بقلم الدكتور حسن عبد العال كلية التربية جامعة طنطا. متابعة: أحمد عبد الحميد ..
يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : “فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا ” ( هود : 112 ) ، ويقول تعالى : ” إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون ” ( الأحقاف : 13 ) ، ويقول تعالى : ” إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا ةأبشروا بالجنة التى كنتم توعدون نحن أولياؤكم فى الحياة الدنيا وفى الآخرة ” ( فصلت : 30 – 31 ) .
الاستقامة صفة خلقية أساسية جامعة لمعانى الدين ومقاصده، وهى منهج لاستقامة العقيدة ، واستقامة الفكر ، واستقامة اللسان والكلام ، واستقامة الفعل والعمل ، هى بإيجاز شديد استقامة الحياة ، هى المنهج الذى عناه القرآن الكريم ب ” الصراط المستقيم ” الذى جاء به رسل الله جميعا .
ولكن ما الاستقامة ؟
إن الاستقامة ضد الاعوجاج ، فكل ما خلا من الاعوجاج فهو استقامة ، وكل اعوجاج أو كل ما فيه اعوجاج هو خروج عن الاستقامة ، وعلى هذا فتشمل الاستقامة الصدق والنزاهة والاخلاص والعدل والإنصاف والوفاء والأمانة والاعتدال ، ومن الاستقامة اجتناب الكذب والخيانة والانحراف والتدليس واخلاف الوعود والعهود وبخس الناس حقوقهم .
وكل هذه بدهيات فى الدين وفى الفطرة السوية ، هى بشكل جازم فى تعريفها ” كلمة جامعة آخذة بمجامع الدين ” كما قال ابن القيم فى مدارج السالكين وكما قال غيرة .
وهى كمنهج للبحث العلمى تتناول إستقامة الفكر فى كل نشاط عقلى ، وذلك باتباع الدليل واستقصاء الحجة العقلية ، دونما التواء أو تحريف أو تلبيس ، دونما محاباة أو مغالاة ، وهذا ما قصده الإمام ابن تيمية بكتابه الذى أسماه ” الاستقامة ” فقد ركز فيه على أخلاقيات المنهج المستقيم : وأهمها الاعتدال فى طرح ومناقشة القضايا وأهمية الاستدلال ، فقد قال فى مطلع الكتاب : ” قاعدة فى وجوب الاستقامة والاعتدال . . . ”
فالبحث العلمى والنشاط الذهني والنتاج العلمى ما لم يكن محكوما بقيم الاستقامة وما تحتويه وتشتمله من صفات وأخلاق العلم كالنزاهة وما تعنيه من العدل والموضوعية ، والاستقامة بعدم تحكيم المصالح والميول والاتجاهات لن يثمر نتائج ذات قيمة .
ومن الاستقامة التجرد فى معالجة الأمور ، إذ تتطلب ترك الانفعالات والتفضيلات الشخصية جانبا .
والاستقامة تعنى فيما تعنيه الإنصاف وهو فى النشاط العقلى والبحث يقتضى ان يزن الباحث كل الآراء والأفكار بميزان يخلو من الانحياز ، فلا يقدم لرأى او لفكرة على غيرها حتى يتبين دليل صحتها وهو فى هذا يتتبع الدليل ويحاول استقصاءه ، فمفهوم الاستقامة يتضمن المساواة أى ان يقف الباحث أمام كل ما يعرض عليه من أراء وأفكار ونظريات موقف الحياد العلمى ، وهو عندما ينحاز انما ينحاز على أساس تقدير موضوعى لإيجابيات الحجج وسلبياتها ، وإلا فانه يكون قد انحرف واعوج والاعوجاج ضد الاستقامة .
ولعل ذلك معنى من معانى أمر الله سبحانه لنبيه ” فاستقم كما أمرت ” .
أنه لحكمة إلهية ان يكرر المرء كل يوم وليلة فى صلاته دعاء ” اهدنا الصراط المستقيم ” حيث الاستقامة صراط وطريق ومنهج كامل شامل ، غير منحصر فى مجال معين ، وإن كان الحديث هنا هو مجال البحث العلمى .