شجعت نتيجة حملة طريف طارق بن زياد بالاستعداد لفتح بلاد الأندلس،وبعد مرور أقل من عام من عودة حملة طريف خرج طارق بن زياد في سبعة آلاف جندي معظمهم من البربر المسلمين وعبر مضيق البحر المتوسط إلى الأندلس، وتجمع المسلمون عند جبل صخري عُرف فيما بعد باسم «جبل طارق» في (5من شهر رجب 92 هـ=27من أبريل 711م) وأقام طارق بتلك المنطقة عدة أيام،وبنى بها حصنًا لتكون قاعدة عسكرية بجوار الجبل،وعهد بحمايتها إلى طائفة من جنده لحماية ظهره في حالة اضطراره إلى الانسحاب ثم سار طارق بجيشه مخترقًا المنطقة المجاورة بمعاونة الكونت يوليان، وزحف على ولاية الجزيرة الخضراء واحتل قلاعها،وفي أثناء ذلك وصلت أنباء الفتح إلى أسماع لذريق، وكان مشغولاً بمحاربة بعض الثائرين عليه في الشمال،فترك قتالهم وأسرع إلى طليطلة عاصمة بلاده،واستعد لمواجهة جيش المسلمين،وجمع جيشًا هائلاً بلغ مائة ألف مقاتل مزودين بأقوى الأسلحة،وسار إلى الجنوب للقاء المسلمين وهو واثق كل الثقة من تحقيق النصر.
ولما علم طارق بأنباء هذه الحشود بعث إلى موسى بن نصير يخبره بالأمر،ويطلب منه المدد،فبعث إليه بخمسة آلاف جندي من خيرة الرجال،وبلغ المسلمون بذلك اثني عشر ألفًا. (معركة شذونة .. وادي لكة ..وادي برباط) رحل لذريق إلى بلدة شذونة وأتم بها استعداداته ثم اتجه إلى لقاء المسلمين،ودارت بين الفريقين معركة فاصلة بالقرب من وادي لكة أو وادي برباط وكان اللقاء قويًا ابتدأ في 28 من رمضان 92ﻫ = 18من يوليو 711م، وظلّ مستمرًّا ثمانية أيام،أبلى المسلمون خلالها بلاءً حسنًا، وثبتوا في أرض المعركة كالجبال؛رغم تفوُّق عدوِّهم في العدد والعدة،ولم ترهبهم قوته ولا حشوده،وتفوقوا عليه بالإعداد الجيد،والإيمان القوي،والإخلاص لله عز وجل،والرغبة في الشهادة في سبيله. وتحقق لهم النصر في اليوم الثامن من بدء المعركة، وفر لذريق آخر ملوك القوط عقب المعركة،ولم يعثر له على أثر،ويبدو أنه فقد حياته في المعركة التي فقد فيها ملكه.
نتائج معركة وادي برباط
1-طوت الأندلس صفحة من صفحات الظلم والجهل والاستبداد،وبدأت صفحة جديدة من صفحات الرقي والتحضر.
2-غنم المسلمون غنائم عظيمة؛كان أهمها الخيول فأصبحوا خيالة بعد أن كانوا رجالة
3- بدأ المسلمون المعركة وعددهم اثنا عشر ألفًا وانتهت المعركة وعددهم تسعة آلاف فكانت الحصيلة ثلاثة آلاف من الشهداء رووا بدمائهم الغالية أرض الأندلس.
بعد معركة وادي لكة طارد طارق بن زياد فلول الجيش المنهزم،وسار بجيشه يفتح البلاد،ولم يجد مقاومة عنيفة في سيره تجاه الشمال،وفي الطريق إلى طليطلة عاصمة القوط كان طارق يرسل حملات عسكرية صغيرة لفتح المدن؛مثل:قرطبة وغرناطة وإِلبيرة ومالقة.
وواصل طارق سيره شمالاً مخترقًا هضاب الأندلس حتى دخل طليطلة بعد رحلة طويلة شاقة،بلغت ما يزيد على ستمائة كيلو متر عن ميدان المعركة التي انتصر فيها. ولما دخل طارق مدينة طليطلة أبقى على من ظل بها من السكان،وأحسن معاملتهم،وترك لهم كنائسهم وتابع زحفه شمالاً حتى وصل إلى خليج بسكونيه،ثم عاد ثانية إلى طليطلة،وكتب إلى موسى بن نصير يحيطه بأنباء هذا الفتح وما أحرزه من نصر،ويطلب منه المزيد من الرجال والعتاد لمواصلة الفتح ونشر الإسلام في تلك المناطق، وتخليص أهلها من ظلم القوط. كان موسى بن نصير يُتابع سير الجيش الإسلامي بقيادة طارق في الأندلس،وأدرك أنه في حاجة إلى عون ومساندة بعد أن استشهد كثير من المسلمين في المعارك التي خاضوها؛ فعَبَر إلى الأندلس في ثمانية عشر ألف جندي في(رمضان 93هـ= يونيه 712م) وسار بجنوده في غير الطريق الذي سلكه طارق بن زياد؛ليفتح بلادًا جديدة،حتى وصل إلى طليطلة والتقى بطارق.
وبعد أن استراح القائدان قليلاً في طليطلة عاودا الفتح مرة ثانية، وافتتحا سرقسطة وطركونة وبرشلونة وغيرها من المدن، ثم افترق الفاتحان، وسار كل منهما في ناحية حتى أتمَّا فتح الأندلس..