الأخلاق وتأثيرها على المجتمع

سها جادالله

الأخلاق ظاهرة اجتماعية يتم صياغتها بصورة واعية و هادفة ، بما يتوافق مع المتطلبات التاريخية في كل مرحلة من مراحل تطور المجتمعات البشرية ، وهي أيضاً شكل من أشكال الوعي الاجتماعي (إلى جانب الفلسفة والعلم والفن والسياسة والدين)،تقوم بمهمة ضبط وتنظيم سلوك الناس في كافة مجالات الحياة الاجتماعية بدون استثناء ،في السياسة وفي العلم، وفي العمل وفي البيت والأمكنة العامة … إلخ.

 والاخلاق هي جماع قواعد ومعايير حياة الناس، تحدد واجباتهم كل تجاه الآخر وتجاه المجتمع”، هو مفهوم نسبي ، تطور حسب المراحل التاريخية، والاوضاع الداخلية الطبقية لمجتمع معين في كل مرحلة من المراحل، فالتطور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي الذي حدث في سياق الانتقال من نمط اجتماعي اقتصادي الى آخر، قاد ضمناً وعلى نحو مفصح عنه الى تحولات في البنية الأخلاقية.

 

 فالقيم الأخلاقية ليست أبدية ولا مطلقة، إنما هي نسبية تابعة لعملية التغير المستمر الذي يؤثر في دوافعها الاجتماعية والبيولوجية والفيزيولوجية وغير ذلك من الدوافع.

إن مفهوم  الأخلاق أو القيم الأخلاقية، قد يتسع ليشير إلى كل ضوابط السلوك التى يلتزم بها الأفراد فى حياتهم اليومية، وقد يضيق ليشير إلى ضوابط سلوكية محددة ، أى تلك التى توصف بأنها أخلاقية، وقد يختلف الناس فيما يدخل تحت الأخلاق وما يخرج عنها، وبما أن الأخلاق مفهوم نسبى، فإن ما يعتبره شعب من الشعوب أخلاقياً قد لا يعتبره شعب آخر، إذا كان يعيش ظروفاً وأوضاعاً متخلفة بائسه ومعقده ومنقسمه كما هو حال شعبنا.

وتعد الأخلاق أنها مجموعةٌ من العادات والسُّلوكيّات والتّصرّفات والأقوال والأفعال التي تنبع من ذات الإنسان وضميره وقناعته؛ فالخير والشّر داخله في صراعٍ دائمٍ، فمتى غلب خيرُه شرَّه أصبح صاحب خُلُقٍ عظيمٍ، وجزءٌ من الأخلاق تُكتسب بالتّربية الصّالحة والاعتياد على سلوك الأوائل من ذوي الأخلاق الحميدة، وهذا الجزء يقع على عاتق كلّ وليّ أمر من الوالدين والمدرسة والمعلّمين والمجتمع، ومكارم الأخلاق هي أفضل الدّرجات في كلّ خُلُقٍ؛ فالأمانة خُلُقٌ كريمٌ ومن اتّصف بكمال الأمانة فقد وصل إلى مرحلة المكارم في هذا الخُلُق

 

ومما يدل على أهمية الأخلاق في المجتمع ، ومدي تأثيرها عليه ، قول” الرسول الكريم علبه افضل الصلاة والسلام ” ((إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق)) وحديث (( إن اقربكم مني منزلة يوم القيامة أحسنكم أخلاقا)) 

 

ما هيأهي المظاهر التي  تدل على ضعف الالتزام الأخلاقي لدى أفراد المجتمع الفلسطيني..؟!!!!

 

الأخلاق كلمة شاملة لكل القيم والمبادئ والسلوك الإنساني الحميد، والحسن والتي بموجبه تسير الحياة بشكل صحيح، وباتجاه الهدف الذي يحقق مبادئ الخلافة للإنسان على هذه الأرض.

ومن هذا المنطلق نجد أن عملية الحكم على أي مجتمع من المجتمعات يجب عليك أن تنظر إلى السلوك المتبع في عمليه التعامل بين أفراد هذا المجتمع، ومن خلال تلك النظرة إلى السلوكيات في هذا المجتمع تسطيع أن تحكم على مدى التطور والذي وصل إليه المجتمع، ذلك لأن انتشار الأخلاق الحسنة في أواسط المجتمع ينعكس بالإيجاب على كل المجالات، ومن ناحيه أخرى نجد أن السقوط الأخلاقي والانحطاط الأخلاقي ينعكس سلبا ويؤثر في كل جوانب الحياة .

