعامله مع معه , ومع طرق التفكير الخاطئة فى المواقف التى ستقابله فيما بعد , وكيفية إدراكه للمشكلة ووضعها فى إطارها الحقيقى

* هل الإنتحار ناتج عن لحظة ضعف ويأس؟ أم ناتج عن مرض نفسى؟

الإنتحار أو الأفكار الإنتحارية هى نتيجة للأمراض النفسية مثل :الإكتئاب والقلق الشديد جدا والفصام، تكون فيها الأفكار الإنتحارية وذلك نتيجة تراكمات أو إستمرارية المرض وفشل محاولات علاج المرض لأنه حين يكون المرض مستمرا لفترة طويلة بدرجة شديدة جدا يؤدى لوجود الأفكار الإنتحارية والإقدام على محاولات الإنتحار , وطبعا هو ناتج عن مرض نفسى و له علاج فى الطب النفسى

* ما هى أسباب الأحلام المزعجة (الكوابيس) ؟ وما علاجها؟

هناك أسباب كثيرة جدا للكوابيس ,وفكرة الأحلام أصلا لها أجزاء كثيرة , ومعظم الأحلام المزعجة تكون نتيجة إضطرابات نفسية أو إضطرابات مزاجية تؤدى لعدم إستقرار النوم وتجعله غير مريح
وطبعا لها علاج فى الطب النفسى وهو أن نرى أولا ما أسباب تلك الكوابيس سواء إكتئاب أو قلق أو من إستعمال بعض الأدوية والعقاقير التى تسبب الكوابيس , ولا تسبب الإدمان ، مع تعديل السلوكيات السلبية التي تؤثر في النوم و من الممكن إستخدام الأدوية التى تساعد على النوم وليس لها أى آثار مضرة على المدى البعيد

* هل القلق يعتبر مرض نفسى؟ وما هى أعراضه؟وكيف يعالج؟

القلق فى حد ذاته ليس مرض نفسى , وينقسم إلى قسمين : قلق صحى ,وقلق غير صحى (مرضى) , فالقلق الصحى هو الذى يدفعنى إلى الأمام وأن أتقدم فى حياتى وسأحاول أن أبذل قصارى جهدى للقيام بها على أكمل وجه
أما لو زاد القلق عن الحد الطبيعى الذى يعيق حياتى هنا يصبح القلق مرضى ,ولابد من العلاج النفسى

أعراض القلق كثيرة ومنها : الأفكار السلبية الشديدة جدا , تخوفات من المستقبل وأعراض جسمانية مثل :زيادة ضربات القلب وسرعتها , الرعشة , التوتر , عدم التركيز , أفكار تتعلق بالمستقبل والخوف منه , توقع الأسوأ أو ما نسميه (التوقع الكارثى) توقع أن أسوأ إحتمال هو الممكن دائما , إضطرابات فى النوم , إضطرابات فى الشهية , إضطرابات فى المزاج , العصبية

أما علاجه فينقسم لجزئين دوائى بالعقاقير لتؤدى إلى إستقرار النواقل العصبية في المخ، وعلاج نفسى يؤهل المريض لكيفية التعامل معه فيما بعد ،ثم نوقف العلاج الدوائي فيما بعد

*د.محمد حضرتك كطبيب نفسى ماذا تنصح الناس خاصة الذين يعانون من أمراض نفسية ويخجلون من الإعتراف بها؟
طبعا أنا أشجع الجميع ان أى إنسان يعانى من مشكلة نفسية أو مرض نفسى شديد يؤثر على أدائه فى عمله أو دراسته أو يعوقه عن ممارسة حياته بصورة طبيعية، ويسبب إضطرابات ومشاكل فى علاقاته بمن حوله أن يلجأ إلى طبيب نفسى فورا قبل تفاقم المشاكل

أما فكرة الوصمة المجتمعية فلا يجب أن نضعها فى الحسبان لأن التأخر فى طلب المساعدة قد يزيد الأعراض و يجعل المشكلة تتفاقم أكثر مما يتسبب فى صعوبة العلاج فيما بعد

وأيضا أحب أن أنصح بعدم التخوف من العلاج النفسى أو الدوائى لأنه يأخذ فترة معينة وبعد التحسن يتوقف وليس فيه أضرار فيما بعد ولا يؤثر على الإدراك
وأيضا أنصح الناس بأن يعتبروا أن المرض النفسى مثل المرض العضوى بالضبط و له علاج وعلاجه آمن وفعال

* د.محمد ما هى رسالتك التى تحب أن توجهها إلى وزارة الصحة بخصوص الطب النفسى والأطباء النفسيين ؟
رسالتى التى أوجهها إلى وزارة الصحة هى الشكر و أخص بالشكر (الأمانة العامة للصحة النفسية ) وهى المسئولة عن الصحة النفسية للمواطنين و تعمل على علاج الإدمان , والعلاج النفسى
ومستشفيات الأمانة العامة للصحة النفسية منتشرة على مستوى الجمهورية , وتقدم الكشف تقريبا مجانا بسعر رمزى جدا ,وتقدم العلاج أيضا مجانا
أشكر وزارة الصحة على إهتمامها بالطب النفسى على أكمل وجه من خلال منصة الأمانة العامة للصحة النفسية , وأشكر زملائى الأطباء النفسيين لقيامهم بواجبهم على أكمل وجه
وأتقدم بنصيحة لكل من يشكو من أى مرض نفسى أن يتوجه لتلك المستشفيات لطلب العلاج أو لأى طبيب نفسى لطلب المشورة والعلاج

فى ختام حوارنا الشيق مع حضرتك د.محمد نتوجه بخالص الشكر والتقدير لشخصكم الكريم شكرا جزيلا.

Related posts

Leave a Comment