بقلم/ مروة الجميل …
اعتدت كل ليلة على التسوق لشراء بعض احتياجاتي لم تدق عقارب الساعة العاشرة مساءً بعد وبليلة صيف هادئة داعب نسيمها وشاحي جذبتني شوارع المحروسة عُنوة.عُنوة ولكن تخللتها متعة رفقة الصديقات ولذة الحديث إليهن .
اتجهت ناحية احد المحال لشراء بعض احتياجات المنزل وساقتني خطواتي البطيئة انا وصديقاتي نحو قسم البقالة وإذا بصوت مرتعش يجذب مسمعي لم يسعفني ذكائي للوهلة الاولى لتحديد هوية صاحب هذا الصوت المرتعش ان كان لرجلاً او امرأة او رُبما دُمية لاحد أطفال زبائن المحل.
ووجدتها ليلاً …..امرأة عجوز تقاسيم وجهها المترهل دلت على بلوغها الكثير وخانني ذكائي للمرة الثانية على التوالي في خلال لحظات بتحديد عمرها الفعلي ولكنني فطنت لبرهة” بالتأكيد تعدت العقد التاسع من العُمر او اقل بسنوات قلائل” .
ارتدت جلبابًا مهندمًا نوعًا ما وانتعلت حذاءّ خفيفًا لكنه اخفق في توازنها وتصطحبها فتاة جميلة ربما لم تتعد السادسة عشر بيضاء البشرة ذات ملامح أوروبية وجسد رشيق ينم عن عُذرية فتاة مدللة تخطو اولى خطوات طريق الصِبا .
وإذا بالعجوز صاحبة النبرة المرتعشة تطلق كلماتً اثارت متابعتي لحوارها المرتعش مع الباعة “انت حطيت الجبنة”وما ان أصدرت تلك الكلمات المرتعشة واخترق مسمعي قهقهة الباعة ،نظرات السخرية التي ملئت نظراتهم اليها حملت في طياتها الكثير وكأنهم يكادوا يتسائلون كيف يليق لسيدة مثلك بالبحث عن قطعة جُبن ؟كيف يتسنى لك إياها العجوز في معاندة الظروف وطلبك للجُبن الأبيض؟الايكفيكي طعام السنين؟! الا يكفيكي كِسرة خُبز وشربة ماء لتعيشين ما يتبقى لك من العُمر؟!وكيف لك ان تعيشين كل هذة السنين؟!
وازدادت قهقهة الباعة وأخذوا يتلامزون ويسخرون ورمقت العجوز بنظرة محاولة مني في فهم ما يدور بفكرها ..ولكنني وجدتها الى حد ما تكاد تكون مدركةً لما يحدث حولها من سخرية الشباب ولكن خانتها قواها الجسدية والفكرية على مواجهتهم .لم تسعفها الظروف في الدفاع عن كرامتها …لكنها احست ،لم تعطها الحياة فرصة اثبات الذات في هذة السن المتقدم رغم محاولتها المستميتة في فرض سيطرتها كإنسانة لازالت تعلن الحياة .
وبخُطى بطيئة تابعتها لم تنتبابني لحظة خوف من فقدها رغم ازدحام المكان فبخُطاها البطيئة لن تقوى على المراوغة وسأتمكن انا من ملاحقاتها .
واتجهت العجوز لعامل الخزينة وبيدها حافظة جلدية سوداء اللون تشققاتها الجلدية دلت على امتلاكها لها من زمنًا ليست بالقليل تتناسب مع أوردة يديها وكإنهما صديقان تعاهدا ان يسلكا طريقًا واحدًا حتى رحيل احدهما عن الآخر.
ودنوت من صبية البشرة البيضاء قائلة”هي الست دي قريبتك يا حبيبتي”اجابتني مبتسمة “لا قاعدة عندنا في البيت من ايام مامت جدتي”
ولازالت في متابعة العجوز أراقب تصرفاتها البطيئة ورعشة يديها التي أبحرت بفكري لزمنًا إذ لربما يكون ليست بالكثير وبالتأكيد سيأتيني يومًا كهذا اجر فيه اذيال عمر ًا ولن يعود ،وبرغم اتكاء العجوز على صبية البشرة البيضاء الا انها لم تطلب مساعدتها في اخراج النقود لمحاسبة عامل الخزينة وبرغم ضعف نظرها وارتعاشة يديها الا انني قرأت بنظرة عينيها رغبة جامحة في ممارسة الحياة ،وبالرغم من إدراكها لسخرية ممن حولها بحالها الا انها مبتسمة ابتسامة غير مصطنعة وكإنها ترسل رسالة من عالم وحدها فقط تدرك خباياه….هآنذا مازالت احيا بينكم…