زينب اكنيز …
إن الأسرة هي مصنع الرجال، وإذا أردت أن تحكم على مستقبل أية أمة، فما عليك إلا التحقق من نهج الأسر في التعامل مع أبنائهم الذين سيكونون آباء وأمهات المستقبل.. وهكذا دواليك. لذلك من الأهمية بمكان ألا يكتفي دور الوالدين بتوفير الاحتياجات المادية لأبنائهم، معتقدين أن هذا هو غاية المنى ومنتهى الأمل، لكن يجب أن يكون هناك حوار دائم ولقاءات ثابتة مهما كانت شواغلنا، فضلاً عن توسيع نطاق القاسم المشترك بين الآباء وأبنائهم، مثل صداقاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي ومشاركتهم بعض الاهتمام أو التظاهر بذلك، لفتح مجال أكبر للاقتراب من أفكارهم، فهم ولدوا لزمان غير زماننا.
إن قيم حب الوطن والتضحية من أجله والانتماء والولاء له، والبذل بالجهد والمال في سبيل رفعته والدفاع عنه ضد ما يهدده أو ينال من أبنائه، لا يمكن أن يدركها، فضلاً عن تعلمها، الفرد الذي يعيش في أسرة مفككة، ولا أعني بذلك حدوث انفصال بين الوالدين، ولكن قد يجتمع أفراد الأسرة تحت سقف واحد بأجسادهم وتتباعد أفكارهم، وقد تصل إلى حد الصدام، وهو ما يشير إلى أهمية دور الأسرة في غرس القيم التي تحظى بالرضى العام والاتفاق المجتمعي، بحيث يكون من شذ عنها شذ عن العقد الاجتماعي، والتراضي العام الذي يتم عبر الحوار والتوجيه الاجتماعي والتواصل بين الأجيال الذي حافظ على قيم المجتمع وتوازنه مع الانفتاح على الثقافات كافة، استناداً إلى واقع ثقافي واجتماعي متين.
من هنا تجيء المقولة الكاشفة «إن الرجال لا يولدون، بل يصنعون»، تعبيراً صادقاً عن دور الأسرة المحوري في صناعة مجتمع آمن بمعناه الشامل والواسع الذي يعني أنه آمن في فكره وثقافته، وآمن على حاضره ومستقبل أبنائه، وآمن على مكتسباته وإنجازاته.
إن بناء الرجال قرين بناء الأوطان، لأنهم المدافعون عن الوطن والحامون له، لذلك في تقديري أن الترابط الأسري من القضايا المتعلقة بأمن الوطن الذي يبدأ من الأسرة، وإذا كان الأمر كذلك، فلا ينبغي أن يتنازل الأبوان عن هذا الدور ليقوم به غيرهما، لأن كل رجل عظيم محقق لذاته ونافع لمجتمعه، هو ابن لأسرة مترابطة، لذلك أعود وأكرر أن الترابط الأسري هو الطريق إلى مجتمع آمن.