وبما أننا مجتمع مسلم وديننا يأمرنا باتباع الأخلاق الحميدة وترك الأخلاق السيئة ما جعل هذه المبادئ والقيم معيارا ينعكس على حياتنا بالسلب والإيجاب ولكن للأسف الشديد عندما تنظر إلى حال المجتمع العربي عامة والفلسطيني خاصة، وتقوم بعمل دراسة على المستوى السلوكي والأخلاقي في هذا المجتمع تجد أننا نعيش في مستوى ردئ، وأن هناك عملية هدم لكل القيم والأخلاق الحميدة وأصبحت مجموعة المبادئ والقيم والأخلاق الحسنة مجرد تعابير ليس لها مكان في الواقع العملي إلا بنسب بسيطة جدا وأصبحت الأخلاق السيئة ثقافه مكتسبة بل وصل إلى حد التباهي والاعتزاز لمن يحمل تلك الثقافة، وهنا سوف أتطرق لمجموعة من السلوكيات عند البعض  في المجتمع الفلسطيني،  والتي أصبحت واقعا نعيشه ونلاحظه غالبا أمام أعيننا ونمارسه كل يوم حتى صارت ثقافة اعتدنا عليها، ولا تجد من يستنكرها في المجتمع إلا نسبه بسيطة من الناس أصبحت رده فعلها لا يؤثر حيث وصلنا إلى مستوى النظرة العجيبة والمريبة لأصحاب السلوك الحميد والحسن.

نذهب إلى المسجد لإقامة الصلاة المفروضة وما أن نفرغ من الصلاة ونستعد للخروج إذا بأشخاص يفقدون أحذيتهم ونكتشف أنها سُرقت، ماذا يعني ذلك؟ يعني أن المجتمع يعيش أزمة أخلاقية وأن بعض هذا المجتمع يغيب عنه الوازع الديني والأخلاقي.

وحينما نذهب إلى السوق ونشتري حاجياتنا من الخضار والفاكهة تجد صاحب المحل يغش في الميزان أو يضع لك جزء منها مغشوشة وما إن تصل إلى البيت تكتشف أنها مغشوشة أو منقوصة الوزن.

 تمشي في أي شارع فتجد مجموعة من الناس يتجادلون ثم يشتبكون بالأيدي والعصيان، وأحيانا بالأسلحة النارية، ويسقط بعضهم مجروحا أو مقتولا وعندما تسأل لماذا وقع ذلك تجد أنه سبب بسيط لا يستدعي أن تصل الأمور إلى هذا الحد.

تذهب إلى أي مرفق حكومي أو خدمي لتقضي معاملتك لن تسطيع قضاء معاملتك إلا إذا دفعت رشوة لكل من له صلة بإنجاز المعاملة.

تمشي في الشوارع فتلتقي بعشرات وأحيانا بمئات المتسولين والمشردين والذين لا يجدون عملا وتشاهد الجدال والاحتكاك بين الناس أحيانا لأتفه الأسباب.

تعود إلى البيت ثم تجلس لتستريح وتفتح شاشة التلفزيون لكي تسمع نشرة الأخبار فترى مشاهد القتل والدمار والصراعات والتهجير والتفجيرات والفوضى في أكثر من بلد عربي.

 ماذا يعني هذا ؟ إننا أمام أزمة أخلاقية كبيرة وأن الناس قد فقدوا كثيرا من مبادئهم وأخلاقياتهم واستبدلوا الماديات بالأخلاق وباعوا ضمائرهم لشهواتهم ورغباتهم، لقد انتشر الفساد في كل مكان ولم يعد للأخلاق الحميدة مكان في مجتمعاتنا وتحول المجتمع إلى غابة من الوحوش تنهش بعضها البعض دون رحمة أو قانون يردها 

والمجتمع الفلسطيني كباقي المجتمعات ، يتأثر بالتغييرات  التى تطرا عليه ،لكن المجتمع الفلسطيني له خصوصيته  ، فالاحتلال الجاثم على صدر الوطن ، خلق اخلاق وطنية ايجابية منها حب الجهاد والمقاومة ، الدفاع عن الأرض ومقدساته ، فتراه رغم كل ما به من تشتت ، إذا وجد الوطن ينتهك يثور بكل قوته ويتسارع كل أبناء الوطن للدفاع عن الأرض والمقدسات .. صفة لايمكن أن تتغير في مجتمع مازال يعيش تحت احتلال وقضيته حديث العالم أجمع 

المجتمع الفلسطيني دفع الكثيرمن فلذات كبده لاجل حرية الوطن والمواطن ، دمر بيته ، قتل طفله ، أسر ابنه ، هود مسجده ، يتعرض كل يوم يوم للعنف ، والقهر ،،الانتهاكات المستمرة بحق المقدسات ، والإنسانية ، لكنه مازال صامد في وجه الاحتلال .

