بقلم / الباحثة ميادة عبدالعال
علمتنا الحياة أن النجاح يبعث إلى النجاح ، والفشل يبعث إلى الفشل ، عندما نجحوا في تجاربهم الأولى دعاهم النجاح إلى متابعة النجاح بل مضاعفته ، فانتقل العالم في هذين القرنين إلى ما كان يعد حلماً من الأحلام أو ضرباً من الأوهام .
والأمة لا تزال في حاجة إلى هذه الخطوة الأخيرة التي خطاها العالم الغربي ، فيتجه نحو حاضره كما هو متجه نحو ماضيه ، ويتجه إلى إصلاح دنياه كما هو متجه إلى أخراه ، ويعتقد أن في مقدوره أن يصلح ما فسد ويجدد ما بلى ، ويدرك مواضع قوته ومواضع ضعفه ، ثم يعالج مواضع ضعفه بالعلم ، وإذ ذاك يسير في ركب الحياة مع السائرين ويبني مع البانين .ثم زادهم نجاحاً أنهم أسسوا إصلاحهم على العلم لا على الخيال : العلم بالطبيعة التي حولهم ، والعلم بالبيئة التي تحيط بهم ، والعلم بالناس وطبائعهم ، فكانوا إذا دعوا إلى نوع من الإصلاح درسوا واكتشفوا الحقائق , وجربوا وبنوا إصلاحهم على الدرس والإحصاء والتجربة . فكان النجاح مكفولاً- بإذن الله – ، ودلهم البحث في مجتمعهم على إدراك نقاط الضعف في حياتهم ونقط القوة ، ثم وجهوا همهم نحو نقط الضعف فقووها ، ونقطة القوة فزادوها قوة ، حتى سادت الروح العلمية في كل مناحي الحياة الاجتماعية وأنظمتها ومحاولة إصلاحها .وأنه لا سبيل إلى ذلك إلا بالثورة على الفكرالحاضر والنظرة القديمة إلى الحياة ، ليس قدراً مقدوراً ! ولكنه نسيج من صنع الإنسان يستطيع أن ينقض غزله ويغزل بدله غزلاً قوياً متيناً صالحاً ، وأن العقول الفاسدة ، وظلم الاغبياء ، والعادات السيئة والتقاليد الرثة ، في إمكان الإنسان أن يثور عليها ويغيرها ويحل محلها خيراً منها !
فعمل المصلحون على ذلك ، وتحملوا العذاب في سبيل دعوتهم ، وألحوا فيها ، فإذا فشلو أو شردوا خلفهم من يدعو دعوتهم ، إلى أن نجحوا فتحقق أملهم ، ودلت التجربة على أن الحاضر من صنع أيديهم ، وأنهم يستطيعون تغييره ، وأنهم غيروه فعلاً ، فتبعهم المصلحون وتشجعوا على الإصلاح ، وغيروا وجه العالم سواء في الماديات أو في المعنويات : في الصناعات ، في أسس المعيشة الاقتصادية ، في الشئون الاجتماعية ، إلى غير ذلك . وكان رائدهم الأعلى الإيمان بقدرتهم ، وأن الفساد من صنع أيديهم ، وأن الناس قادرون على الإصلاح كما هم قادرون على الإفساد ، وأن العادات التي تكبلهم وتقيد حريتهم وتسومهم سوء العذاب ليست إلا أوهاماً يستطيعون التغلب عليها