بقلمي أمل رفعت
دعاني الأصدقاء لرحلة في الصحراء الغربية بالأخص(بالتاسيويتي:ⵉⵙⵉⵡⴰⵏ أو isiwan) ففتحت النت أبحث عن معلومات عنها على خريطة جمهورية مصر العربية فوجدتها تبعد حوالي 300 كم عن ساحل البحر المتوسط إلى الجنوب الغربي من مرسى مطروح، وتتبع محافظة مطروح إدارياً. وتنتشر في أرجائها الآبار والعيون التي تستخدم لأغراض الري والشرب وتعبئة المياه الطبيعية والعلاج، وبها أربع بحيرات كبرى، وملاحات لانتاج الملح الطبيعي، و بها عدة أماكن أثرية مثل معبد آمون، الذي يشهد ظاهرة الاعتدال الربيعي مرتان كل عام، ومقابر جبل الموتى الفرعوني رغم خلوها من الكتابات الهيروغرليفية والتوابيت الفرعونية، كما أن بها محمية طبيعية تبلغ مساحتها 7800 كم، تضم عدة أنواع لأشكال الحياة الحيوانية والنباتية، و أصدقكم القول أنني عند زيارتها لم أجد بها حياة المحمية من الحيوانات والنباتات الغريبة بل وجدت عدة بيوت للأهالي حولها.
يقطن الواحة ما يقارب من 35 ألف نسمة تقريباً، يعمل أغلبهم بالزراعة أو السياحة. يسود المناخ القاري الصحراوي الواحة، فهي شديدة الحرارة صيفاً، أما شتاؤها فدافئ نهاراً شديد البرودة ليلاً.. هذا هو ما وجدته وأكثر شئ صادق هو وجود هذه الواحة على الخريطة، وأنها من أكثر 9 مدن عزلة في العالم.
يا فرحتى وأنا أجهز حقيبة رحلتي وأركب الأتوبيس الذي يبدو فخما لأول وهلة، لكنه بعد مرسى مطروح وتوقفنا في عدة استراحات لا تليق بالسواح ولا حتى المصريين، فالحمامات غير إنسانية بالمرة؛ وهنا فقدنا عنصرا هاما لجذب السياحة ألا وهي (الإنسانية)؛ توقف الأتوبيس تماما لعطل في الرشاشات، ولا حياة لمن ينادي، فأصبحنا معلقين في الصحراء بين مرسى مطروح وسيوة، وقضينا وقتنا في إنتظار نجدة عبر الهاتف من مرسى مطروح لأنه لا يوجد صريخ ابن يومين في الصحراء ولا محطات إغاثة ولا إسعاف إذا حدث مكروه على الطريق؛ لأكتشف بعد ذلك أن أهل سيوة نفسهم يصرخون لخلو واحتهم الجميلة من مركز صحي ولو بسيط أو وجود طبيب واحد يوحد ربنا؛ فينقلون مرضاهم بحالاتهم الحرجة والولادات المتعثرة إلى مرسى مطروح أو الإسكندرية.
وبعد وصول النجدة تأهبت لاستقبال البلدة التي أحببتها من القراءة عنها؛ لأجد نفسي في فندق من الفنادق البالغ عددها إثنين في الواحة كلها مبني على التراث السيوي، عبارة عن قرية مكونة من مبنى الإستقبال ومبنى المطعم ووغرف متناثرة بشكل جميل مبنية من حجر الكرشيف الذي يتكون من الملح والرمال الناعمة المختلطة بالطين كسائر مباني ومنازل أهل الواحة، وتصنع الأبواب والنوافذ من أخشاب شجر الزيتون والنخيل، وهذا شئ رائع، أما الشئ المحزن انعزالنا عن العالم تماما في هذا المكان الموحش، فالغرف خالية من أجهزة التليفون التي توصلنا بصالة إستقبال الفندق وشبكات المحمول في غياهب الجب سوى شبكة وحيدة، فأصحاب القلوب الضعيفة وكبار السن الذين جاءوا للعلاج البديل الطبيعي الذي يعيش عليه أهل الواحة كالرمال المعالجة والعيون الكبريتية؛ وحدث لهم مكروه لا سمح الله لا يجدوا من يسفعهم حتى ولو جرس بدائي تصل إليه أيديهم للإغاثة.
وفي بداية اليوم التالي ذهبنا لزيارة جبل الموتى ولا أدري من الموتى الأحياء الذين يعيشون بلا مرافق أو خدمات أم الموتى الذين دفنوا في الجبل بلا توابيت أو ما يدل على فرعونيتهم، والجدير بالذكر أن كهنة معبد آمون حين تطهيرهم للإسكندر في بئر المعبد لم يردموا الآبار التي هي كسائر العيون التي تحتاج نظافة وفلترة وعناية ولكن أظنها جفت من الإهمال.
وتتناثرت الفتايات الصغيرات تجري وراءنا كعقد ملون على جيد المعبد لرسم الحنة على كفوفنا أو شراء مشغولات يدوية بالخوص أو الحرير في غاية الجمال من أمهاتهن المختبئات وراء النقاب، واللاتي خرجن لبيع صنع اياديهن للحاجة، فالمرأة السيوية لا تخرج من دارها إلا على بيت زوجها عندما تبلغ الرابعة عشر أو على قبرها؛ وهذا ما شرحه لنا صاحب المصنع الوحيد في سيوة، هو مصنع للتمور يعتمد على جزء بسيط آلي وباقي التعبئة يدوية، أنه منذ سنوات حاول إقناع بعض القتايات للعمل في تعبئة التمور، كما ساعد المرأة السيوية في التعليم ودخل هذا العام ثلاث فتايات وطالب واحد كلية الطب ، وكانت فرحتهم عارمة فهم في انتظار طبيب واحد ينقذ الواحة.
ويعاني أهل الواحة الطيبين من عدم وجود صرف صحي وعيشتهم بدائية، مما دعاني للإستغاثة بعدما شاركتهم في المعاناة في العزلة والخوف وامتهان الإنسانية في عدم وجود صرف صحي، ودعاني كل هذا للتساؤل.. بلد بها كل هذه المقومات الصناعية والزراعية والسياحة العلاجية والأثرية والسفاري والمتعة الناقصة في كل شئ، والخير الوفير من النخيل والزيتون والصناعات اليدوية ، أين وزارة الأستثمار من كل هذا؟؟!!..لم أجد سوى جواب واحد(الإهمال).
أيها السادة حملني أهل سيوة صرختهم أمانة.. يا وزارة الزراعة؛ سيوة مصرية.
يا وزارة الصناعة، سيوة مصرية.
يا وزارة التخطيط العمراني، سيوة مصرية.
يا وزارة السياحة، سيوة مصرية.
يا وزارة الصحة، سيوة مصرية.
يا وزارة التعليم، سيوة مصرية.
يا محافظ مرسى مطروح؛ سيوة مصرية.
يا أهل مصر، سيوة مصرية.