لكن في العقد الأخير برزت خلافات داخلية أثرت سلبا على. سلوك المجتمع الداخلى  ، وادت الي  تمزق وتفرقة بين أبناء الوطن الواحد ، مماساهم في ظهور اخلاق سلبية دخلية على  مجتمعنا ، كالتشدد الاعمي والتعصب لحزب ما أو فصيل  ، والانقياد التام له .

 والدفاع عن الظلم ، والفساد ،بل خلق المبرات له  مما شكل شرخ و تفكك بين أبناء الوطن ،بل البيت الواحد.

إن منظومة الحكم  ساهمت بشكل كبير في التأثير السلبي على المجتمع ،وما اتخذته من إجراءات سواء عقابية  أو محاولة كما تقول لاستعادة الوطن الواحد ، مما ادي لظهور الكثير من المشكلات الأخلاقية ، بل ظهرت بعض  المخالفات الشرعيه والدينة الدخيلة ، منها بعض حالات الانتحارهروبا من واقع ظالم ، بالإضافة إلي ارتفاع نسبة الطلاق في المجتمع ، أيضا ارتفاع نسبة القضايا في المحاكم ، منها سرقات ،شروع بقتل وقتل ، خلافات على أرض ، شيكات مرجعة، وغيرها الكثير …

بالنهاية يبقي السؤال المطروح ، أين الخلل هل في المجتمع؟ أم منظومة الحكم؟ وكيف نستطيع التغلب على هذه المشكلات؟

 

 ما العوامل التي تعيق التزام الفرد المسلم بالأخلاق الاسلامية؟ 

بالأخلاق تعلو الأمم وتنهض وتزدهر وتتقدّم، وهي دليلٌ على بقاء الحضارات وتقدّم شعوبها ورفعتهم؛ فيقلّ مُعدّل الجريمة والانحطاط والاستغلال، ولا يصعد الأغنياء والأقوياء على حِساب الفقراء والضُّعفاء.

لكن عوامل كثيرة تأثر على الفرد وتدفعه لعدم الالتزام بالاخلاق الاسلامية ، منها الظلم والتسلط ، التحكم ، والحجر على الافكار .

إن الاستبداد المعاصر كسلفه القديم، يقوم على احتكار الثروة والسلطة والقوة، ووضع اليد على جميع المرافق العامة، وعلى جميع مجالات الحياة، ويمتص قوة عمل المجتمع، ويختزل الوطن كله في شخص المستبد. ويلتمس لنفسه المشروعية من عقيدة دينية أو عقيدة سياسية، قومية أو اشتراكية يفرضها على المجتمع كله بالعسف والإكراه، ولكي يستتب له الأمن يصطنع المستبد قوى للأمن علنية وسرية، وهذه تصطنع جيشاً من المخبرين والوشاة يتكاثر كالخلايا المسرطنة.

البعد عن الدين ، ونشر افكار دخلية على المجتمع دفعت للتغيير السلبي في الأخلاق 

و التمسك بعادات وتقاليد مخالفة للدين الإسلامي ساهمت في عدم التزام الفرد بالخلق الاسلامي.

و تقليد الغرب ، الافتخار بهم ، ومحاولة تجميل صورتهم كأنهم أهل الاخلاق في حين الدين الاسلامي ، اعطاني  افضل مما يظهرون.

والانتشار الواسع لما يبثه الإعلام الموجه ، من أفكارمسمومة و ليس جديدة على شعبنا ، وتهدف بالمقام الاول الجيل النشئ، فساهم في تغيير أخلاقهم دون رقابة من الأهل .

الفساد المالي والإداري، والأخلاقي في المجتمع فيجي محاربته بكافة الطرق .

التسلط الحكومي ، الاستفراد بالحكم لفئة قليلة دوم باقي افراد المجتمع ، لهذا وجب تنظيم العملية الانتخابية ، وتقبل رأي الاخريين  ،وان تكون الديمقراطية أساس الحكم .

 

 وسائل علاجية للحد من ضعف الالتزام الأخلاقي لدى الأفراد في المجتمع الفلسطيني…

العودة لتعاليم الدين الاسلامي في المقام الأول .

مراقبة ما يبثه الإعلام ومحاولة الإصلاح وبث برامج هادفة تصلح الفرد وإظهار اخلاق المسلم 

التحدث عن سيرة الرسول الاكرم عليه افضل الصلاة والسلام ، خاصة للجيل الصاعد لغرس القيم به ، الحث على حفظ القران وعمل دورات تحفيزية تدفع الناس للمشاركة .

ومن هنا لابد من إعادة النظر في سلوكنا وإعادة تصحيح مسار حياتنا ولنبدأ بأطفالنا وشبابنا ونغرس فيهم القيم والأخلاق الحميدة حتى تترسخ في عقولهم ونفوسهم وتصبح ثقافة لا يمكن التخلي عنها بالتربية والتعليم في الصغر كالنقش على الصخر لا يمكن أن يزول حتى أمام تقلبات الطبيعة وتعرياتها.

