بقلم / بشري العدلي محمد
يزداد عجبي كل يوم لأننا أمة لا تقدر الكلمة في حياتها على الرغم أننا من نزل لنا قول الله جل في علاه :
(ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون . ومثل كلمة خبيثة كشجرة أجتثت من فوق الأرض مالها من قرار ) .
وحينما يشبه مولانا جل في علاه الكلمة بشجرة فأنا أفهم من ذلك : أن الكاتب الذي يريد أن يضع كلمة في رحم الأوراق العذراء البكر فعليه أن يعرف أنه يزرع شجرة ‘ هذه الشجرة إما أن تنفع الناس بثمارها الطيبة ‘ وإما أن تضرهم بثمارها الخبيثة. فلغتنا العربية كلمات مثمرة ‘ ولذا فهى كلمة للفعل وليست للتفاهم فقط فنحن نؤمن بكلمة ‘ ونكفر بكلمة’ ونصلي بكلمات ‘ وندعو ونرجو ونستعطف بكلمات ‘فالكلمة عندنا ميثاق و دستور وهذا ما دفعني للحديث عن تعريف الكلمة الشعرية الجادة التي تؤثر في المجتمع فتطوره لا تؤخره ‘ وترفعه لا تحطمه’ وتعزه لا تذله’ وتنشر فيه النور لا الظلام ‘ وتقدم له الخير لا الشر وتلونه بالجمال ‘وتبعد عنه القبح .
فالشاعر مسئول مسئولية كاملة عن كلمته في الشعر مدحا أو قدحا وصفا أو سردا خبرا أو عرضا.
إن الكلمة في الشعر تولد من رحم الثقافة والقراءة والاطلاع لدى الشاعر ‘لذا فإن لها أهمية كبيرة في حياتنا الأدبية والثقافية والاجتماعية والنفسية ‘لأنها تسهم في حل كل هذه القضايا ‘والشعر يتطور بتطور الأمم فنرى فنونا جديدة قد ظهرت تختلف من حيث المضمون والأسلوب واللغة والأوزان التي تناسب طبيعة العصر الذي يعيش فيه ‘لكن ينبغي أن يتوافر في الشعر الجيد المعنى ‘ والوزن ‘والقافية ‘ والهدف ‘بالإضافة إلى كيفية توظيف الشاعر للكلمة في شعره لتؤثر في المتلقي .
[ad id=”1177″]
إن الشاعر حينما يستخدم الكلمة الصادقة في شعره إنما يعبر عن سر من أسرار الحياة ‘فكل لفظ يكتبه إنما هو خلاصة تجربة مر بها ‘فالشعـر هو حديث الروح ‘والكلمة بها تتفتح لها مغاليق القلوب ‘ وتنساب بين حنايا الضلوع كما تنساب المياه بين الصخور ‘ حتى أن القاريء يستطيع من خلال كلمات الشاعر أن يقرأ روح الشاعر وفكره لأنها تعبر عن أحلامه وآماله وآلامه ‘ وترسم واقعه المرير ‘وتصف غده المأمول ‘ فالكلمة عنده لا تتقيد بحدود الزمان والمكان.
إنني أدرك جيدا أن الشاعر حينما يكتب شعرا ويصور خيالاته وعواطفه إنما يرسمها بالكلمات ‘هذه الصور والمشاعر والتأملات تلازمها موسيقى عذبة داخلية تتخلل سيل الكلمات وانسيابها ‘ والقصيدة المؤثرة نتاج حوار هاديء وصادق بين الشاعر وقصيدته يجب أن تلامس واقع نفسه وأمته.
إن الكلمة في الشعر لها أهمية كبيرة في المجتمع بجانب الفكر والعلم ‘ وعلينا أن نخلق نوعا من التوازن بين الشعر والفكر والعلم إذا أردنا النهوض بمجتمعنا العربي.
إن هذا المقال ليس من باب الموعظة الحسنة فقط بل من منطلق ضرورة تطوير الخطاب الشعري ليليق بأمة العرب لأنها أمة البيان التي تستطيع أن تفرق بين كلمات النبي وشقشقات البغي وبين جميل البيان وسجع الكهان .