بقلم-دكتور محمد حمزه…
قبل أن تغزو الثورة الرقمية والشبكة العنكبوتية العالم كانت لكل دولة حدودها، ولكل شعب خصوصيته وعاداته، ولكن بعد ظهور هذه الشبكة أصبح العالم بأسره عبارة عن قرية كونية صغيرة، ذابت فيها الحدود، سواء كانت الحدود الجغرافية والمكانية، أو حتى الحدود الزمنية. ففي أي وقت تذهب إلى أي مكان فى العالم وأنت فى مكانك، دون أي حواجز.
ومن هنا بدأ أن ينتهي عصر الخصوصية، وأصبح كل شيء على المشاع.
اختلطت الثقافات، وتداخلت العادات والتقاليد، وأصبح كل شيء مكشوف ولا يمكن لأحد ان يخفيه.
ولكن ليس هذا كل شيء؛ بل هناك ما هو أخطر وهو ما يسمى باختراق الخصوصية.
فكلما زاد التطور الرقمى وظهرت أنظمة تعتمد على التكنولوجيا، كان هناك على الصعيد الآخر من يستغل ثغرات هذه الأنظمة.
وبما أن القاعدة تقول (أن كل ما هو رقمي هو غير آمن).
إذن أصبح كل ما هو متصل بهذه الشبكة يمكن الوصول الى المعلومات الخاصة به، ومن هنا بات أغلى شيء في العالم هو المعلومات. بل وأضحت المعلومات هي بترول القرن الواحد والعشرين لأن هناك من يستخدمها لصالحه سواء على المستوى الشخصى أو التجارى والاقتصادى أو حتى على المستوى الدولي.
وزاد الأمر تعقيداً عندما أصبح معظم ما نستخدمه الآن رقمياً. أو كما يقال عليه ذكياً(سمارت).
فأنظر حولك الآن في المنزل سوف تجد هناك عشرات الأجهزة التي يمكن اختراقها للوصول الى معلوماتك. فأصبحت شاشات التلفاز ذكية، والثلاجات، والغسالات، ومبردات الهواء، حتى صانع القهوة والستائر تستخدم من خلال تطبيقات على هاتفك المحمول، وان كنت لا تستعمل كل هذه الاشياء فيكفى فقط إختراق هاتفك الذكي الذي يحمل في طياته كل شئ عن حياتك ،سواء صورك الشخصية، أو أسرارك فى محادثاتك مع المقربين اليك، أو محفظتك الالكترونية، أو حساباتك البريدية، وأيضا البنكية …..الخ .
الحقيقة أننا أصبحنا الآن فعلاً في زمن إنتفت فيه خصوصياتنا.
هل بدأت تفكير فيما ذكرت؟هل شعرت بالقلق؟
صدقني هذا ليس كل شيء، بل دعنى أذكر لك الأكثر مرارةً.
وهو أنه وإن كان كل ما ذكرته من إختراق لخصوصيتنا كان رغماً عنا وخارج عن إرادتنا، إلا أنه نحن الآن من يفعل ذلك طواعياً!!
فنحن الآن من يعطي الأمر إلى الخصوصيات كي تكون (خصوصيات معلنة) .
أصبح معظمنا يكتب مذكراته على الهواء مباشرة، وأصبحت حالاتنا على مواقع التواصل الإجتماعي هى عبارة تقرير يومي لما نقوم بفعله،
متى نشعر بالسعادة، ومتى نشعر بالحزن، الى أين نذهب، ومتى سنعود، أصبحت مشاعرنا لايف، وعواطفنا شبه وهمية، وأخيراً أصبحنا بلا خصوصية.
وقبل أن أنتهى من مقالى أود أن يعلم من يقرأ هذا المقال أنه:
عندما تفصح فى حالات السوشيال ميديا عن سعادتك هناك من هو مهموم، وعندما تنشر صوراً لأسرتك هناك من هو محروم، وعندما تتظاهر بملابسك وأغراضك الشخصية الثمينة هناك من هو كل أحلامه أن يحصل على وظيفة ليكفى قوت يومه ….. ارجعوا إلى خصوصياتكم فهناك من يفرح لنا ويتمنى الخير، وهناك أيضاً من يحقد علينا ومن يراقبنا لأغراض لا نعلمها، وهناك أيضا من يتألم .