نظام الحكم يجب أن يغير من نفسه ، مساومة أبناء المجتمع الواحد ، محاربة الفساد بكل انواعه ، وممارسة الديمقراطية في كل شي ، واختيار الممثل الصح الذي يفيد المجتمع .

أن الاستبداد يقتل في الإنسان شخصه القانوني، إذ يسلبه جميع حقوقه، ثم يقتل فيه شخصه الأخلاقي، فتنغلق دائرة الاستبداد؛ ويغدو بالإمكان إعادة إنتاجه .

وما كان بوسع الاستبداد أن يقتل الشخص الأخلاقي في الإنسان لو لم يتمكن من قتل الشخص القانوني فيه، ولو لم يزعزع قاعدة الحقوق الطبيعية والمدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية .

بالطبع، يفرح المستبدون (حينما تأخذهم العزه بالاثم) بتحويل شعوبهم إلى قطعان، ومن دون أن يدروا أن ضعف شعوبهم الفعلي هو قوتهم الوهمية، ومن دون أن يدروا أن ضعف الشعوب محمول بتراكمات داخليه تتفاعل وتزداد في انتظار لحظة القطع والانفجار في وجه المستبد.

ذلك “إن قتل الشخص القانوني ثم قتل الشخص الأخلاقي في الإنسان هو قتل روح الاجتماع المدني وروح المواطنة؛ ولذلك قيل من لا يدافع عن قوانين بلاده لا يحسن الدفاع عن وطنه، ومضمون القوانين التي يجدر بالمواطنين أن يدافعوا عنها هو الحقوق ومعيارها هو العدالة، والعدالة هي التجسيد الواقعي للمساواة”.

 ان التغيير ليس مجرد حالة ذهنية أو فكرية.. بل موقف وفعل سياسي مباشر بهدف تغيير البنى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المادية السائدة.. أي البنى التي تولد كل هذا الإسفاف الأخلاقي والثقافي والسلوكي.. فبدون تغيير تلك البنى سيبقى الوعي خاضعا لعلاقات القوة المبنية على السيطرة على وسائل الانتاج… والمستندة إلى العمل المأجور الذي في جوهره استغلال لعرق وجهد وعمر وحياة القوى المنتجة من قبل طبقات طفيلية هدفها أولا وأخيرا الربح وتركيم الثروة، بمعنى أن تغيير هذه العلاقات اللاخلاقية في جوهرها ينطلق من تغيير الواقع ذاته… ودور الفكر والأيديولوجيا هنا هو تعزيز هذه العملية الملموسة… أما أن يتحول الفكر إلى عملية وعظ أخلاقي لا تمس الواقع والطبقات المستَغِلَّة… فإنه يصبح في هذه الحالة جزءا من منظومة القهر ذاتها… بهذا المعنى فإن القيم الأخلاقية ما لم تكن قوة فاعلة من أجل كشف الاستغلال والقهر والدفاع عن حقوق ومصالح الناس .. فإنها فقط تعزز الوهم بإمكانية تعميم العدالة وتحقيق الحرية عن طريق الوعظ الأخلاقي.

تحقيق الوحدة الوطنية ،وحدوث المصالحة المجتمعية ،العفو والتسامح بين أبناء الوطن الواحد .

العفو عند المقدرة هو من أسمى الأخلاق، فلا ميزة في عفوٍ مع عجزٍ أو ضعفٍ، إنّما العفو هو أنْ تمتلك القدرة على الثّأر والعقاب لكنّك تؤثر العفو والسّماح إرضاءً لله، والصّفح الجميل هو أن تُسامح وتصفح دون أنْ تُلحق ذلك بالمنّ والتّذكير بعفوك أمام النّاس.

أن الأخلاق هي أساس الحياة وأساس النجاح لكلّ أمة. لا تفتخر بما تحمله من شهادات فليست الشهادة دائماً دليلاً على الثقافة الواسعة، لكن الدليل على ثقافتك يتجسّد في كلامك وسلوكك. التربية الخُلقية أهم للإنسان من خبزه وثوبه.

إذا لم يكن لديك شيئاً تعطيه للآخرين، فتصدّق بالكلمة الطيبة، والابتسامة الصادقة، وخالق الناس بخلق حسن.

الالتزام بالفعل الديني و السياسي والاجتماعي لتغيير الواقع هو الذي يعطيه القيمة الأخلاقية الكبرى… التي ستنتج في سياقاتها منظومة أخلاقية بديلة منسجمة مع الواقع الجديد.

 

Related posts